الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا معمر بن بكار السعدي ، ثنا إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن الأسود التميمي . قال : قدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعلت أنشده ، فدخل رجل طوال أقنى فقال لي : " أمسك " فلما خرج قال : هات ، فجعلت أنشده ، فلم ألبث أن عاد ، فقال لي : " أمسك " ، فلما خرج قال : هات ، فقلت : من هذا يا نبي الله الذي إذا دخل قلت : أمسك ، وإذا خرج قلت : هات ؟ قال : " هذا عمر بن الخطاب ، وليس من الباطل في شيء " .

              قال الشيخ رحمه الله تعالى : فالاستدعاء من النبي - صلى الله عليه وسلم - منه رخصة وإباحة لاستماع المحامد والمدائح ، فقد كان نشيده والثناء على ربه عز وجل ، والمدح لنبيه - صلى الله عليه وسلم - . وإخباره عليه الصلاة والسلام أن عمر - رضي الله تعالى عنه - لا يحب الباطل أي من اتخذ التمدح حرفة واكتسابا فيحمله الطمع في الممدوحين على أن يهيم في الأودية ، ويشين بفريته المحافل والأندية ، فيمدح من لا يستحقه ، ويضع من شأن من لا يستوجبه إذا حرمه نائله ، فيكون رافعا لمن وضعه الله عز وجل لطمعه ، أو واضعا لمن رفعه الله عز وجل لغضبه . فهذا الاكتساب والاحتراف باطل ، فلهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه لا يحب الباطل . فأما الشعر المحكم الموزون فهو من الحكم [ ص: 47 ] الحسن المخزون ، يخص الله تعالى به البارع في العلم ذا الفنون ، وقد كان أبو بكر وعمر وعلي رضي الله تعالى عنهم يشعرون .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أبو يزيد القراطيسي ، ثنا أسد بن موسى ، ثنا مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن الأسود بن سريع ، قال : كنت أنشده - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أعرف أصحابه ، حتى جاء رجل بعيد المناكب أصلع ، فقيل : اسكت اسكت ، قلت : واثكلاه من هذا الذي أسكت له عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقيل : عمر بن الخطاب ، فعرفت والله بعد أنه كان يهون عليه لو سمعني أن لا يكلمني حتى يأخذ برجلي فيسحبني إلى البقيع .

              قال الشيخ رحمه الله تعالى : فكذا سبيل الأبرياء من الشرك والعناد ، الأصفياء بالمعرفة والوداد ، أن لا يلهيهم باطل من الفعال والمقال ، وأن لا يثنيهم في توجههم إلى الحق حال من الأحوال ، وأن يكونوا مع الحق على أكمل حال وأنعم بال . كان - رضي الله تعالى عنه - يلتمس بالذلة لمولاه القوة والتعزز ، ويترك في إقامة طاعته الرفاهية والتقزز ، وقد قيل : إن التصوف النبو عن رتب الدنيا ، والسمو إلى المرتبة العليا .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية