وصيته لكميل بن زياد
حدثنا حبيب بن الحسن ، ثنا موسى بن إسحاق . وثنا سليمان بن أحمد ، ثنا قالا : ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة أبو نعيم ضرار بن صرد . وثنا أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد الحافظ ، ثنا محمد بن الحسين الخثعمي ، ثنا إسماعيل بن موسى الفزاري قالا : ثنا عاصم بن حميد الخياط ، ثنا ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي ، عن عبد الرحمن بن جندب ، عن كميل بن زياد ، قال : أخذ بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان ، فلما أصحرنا جلس ، ثم تنفس ، ثم قال : علي بن أبي طالب
يا كميل بن زياد ، ، احفظ ما أقول لك : الناس [ ص: 80 ] ثلاثة : فعالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق ، القلوب أوعية ، فخيرها أوعاها ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، العلم يزكو على العمل والمال تنقصه النفقة ، ومحبة العالم دين يدان بها ، العلم خير من المال ، وجميل الأحدوثة بعد موته ، وصنيعة المال تزول بزواله ، مات خزان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة ، هاه ، إن هاهنا - وأشار بيده إلى صدره - علما لو أصبت له حملة ، بلى أصبته لقنا غير مأمون عليه . يستعمل آلة الدين للدنيا ، يستظهر بحجج الله على كتابه ، وبنعمه على عباده ، أو منقادا لأهل الحق لا بصيرة له في إحيائه ، يقتدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة ، لا ذا ولا ذاك ، أو منهوم باللذات ، سلس القياد للشهوات ، أو مغرى بجمع الأموال والادخار ، وليسا من دعاة الدين ، أقرب شبها بهما الأنعام السائمة ، كذلك يموت العلم بموت حامليه ، اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة ؛ لئلا تبطل حجج الله وبيناته ، أولئك هم الأقلون عددا ، الأعظمون عند الله قدرا ، بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم ، ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر ، فاستلانوا ما استوعر منه المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمنظر الأعلى ، أولئك خلفاء الله في بلاده ، ودعاته إلى دينه ، هاه هاه شوقا إلى رؤيتهم ، وأستغفر الله لي ولك ، إذا شئت فقم . العلم يكسب العالم الطاعة في حياته