قال الشيخ رحمه الله : بدأنا بذكر من اشتهر من الصحابة بحال من الأحوال ، وحفظ عنه حميد الأفعال ، وعصم من الفتور والإكسال ، وفصل له العهود والحبال ، ولم يقطعه سآمة ولا ملال ، فمن المهاجرين أولهم
1 - أبو بكر الصديق
، السابق إلى التصديق ، الملقب بالعتيق ، المؤيد من الله بالتوفيق ، صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحضر والأسفار ، ورفيقه الشفيق في جميع الأطوار ، وضجيعه بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار ، المخصوص في الذكر الحكيم بمفخر فاق به كافة الأخيار ، وعامة الأبرار ، وبقي له شرفه على كرور الأعصار ، ولم يسم إلى ذروته همم أولي الأيد والأبصار ، حيث يقول عالم الأسرار : ( أبو بكر الصديق ثاني اثنين إذ هما في الغار ) إلى غير ذلك من الآيات والآثار ، ومشهور النصوص الواردة فيه والأخبار ، التي غدت كالشمس في الانتشار ، وفضل كل من فاضل ، وفاق كل من جادل وناضل ، ونزل فيه : ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ) ، توحد الصديق في الأحوال بالتحقيق ، واختار الاختيار من الله حين دعاه إلى الطريق ، فتجرد من الأموال [ ص: 29 ] والأعراض ، وانتصب في قيام التوحيد للتهدف والأغراض ، صار للمحن هدفا ، وللبلاء غرضا ، وزهد فيما عز له جوهرا كان أو عرضا ، تفرد بالحق عن الالتفات إلى الخلق ، وقد قيل : إن التصوف الاعتصام بالحقائق ، عند اختلاف الطرائق .
حدثنا ، ثنا أبو بكر بن خلاد ، ثنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان يحيى بن بكير ، قال : حدثني ، عن الليث بن سعد عقيل ، عن : قال : أخبرني ابن شهاب ، عن أبو سلمة بن عبد الرحمن : أن ابن عباس أبا بكر رضي الله تعالى عنه خرج حين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمر يكلم الناس فقال : اجلس يا عمر ، فأبى عمر أن يجلس ، فقال : اجلس يا عمر ، فتشهد فقال : أما بعد ! فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، إن الله تعالى قال : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) الآية . قال : والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله عز وجل أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر ، فتلقاها منه الناس كلهم ، فما نسمع بشرا من الناس إلا يتلوها . قال : أخبرني ابن شهاب ، أن سعيد بن المسيب - رضي الله عنه - قال : والله ما هو إلا أن سمعت عمر بن الخطاب أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي ، وحتى أهويت إلى الأرض وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد مات .