الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا حبيب بن الحسن ، ثنا محمد بن يحيى ، ثنا أحمد بن محمد بن أيوب ، ثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير قال : لما تجهز الناس وتهيئوا للخروج إلى مؤتة قال للمسلمين : صحبكم الله ودفع عنكم ، قال عبد الله بن رواحة :


              لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرع تقذف الزبدا     أو طعنة بيدي حران مجهزة
              بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا     حتى يقولوا إذا مروا على جدثي
              أرشدك الله من غاز وقد رشدا



              قال : ثم مضوا حتى نزلوا أرض الشام ، فبلغهم أن هرقل قد نزل من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم ، وانضمت إليه المستعربة من لخم ، وجذام ، وبلقين ، وبهرا ، وبلى ، في مائة ألف ، فأقاموا ليلتين ينظرون في أمرهم ، وقالوا : نكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدونا ، قال : فشجع عبد الله بن رواحة الناس ، ثم قال : والله يا قوم إن الذي تكرهون للذي خرجتم له تطلبون الشهادة ، وما نقاتل العدو بعدة ولا قوة ولا كثرة ، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا ، فإنما هي إحدى الحسنيين ، إما ظهور وإما شهادة ، قال : فقال الناس : قد والله صدق ابن رواحة ، فمضى الناس .

              حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، ثنا أبو شعيب الحراني ، ثنا أبو جعفر النفيلي ، ثنا محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، حدثني عبد الله بن أبي بكر ، أنه حدثه عن زيد بن أرقم قال : كنت يتيما لعبد الله بن رواحة في حجره ، فخرج في سفرته تلك مردفي على حقيبة راحلته ، فوالله إنا لنسير ليلة إذ سمعته يتمثل بأبياته هذه :


              إذا أدنيتني وحملت رحلي     مسيرة أربع بعد الحساء
              فشأنك فانعمي وخلاك ذم     ولا أرجع إلى أهلي ورائي
              وآب المسلمون وغادروني     بأرض الشام مشتهي الثواء
              وردك كل ذي نسب قريب     إلى الرحمن منقطع الإخاء
              هنالك لا أبالي طلع بعل     ولا نخل أسافلها رواء



              [ ص: 120 ] فلما سمعتهن بكيت ، قال : فخفقني بالدرة وقال : ماعليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتي الرحل . قال محمد بن إسحاق : وحدثني ابن عباد بن عبد الله بن الزبير ، حدثني الذي أرضعني - وكان في تلك الغزاة - قال : لما قتل زيد وجعفر ، أخذ ابن رواحة الراية ثم تقدم بها وهو على فرسه ، فجعل يستنزل نفسه ويردد بعض التردد ، ثم قال :


              أقسمت يا نفس لتنزلنه     لتنزلنه أو لتكرهنه
              إذ جلب الناس وشدوا الرنه     ما لي أراك تكرهين الجنه
              لطالما قد كنت مطمئنه     هل أنت إلا نطفة في شنه



              وقال عبد الله بن رواحة أيضا :


              يا نفس إلا تقتلي تموتي     هذا حمام الموت قد صليت
              وما تمنيت فقد أعطيت     إن تفعلي فعلهما هديت



              يعني صاحبيه زيدا وجعفرا ، ثم نزل ، فلما نزل أتاه ابن عمي بعظم من لحم فقال : شد بهذا صلبك ، فإنك قد لاقيت من أيامك هذه ما قد لقيت ، فأخذه من يده ، ثم انتهش منه نهشة ، ثم سمع الحطمة في ناحية الناس ، فقال : وأنت في الدنيا ، ثم ألقاه من يده ، ثم أخذ سيفه ، فتقدم فقاتل حتى قتل رضي الله تعالى عنه . قال : ولما أصيب القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - : أخذ زيد الراية فقاتل حتى قتل شهيدا ، ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيدا . ثم صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الأنصار ، وظنوا أنه قد كان في عبد الله بعض ما يكرهون ، ثم قال : ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا . ثم قال : لقد رفعوا لي في الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب ، فرأيت في سرير عبد الله ازورارا عن سرير صاحبيه ، فقلت : عم هذا ؟ فقيل لي : مضيا وتردد عبد الله بن رواحة بعض التردد .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية