الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( فصل ومن اضطر إلى محرم مما ذكرنا حضرا أو سفرا سوى سم ونحوه ) مما يضر واضطراره ( بأن يخاف التلف إما من جوع أو يخاف إن ترك الأكل عجز عن المشي وانقطع عن الرفقة فيهلك أو يعجز عن الركوب فيهلك ولا يتقيد ذلك بزمن مخصوص ) لاختلاف الأشخاص في ذلك ( وجب [ ص: 196 ] عليه أن يأكل منه ) أي المحرم ( ما يسد رمقه ) بفتح الميم والقاف أي بقية روحه ( ويأمن معه الموت ) لقوله تعالى { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } وقوله { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } ( وليس له ) أي المضطر ( الشبع ) من المحرم لأن الآية دلت على تحريم الميتة واستثنى ما اضطر إليه فإذا اندفعت الضرورة لم يحل الأكل كحالة الابتداء ( كما ) يحرم ما ( فوق الشبع ) إجماعا ذكره في الشرح المبدع ( وقال الموفق وتبعه جماعة إن كانت الضرورة مستمرة جاز الشبع وإن كانت ) الحاجة ( مرجوة الزوال فلا ) يشبع لعدم الحاجة ( وله ) أي المضطر ( أن يتزود منه ) أي المحرم ( إن خاف الحاجة ) إن لم يتزود لأنه لا ضرر في استصحابها ولا في إعدادها لدفع ضرورته وقضاء حاجته ولا يأكل منها إلا عند ضرورته ( فإن تزود فلقيه مضطر آخر لم يجز له بيعه ) منه لأنه ليس بمال كبيعه من غيره ( ويلزمه إعطاؤه ) منه ( بغير عوض إن لم يكن هو ) أي المتزود ( مضطرا في الحال إلى ما معه ) فلا يعطي غيره لأن الضرر لا يزال بالضرر ( ويجب ) على المضطر ( تقديم السؤال على أكله ) نص عليه وقال لسائل قم قائما ليكون له عذر عند الله قال القاضي : أثم إذا لم يسأل ونقل الأثرم : إن اضطر إلى المسألة فهي مباحة قيل : فإن توقف قال : ما أظن أحدا يموت من الجوع الله يأتيه برزقه ( وقال الشيخ : لا يجب ) تقديم السؤال ( ولا يأثم ) بعدمه ( وأنه ظاهر المذهب ) لظاهر نقل الأثرم ( وإن وجد ) المضطر ( من يطعمه ويسقيه لم يحل له الامتناع ) لأنه إلقاء بنفسه إلى الهلاك ( و ) لا ( العدول إلى الميتة ) لأنه غير مضطر إليها ( إلا أن يخاف أن يسمه فيه ) أي في الطعام ( أو يكون الطعام مما يضره ويخاف أن يهلكه أو يمرضه ) فيمتنع منه ويعدل إلى الميتة لاضطراره إليها .

                                                                                                                      ( وإن وجد طعاما مع صاحبه وميتة وامتنع ) رب الطعام ( من بذله ) للمضطر ( أو بيعه منه ووجد ) المضطر ( ثمنه لم يجز له ) أي للمضطر ( مكابرته ) أي رب الطعام ( عليه وأخذه منه ) لعدم احتياجه إليه بالميتة . ( ويعدل ) المضطر ( إلى الميتة سواء كان ) المضطر ( ثوبا يخاف من مكابرته التلف أو لم يخف ) التلف . ( وإن بذله ) أي الطعام ربه ( له ) أي المضطر ( بثمن مثله وقدر ) المضطر ( على الثمن لم يحل له أكل الميتة ) لاستغنائه عنها بالمباح . ( وإن بذله ) أي الطعام ربه ( بزيادة لا تجحف أي لا تكثر لزمه شراؤه ) كالرقبة في الكفارة لنذره ذلك بخلاف [ ص: 197 ] ماء الوضوء . ( وإن كان المضطر عاجزا عن الثمن فهو في حكم العادم ) لما يشتريه فتحل له الميتة . ( وإن امتنع ) رب الطعام ( من بذله ) للمضطر ( إلا بأكثر من ثمن مثله فاشتراه المضطر بذلك ) كراهة أن يجري بينهما دم أو عجزا عن قتاله ( لم يلزمه ) أي المضطر ( أكثر من مثله ) لأنه وجب على ربه بذله بقيمته فلا يستحق أكثر منها فإن أحد أكثر رده وإلا سقط . ( وليس للمضطر في سفر المعصية كقاطع الطريق و ) القن ( الآبق الأكل من الميتة ونحوها ) من المحرمات . قوله تعالى { " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " } ( إلا أن يتوب ) من المعصية فيأكل من المحرم ، لأنه صار بالتوبة من أهل الرخصة .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية