كتاب الطهارة
بدأ بذلك اقتداء بالأئمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790كالشافعي ; لأن آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة ، والطهارة شرطها ، والشرط مقدم على المشروط وهي تكون بالماء والتراب
[ ص: 23 ] والماء هو الأصل وبدأ بربع العبادات اهتماما بالأمور الدينية وتقديما لها على الأمور الدنيوية ، وقدموا المعاملات على النكاح وما يتعلق به لأن سبب المعاملات - وهو الأكل والشرب ونحوهما - ضروري يستوي فيه الكبير والصغير وشهوته مقدمة على شهوة النكاح .
وقدموا النكاح على الجنايات والمخاصمات ; لأن وقوع ذلك في الغالب بعد الفراغ من شهوة البطن والفرج والكتاب : مصدر بمعنى المكتوب كالخلق بمعنى المخلوق ، يقال : كتب كتبا وكتابا وكتابة ، ومعناها : الجمع يقال : كتبت البغلة إذا جمعت : بين شفرتها بحلقة أو سير .
قال
سالم بن دارة : لا تأمنن فزاريا خلوت به على قلوصك واكتبها بأسيار
أي واجمع بين شفريها ومنه الكتيبة وهي الجيش .
والكتابة بالقلم لاجتماع الكلمات والحروف وأما الكثبة بالمثلثة فالرمل المجتمع واعترض القول بأن الكتاب مشتق من الكتب بأن المصدر لا يشتق من مثله وجوابه : أن المصدر في نحو ذلك وأريد به اسم المفعول كما تقدم ، فكأنه قيل المكتوب للطهارة أو المكتوب للصلاة ونحوها ، أو أن المراد به الاشتقاق الأكبر ، وهو اشتقاق الشيء لما يناسبه مطلقا ، كالبيع مشتق من الباع أي مأخوذ منه وإن المصدر المزيد مشتق من المصدر المجرد كما نص عليه بعضهم .
وكتاب الطهارة : خبر مبتدأ محذوف ، أي هذا كتاب الطهارة ، أو مبتدأ خبره محذوف ، أو مفعول لفعل محذوف ، وكذا تقدر في نظائره الآتية ( وهي ) أي الطهارة لغة النظافة والنزاهة عن الأقذار حسية كانت أو معنوية ، ومنه ما في الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=27220كان إذا دخل على مريض قال لا بأس ، طهور إن شاء الله } أي مطهر من الذنوب ، والطهارة مصدر طهر يطهر بضم الهاء فيهما وهو فعل لازم لا يتعدى إلا بالتضعيف فيقال طهرت الثوب ، ومصدر
[ ص: 24 ] طهر بفتح الهاء الطهر ، كحكم حكما .
وشرعا : ( ارتفاع الحدث ) أكبر كان أو أصغر أي زوال الوصف المانع من الصلاة ونحوها باستعمال الماء في جميع البدن أو في الأعضاء الأربعة على وجه مخصوص وعبر بالارتفاع ليطابق بين المفسر والمفسر ، ولم يعبر بالرفع - كما عبر به جمع ; لأنه تعريف للتطهير لا الطهارة ، ولكن سهله كون الطهارة أثره وناشئة عنه وسمي الوضوء والغسل طهارة لكونه ينقي الذنوب والآثام كما في الإخبار ( وما في معناه ) أي معنى ارتفاع الحدث كالحاصل بغسل الميت ; لأنه تعبدي لا عن حدث والحاصل بغسل يدي القائم من نوم الليل والوضوء والغسل المستحبين والغسلة الثانية والثالثة ونحو ذلك .
( وزوال النجس ) سواء كانت إزالته بفعل فاعل كغسل المتنجس ، أو بنفسه كزوال تغير الماء الكثير وانقلاب الخمرة خلا ( أو ارتفاع حكم ذلك ) أي الحدث وما في معناه والنجس ، إما بالتراب كالتيمم عن حدث أو نجس ببدن ، أو عن غسل ميت أو عن وضوء أو غسل مسنون وإما بالأحجار نحوها في الخارج من سبيل على ما يأتي تفصيله وأو في كلامه للتنويع وهذا الحد أجود
nindex.php?page=treesubj&link=3ما قيل في الطهارة وقد عرفت بحدود كثيرة وكلها منتقدة ، .
وما حذفه من عبارة التنقيح والمنتهى ليس من الحد بل من المحدود ، كما نبه عليه في حاشيته على التنقيح ، وقوله أو ارتفاع حكم ذلك أولى من قولهما : أو ارتفاع حكمهما : لما قدمته في تفسيره ، وحيث أطلق لفظ الطهارة في كلام الشارع ، إنما ينصرف إلى الموضوع الشرعي ، حيث لا صارف ، وكذا كل ماله موضوع شرعي ولغوي كالصلاة فكتاب الطهارة هو الجامع لأحكام الطهارة من بيان ما يتطهر به ، وما يتطهر له ، وما يجب أن يتطهر منه إلى غير ذلك .
كِتَابُ الطَّهَارَةِ
بَدَأَ بِذَلِكَ اقْتِدَاءً بِالْأَئِمَّةِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790كَالشَّافِعِيِّ ; لِأَنَّ آكَدَ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ الصَّلَاةُ ، وَالطَّهَارَةُ شَرْطُهَا ، وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَهِيَ تَكُونُ بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ
[ ص: 23 ] وَالْمَاءُ هُوَ الْأَصْلُ وَبَدَأَ بِرُبْعِ الْعِبَادَاتِ اهْتِمَامًا بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَتَقْدِيمًا لَهَا عَلَى الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ ، وَقَدَّمُوا الْمُعَامَلَاتِ عَلَى النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لِأَنَّ سَبَبَ الْمُعَامَلَاتِ - وَهُوَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَنَحْوُهُمَا - ضَرُورِيٌّ يَسْتَوِي فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ وَشَهْوَتُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى شَهْوَةِ النِّكَاحِ .
وَقَدَّمُوا النِّكَاحَ عَلَى الْجِنَايَاتِ وَالْمُخَاصَمَاتِ ; لِأَنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ شَهْوَةِ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ وَالْكِتَابُ : مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ ، يُقَالُ : كَتَبَ كَتْبًا وَكِتَابًا وَكِتَابَةً ، وَمَعْنَاهَا : الْجَمْعُ يُقَالُ : كَتَبْتُ الْبَغْلَةَ إذَا جَمَعَتْ : بَيْنَ شَفْرَتِهَا بِحَلْقَةٍ أَوْ سَيْرٍ .
قَالَ
سَالِمُ بْنُ دَارَةَ : لَا تَأْمَنَنَّ فَزَارِيًّا خَلَوْتَ بِهِ عَلَى قُلُوصِكَ وَاكْتُبْهَا بِأَسْيَارِ
أَيْ وَاجْمَعْ بَيْنَ شَفْرَيْهَا وَمِنْهُ الْكَتِيبَةُ وَهِيَ الْجَيْشُ .
وَالْكِتَابَةُ بِالْقَلَمِ لِاجْتِمَاعِ الْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ وَأَمَّا الْكُثْبَةُ بِالْمُثَلَّثَةِ فَالرَّمْلُ الْمُجْتَمَعُ وَاعْتُرِضَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْكِتَابَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْكَتْبِ بِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُشْتَقُّ مِنْ مِثْلِهِ وَجَوَابُهُ : أَنَّ الْمَصْدَرَ فِي نَحْوِ ذَلِكَ وَأُرِيدَ بِهِ اسْمُ الْمَفْعُولِ كَمَا تَقَدَّمَ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ الْمَكْتُوبُ لِلطَّهَارَةِ أَوْ الْمَكْتُوبُ لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الِاشْتِقَاقُ الْأَكْبَرُ ، وَهُوَ اشْتِقَاقُ الشَّيْءِ لِمَا يُنَاسِبُهُ مُطْلَقًا ، كَالْبَيْعِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبَاعِ أَيْ مَأْخُوذٌ مِنْهُ وَإِنَّ الْمَصْدَرَ الْمَزِيدَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمَصْدَرِ الْمُجَرَّدِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ .
وَكِتَابُ الطَّهَارَةِ : خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، أَيْ هَذَا كِتَابُ الطَّهَارَةِ ، أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ ، أَوْ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ ، وَكَذَا تُقَدَّرُ فِي نَظَائِرِهِ الْآتِيَةِ ( وَهِيَ ) أَيْ الطَّهَارَةُ لُغَةً النَّظَافَةُ وَالنَّزَاهَةُ عَنْ الْأَقْذَارِ حِسِّيَّةً كَانَتْ أَوْ مَعْنَوِيَّةً ، وَمِنْهُ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=27220كَانَ إذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ قَالَ لَا بَأْسَ ، طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ } أَيْ مُطَهِّرٌ مِنْ الذُّنُوبِ ، وَالطَّهَارَةُ مَصْدَرُ طَهُرَ يَطْهُرُ بِضَمِّ الْهَاءِ فِيهِمَا وَهُوَ فِعْلٌ لَازِمٌ لَا يَتَعَدَّى إلَّا بِالتَّضْعِيفِ فَيُقَال طَهَّرْتُ الثَّوْبَ ، وَمَصْدَرُ
[ ص: 24 ] طَهَرَ بِفَتْحِ الْهَاءِ الطُّهْرُ ، كَحَكَمَ حُكْمًا .
