الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              قال الشيخ رحمه الله : بدأنا بذكر من اشتهر من الصحابة بحال من الأحوال ، وحفظ عنه حميد الأفعال ، وعصم من الفتور والإكسال ، وفصل له العهود والحبال ، ولم يقطعه سآمة ولا ملال ، فمن المهاجرين أولهم

              1 - أبو بكر الصديق

              أبو بكر الصديق ، السابق إلى التصديق ، الملقب بالعتيق ، المؤيد من الله بالتوفيق ، صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحضر والأسفار ، ورفيقه الشفيق في جميع الأطوار ، وضجيعه بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار ، المخصوص في الذكر الحكيم بمفخر فاق به كافة الأخيار ، وعامة الأبرار ، وبقي له شرفه على كرور الأعصار ، ولم يسم إلى ذروته همم أولي الأيد والأبصار ، حيث يقول عالم الأسرار : ( ثاني اثنين إذ هما في الغار ) إلى غير ذلك من الآيات والآثار ، ومشهور النصوص الواردة فيه والأخبار ، التي غدت كالشمس في الانتشار ، وفضل كل من فاضل ، وفاق كل من جادل وناضل ، ونزل فيه : ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ) ، توحد الصديق في الأحوال بالتحقيق ، واختار الاختيار من الله حين دعاه إلى الطريق ، فتجرد من الأموال [ ص: 29 ] والأعراض ، وانتصب في قيام التوحيد للتهدف والأغراض ، صار للمحن هدفا ، وللبلاء غرضا ، وزهد فيما عز له جوهرا كان أو عرضا ، تفرد بالحق عن الالتفات إلى الخلق ، وقد قيل : إن التصوف الاعتصام بالحقائق ، عند اختلاف الطرائق .

              حدثنا أبو بكر بن خلاد ، ثنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان ، ثنا يحيى بن بكير ، قال : حدثني الليث بن سعد ، عن عقيل ، عن ابن شهاب : قال : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، عن ابن عباس : أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه خرج حين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمر يكلم الناس فقال : اجلس يا عمر ، فأبى عمر أن يجلس ، فقال : اجلس يا عمر ، فتشهد فقال : أما بعد ! فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، إن الله تعالى قال : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) الآية . قال : والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله عز وجل أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر ، فتلقاها منه الناس كلهم ، فما نسمع بشرا من الناس إلا يتلوها . قال ابن شهاب : أخبرني سعيد بن المسيب ، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي ، وحتى أهويت إلى الأرض وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد مات .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية