قوله: وقوموا لله قانتين :
اعلم أن القنوت في أصل اللغة هو الدوام على الشيء، قال قوموا لله قانتين: أي: مطيعين. ابن عباس:
وقال القنوت هو طول القيام، وقرأ: ابن عمر: أمن هو قانت آناء الليل ، وقال صلى الله عليه وسلم:
يعني: القيام. "أفضل الصلاة طول القنوت"
وقال القنوت هو السكوت، والقنوت: الطاعة، ومن حيث [ ص: 216 ] كان أصل القنوت الدوام على الشيء جاز أن يسمى مديم الطاعة قانتا. وكذلك من أطال القيام والقراءة والدعاء في الصلاة أو أطال الخشوع والسكوت كل هؤلاء فاعلون للقنوت.. مجاهد:
وروي العرب، أراد به: إطالة قيام الدعاء. أن النبي عليه السلام قنت شهرا يدعو فيه على حي من أحياء
وروي عن قال: أبي عمرو الشيباني
وقوموا لله قانتين فأمرنا بالسكوت" . "كنا نتكلم في الصلاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى:
فأبان أن ذلك يقتضي النهي عن الكلام في الصلاة، وكذلك قال زيد ابن أرقم.
وقد ورد القنوت في القرآن لا بمعنى السكوت في قوله:
ومن يقنت منكن لله ورسوله والمراد به: الخشوع والطاعة.
وقال في موضع آخر: وأطعن الله ورسوله .
وقال في قصة مريم: اقنتي لربك .
ورد في التفسير عن أنها كانت تقوم حتى تتورم قدماها. مجاهد
يرى أن الأمر بالسكوت إنما يتناول العالم بالصلاة، فأما الساهي عن الشيء فلا يتناوله الأمر وهذا مما لا يشك فيه محصل. [ ص: 217 ] وروى والشافعي حديث الشافعي ذي اليدين، وأن قال: أبا هريرة صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد صلاتي العشاء الظهر أو العصر.
وتحريم الكلام في الصلاة كان بمكة لأن لما قدم من أرض ابن مسعود الحبشة كان الكلام محرما لأنه سلم على النبي عليه السلام فلم يرد عليه وأخبره بنسخ الكلام في الصلاة.
فإن قال قائل: قد جرى الكلام في الصلاة والسهو أيضا، وقد كان قال صلى الله عليه وسلم:
فلم لم يسبحوا؟ "التسبيح للرجال والتصفيق للنساء"
فيقال: لعله في ذلك الوقت لم يكن أمرهم بذلك، ولأنه ورد في الخبر
أقصرت الصلاة؟
فقام رجل طويل اليدين -كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه ذا اليدين- فقال: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة؟
فأقبل على القوم فقال: أصدق ذو اليدين؟ .. فقالوا: نعم. فجاء فصلى بنا الركعتين الباقيتين وسلم وسجد سجدتي السهو. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد، فوضع يديه عليها، إحداهما على الأخرى، يعرف الغضب في وجهه وخرج سرعان الناس فقالوا:
فأخبر بما كان منه ومنهم من الكلام، ولم يمنعه ذلك من البناء، ولم يسبحوا، لأنهم توهموا أن الصلاة قصرت. [ ص: 218 ] وقال بعض المخالفين: قول أبو هريرة صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون مراده أنه صلى بالمسلمين وهو منهم كما روي عن أبي هريرة: البراء ابن سبرة أنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا وإياكم كنا ندعى بني عبد مناف، وأنتم اليوم بنو عبد الله، ونحن اليوم بنو عبد الله" ، وإنما عنى به أنه قال لقومه.
وهذا بعيد، فإنه لا يجوز أن يقول: "صلى بنا" وهو إذ ذاك كافرا ليس أهلا للصلاة، ويكون ذلك كذبا، وفي حديث هو كان في جملة القوم وسمع من رسول الله ما سمع. البراء