وَشَرْعًا : ( ارْتِفَاعُ الْحَدَثِ ) أَكْبَرَ كَانَ أَوْ أَصْغَرَ أَيْ زَوَالُ الْوَصْفِ الْمَانِعِ مِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ أَوْ فِي الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَعَبَّرَ بِالِارْتِفَاعِ لِيُطَابِقَ بَيْنَ الْمُفَسِّرِ وَالْمُفَسَّرِ ، وَلَمْ يُعَبَّرْ بِالرَّفْعِ - كَمَا عَبَّرَ بِهِ جَمْعٌ ; لِأَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلتَّطْهِيرِ لَا الطَّهَارَةِ ، وَلَكِنْ سَهَّلَهُ كَوْنُ الطَّهَارَةِ أَثَرَهُ وَنَاشِئَةً عَنْهُ وَسُمِّيَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ طَهَارَةً لِكَوْنِهِ يُنَقِّي الذُّنُوبَ وَالْآثَامَ كَمَا فِي الْإِخْبَارِ ( وَمَا فِي مَعْنَاهُ ) أَيْ مَعْنَى ارْتِفَاعِ الْحَدَثِ كَالْحَاصِلِ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ ; لِأَنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ لَا عَنْ حَدَثٍ وَالْحَاصِلُ بِغَسْلِ يَدَيْ الْقَائِمِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ وَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ الْمُسْتَحَبَّيْنِ وَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
( وَزَوَالُ النَّجَسِ ) سَوَاءٌ كَانَتْ إزَالَتُهُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ كَغَسْلِ الْمُتَنَجِّسِ ، أَوْ بِنَفْسِهِ كَزَوَالِ تَغَيُّرِ الْمَاءِ الْكَثِيرِ وَانْقِلَابِ الْخَمْرَةِ خَلًّا ( أَوْ ارْتِفَاعُ حُكْمِ ذَلِكَ ) أَيْ الْحَدَثُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَالنَّجَسُ ، إمَّا بِالتُّرَابِ كَالتَّيَمُّمِ عَنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَسٍ بِبَدَنٍ ، أَوْ عَنْ غُسْلِ مَيِّتٍ أَوْ عَنْ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ مَسْنُونٍ وَإِمَّا بِالْأَحْجَارِ نَحْوهَا فِي الْخَارِجِ مِنْ سَبِيلٍ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ وَأَوْ فِي كَلَامِهِ لِلتَّنْوِيعِ وَهَذَا الْحَدُّ أَجْوَدُ
nindex.php?page=treesubj&link=3مَا قِيلَ فِي الطَّهَارَةِ وَقَدْ عُرِفَتْ بِحُدُودٍ كَثِيرَةٍ وَكُلُّهَا مُنْتَقَدَةٌ ، .
وَمَا حَذَفَهُ مِنْ عِبَارَةِ التَّنْقِيحِ وَالْمُنْتَهَى لَيْسَ مِنْ الْحَدِّ بَلْ مِنْ الْمَحْدُودِ ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى التَّنْقِيحِ ، وَقَوْلُهُ أَوْ ارْتِفَاعُ حُكْمِ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِمَا : أَوْ ارْتِفَاعُ حُكْمِهِمَا : لِمَا قَدَّمْتُهُ فِي تَفْسِيرِهِ ، وَحَيْثُ أُطْلِقَ لَفْظُ الطَّهَارَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ ، إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ ، حَيْثُ لَا صَارِفَ ، وَكَذَا كُلُّ مَالَهُ مَوْضُوعٌ شَرْعِيٌّ وَلُغَوِيٌّ كَالصَّلَاةِ فَكِتَابُ الطَّهَارَةِ هُوَ الْجَامِعُ لِأَحْكَامِ الطَّهَارَةِ مِنْ بَيَانِ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ ، وَمَا يُتَطَهَّرُ لَهُ ، وَمَا يَجِبُ أَنْ يُتَطَهَّرَ مِنْهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ .