كل خلق محمود مكتنف بخلقين ذميمين وهو وسط بينهما، وطرفاه خلقان ذميمان، كالجود: الذي يكتنفه خلقا البخل والتبذير؛ والتواضع: الذي يكتنفه خلقا الذل والمهانة والكبر والعلو، فإن النفس متى انحرفت عن التوسط انحرفت إلى أحد الخلقين الذميمين ولا بد، فإذا انحرفت عن خلق التواضع انحرفت: إما إلى كبر وعلو وإما إلى ذل ومهانة وحقارة؛ وإذا انحرفت عن خلق الحياء انحرفت: إما إلى قحة وجرأة وإما إلى عجز وخور ومهانة بحيث يطمع في نفسه عدوه، ويفوته كثير من مصالحه، ويزعم أن الحامل له على ذلك الحياء وإنما هو المهانة والعجز وموت النفس، وكذلك إذا انحرفت عن خلق الصبر المحمود انحرفت: إما إلى جزع وهلع وجشع وتسخط وإما إلى غلظة كبد وقسوة قلب وتحجر طبع كما قال بعضهم:
تبكي علينا ولا نبكي على أحد فنحن أغلظ أكبادا من الإبل
وإذا انحرفت عن خلق الحلم انحرفت: إما إلى الطيش والترف والحدة والخفة وإما إلى الذل والمهانة والحقارة، ففرق بين من حلمه حلم ذل ومهانة وحقارة وعجز وبين من حلمه حلم اقتدار وعزة وشرف كما قيل:كل حلم أتى بغير اقتدار حجة لاجئ إليها اللئام
وصاحب الخلق الوسط: مهيب محبوب عزيز جانبه حبيب لقاؤه، وفي صفة نبينا: من رآه بديهة هابه ومن خالطه عشرة أحبه، والله أعلم [1] .
وقرر هذا المعنى الإمام الماوردي ، رحمه الله، فقال: «... العدل في السيرة وسلوك الواسطة وتجنب أطراف الفضائل ومجاوزة الحدود، والميل إلى ترك الإفراط والتفريط، فإن الطريقة المحمودة هي بينهما، والشجاعة بين التهور والتحرز، والعبادة بين التهتك والتبتل، والحزم بين الاستقصاء والإهمال، والجود بين التقتير والتبذير، والحلم بين الطيش والتذلل، والتواضع بين التملق والتكبر، والغنى بين الإكثار والإقتار...» [2] . [ ص: 176 ]