قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=10990_33318_28975وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع الآية (3) .
واختلفت أقاويل المفسرين في معناه:
[ ص: 311 ] فروى
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة -رضي الله عنها- في قول الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع قالت:
يا ابن أختي: هي اليتيمة تكون في حجر وليها، تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا عن أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.
قال nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة: قالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة -رضي الله عنها-:
وإن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية، فأنزل الله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء .. إلى قوله: nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وترغبون أن تنكحوهن .
قالت: والذي ذكر الله تعالى أنه يتلى عليكم في الكتاب الآية الأولى التي فيها: nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وإن خفتم ألا تقسطوا في ..
وقوله في الآية الأخرى: nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وترغبون أن تنكحوهن ، رغبة أحدكم عن يتيمته التي هي في حجره حين تكون قليلة المال والجمال، فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء، إلا [ ص: 312 ] بالقسط من أجل رغبتهم عنهن، وهذا ما أورده
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه، وفيه دلالة على أن
nindex.php?page=treesubj&link=33318اليتيمة يجوز تزويجها.
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=14355والربيع غير هذا التأويل، وهو أن معنى الآية: "كما خفتم في حق اليتامى فخافوا في حق النساء الذي خفتم في اليتامى ألا تقسطوا فيهن".
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد: nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وإن خفتم ألا تقسطوا ، أي تحرجتم من أكل أموالهم، فتحرجوا من الزنا وانكحوا نكاحا طيبا مثنى وثلاث ورباع.
والمشكل أن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها قالت: نزلت هذه الآية في ذلك، وذلك لا يقال بالرأي وإنما يقال توقيفا، ولا يمكن أن يحمل على الجد، لأنه لا يجوز له نكاحها، فعلم أن المراد له ابن العم ومن هو أبعد منه من سائر الأولياء.
ويمكن أن يحمل على البالغة لأن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها قالت:
ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فأنزل الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127ويستفتونك في النساء إلى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127في يتامى النساء .
[ ص: 313 ] والصغار لا يسمين نساء.
فإن قيل: قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى حقيقة في الصغيرة بدليل قوله عليه السلام:
nindex.php?page=hadith&LINKID=912348 "لا يتم بعد حلم"، واسم النساء يتناول الصغيرة في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فانكحوا ما طاب لكم من النساء .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=22ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وأمهات نسائكم .
ويقال في الجواب عنه:
إن اسم النساء في قبيل الإناث، كاسم الرجال في قبيل الذكور، واسم الرجل لا يتناول الصغير، فاسم النساء والمرأة لا يتناول الصغيرة والصغائر، وفي الإناث التي وقع الاستشهاد بها، يمكن أن يكون اللفظ لغير الصغيرة، ولكن يثبت مثل ذلك الحكم في الصغيرة بدلالة الإجماع.
وقول القائل: اسم اليتيم لا يتناول ما بعد البلوغ، فهو مسلم من حيث الحقيقة، غير أنه يطلق مجازا، بدليل أنه ذكر النساء، ولا يمكن تعطيل لفظ النساء الذي هو حقيقة في البالغات.
[ ص: 314 ] فإن قيل: فالبالغة يجوز التزوج بها بدون مهر المثل برضاها، فأي معنى لذلك الجواب؟
يقال: إن معناه أن يستضعفها الولي ويستولي على مالها، وهي لا تقدر على مقاومته، ولذلك قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=98إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان .
ولما ثبت أن المراد باليتيمة البالغة، ولم يكن في كتاب الله دلالة على جواز تزويج الصغيرة، لا جرم صار ابن شبرمة إلى أن تزويج الآباء للصغار لا يجوز، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13719الأصم، لأن نكاح الصغيرة يتخير بتفويت من غير تعجيل مصلحة، على ما قررناه في تصانيفنا في مسائل الخلاف، وإذا ثبت ذلك فلا يجوز ذلك تلقيا من القياس ولا توقيفا.
وقد قال قائلون: بل في كتاب الله ما يدل على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=11040_11043_11133تزويج الصغيرة، فإن الله تعالى يقول:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=4واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن .
[ ص: 315 ] فحكم بصحة طلاق الصغيرة التي لم تحض، والطلاق لا يقع إلا في نكاح صحيح، وهذا لا دافع له إلا أن يقال:
النكاح في حق الصغيرة، إن لم يتصور، فالوطء الموجب للعدة متصور، وليس في القرآن ذكر الطلاق في حق الصغيرة، إنما فيه ذكر العدة، والعدة تجب بالوطء، والوطء متصور في النكاح الفاسد، وعلى حكم الشبهة في حق الأمة تزوجها مولاها وهي صغيرة فتوطأ.
والاعتماد على ما روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=654761أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين، زوجها أبوها nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر.
وربما لا يقولون: لا يحتج بما كان في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفتقر إلى الولاء.
وعماد كلامهم أن تزويج الصغيرة يتخير بتفويت في مقابلة نجح موهوم، ولا يتحقق ذلك في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لا يتوقع فوات مصلحة الصغيرة من نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد يقال في الجواب عن ذلك: إن المرأة ربما أرادت الدنيا بعد البلوغ، وأرادت التفرغ إلى نفسها ولم ترد زوجا فالتوقع قائم.
[ ص: 316 ] ويمكن أن يقال:
إن نكاح الصغيرة ليس بعيدا عن المصلحة، ولذلك اطردت به العادة واستمرت عليه العامة، فإن المقصود منه الألفة، فإذا ألفيت المرأة صغيرة لم تمارس الرجال ولم تعرف الهوى، ترسخت المودة بينهما، فقد قيل في المثل:
ما الحب إلا للحبيب الأول..
والشاعر يقول:
عرفت هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبا فارغا متمكنا
قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=10990_33318_28975وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ الْآيَةُ (3) .
وَاخْتَلَفَتْ أَقَاوِيلُ الْمُفَسِّرِينَ فِي مَعْنَاهُ:
[ ص: 311 ] فَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزَّهْرِيُّ عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=16561عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ قَالَتْ:
يَا ابْنَ أُخْتِي: هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا، تَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ وَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا، فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا، فَيُعْطِيهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ، فَنُهُوا عَنْ أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا، فَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ.
قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=16561عُرْوَةُ: قَالَتْ nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-:
وَإِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ .. إِلَى قَوْلِهِ: nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ .
قَالَتْ: وَالَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ الْآيَةُ الْأُولَى الَّتِي فِيهَا: nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي ..
وَقَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ، رَغْبَةُ أَحَدِكُمْ عَنْ يَتِيمَتِهِ الَّتِي هِيَ فِي حِجْرِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَنْ رَغِبُوا فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا مِنْ يَتَامَى النِّسَاءِ، إِلَّا [ ص: 312 ] بِالْقِسْطِ مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ، وَهَذَا مَا أَوْرَدَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33318الْيَتِيمَةَ يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا.
وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=14676وَالضَّحَّاكِ nindex.php?page=showalam&ids=14355وَالرَّبِيعِ غَيْرُ هَذَا التَّأْوِيلِ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: "كَمَا خِفْتُمْ فِي حَقِّ الْيَتَامَى فَخَافُوا فِي حَقِّ النِّسَاءِ الَّذِي خِفْتُمْ فِي الْيَتَامَى أَلَّا تُقْسِطُوا فِيهِنَّ".
وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ: nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا ، أَيْ تَحَرَّجْتُمْ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِهِمْ، فَتَحَرَّجُوا مِنَ الزِّنَا وَانْكِحُوا نِكَاحًا طَيِّبًا مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ.
وَالْمُشْكِلُ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ وَإِنَّمَا يُقَالُ تَوْقِيفًا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْجَدِّ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ لَهُ ابْنُ الْعَمِّ وَمَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ مِنْ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْبَالِغَةِ لِأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ إِلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127فِي يَتَامَى النِّسَاءِ .
[ ص: 313 ] وَالصِّغَارُ لَا يُسَمَّيْنَ نِسَاءً.
فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى حَقِيقَةٌ فِي الصَّغِيرَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=912348 "لَا يَتِمُّ بَعْدَ حُلُمٍ"، وَاسْمُ النِّسَاءِ يَتَنَاوَلُ الصَّغِيرَةَ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=22وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ .
وَيُقَالُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ:
إِنَّ اسْمَ النِّسَاءِ فِي قَبِيلِ الْإِنَاثِ، كَاسْمِ الرِّجَالِ فِي قَبِيلِ الذُّكُورِ، وَاسْمُ الرَّجُلِ لَا يَتَنَاوَلُ الصَّغِيرَ، فَاسْمُ النِّسَاءِ وَالْمَرْأَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الصَّغِيرَةَ وَالصَّغَائِرَ، وَفِي الْإِنَاثِ الَّتِي وَقَعَ الِاسْتِشْهَادُ بِهَا، يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ لِغَيْرِ الصَّغِيرَةِ، وَلَكِنْ يَثْبُتُ مِثْلُ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي الصَّغِيرَةِ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ.
وَقَوْلُ الْقَائِلِ: اسْمُ الْيَتِيمِ لَا يَتَنَاوَلُ مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَهُوَ مُسَلَّمٌ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ، غَيْرَ أَنَّهُ يُطْلَقُ مَجَازًا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ ذَكَرَ النِّسَاءَ، وَلَا يُمْكِنُ تَعْطِيلُ لَفْظِ النِّسَاءِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْبَالِغَاتِ.
[ ص: 314 ] فَإِنْ قِيلَ: فَالْبَالِغَةُ يَجُوزُ التَّزَوُّجُ بِهَا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ بِرِضَاهَا، فَأَيُّ مَعْنًى لِذَلِكَ الْجَوَابِ؟
يُقَالُ: إِنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَسْتَضْعِفَهَا الْوَلِيُّ وَيَسْتَوْلِيَ عَلَى مَالِهَا، وَهِيَ لَا تَقْدِرُ عَلَى مُقَاوَمَتِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=98إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ .
وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَتِيمَةِ الْبَالِغَةُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ، لَا جَرَمَ صَارَ ابْنُ شُبْرُمَةَ إِلَى أَنَّ تَزْوِيجَ الْآبَاءِ لِلصِّغَارِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=13719الْأَصَمِّ، لِأَنَّ نِكَاحَ الصَّغِيرَةِ يُتَخَيَّرُ بِتَفْوِيتٍ مِنْ غَيْرِ تَعْجِيلِ مَصْلَحَةٍ، عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي تَصَانِيفِنَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ تَلَقِّيًا مِنَ الْقِيَاسِ وَلَا تَوْقِيفًا.
وَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ: بَلْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=11040_11043_11133تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=4وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنَ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ .
[ ص: 315 ] فَحَكَمَ بِصِحَّةِ طَلَاقِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَحِضْ، وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إِلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَهَذَا لَا دَافِعَ لَهُ إِلَّا أَنْ يُقَالَ:
النِّكَاحُ فِي حَقِّ الصَّغِيرَةِ، إِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ، فَالْوَطْءُ الْمُوجِبُ لِلْعِدَّةِ مُتَصَوَّرٌ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ الطَّلَاقِ فِي حَقِّ الصَّغِيرَةِ، إِنَّمَا فِيهِ ذِكْرُ الْعِدَّةِ، وَالْعِدَّةُ تَجِبُ بِالْوَطْءِ، وَالْوَطْءُ مُتَصَوَّرٌ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَعَلَى حُكْمِ الشُّبْهَةِ فِي حَقِّ الْأَمَةِ تَزَوَّجَهَا مَوْلَاهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ فَتُوطَأُ.
وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَا رُوِيَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=654761أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، زَوَّجَهَا أَبُوهَا nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ.
وَرُبَّمَا لَا يَقُولُونَ: لَا يُحْتَجُّ بِمَا كَانَ فِي حَقِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ نِكَاحَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى الْوَلَاءِ.
وَعِمَادُ كَلَامِهِمْ أَنَّ تَزْوِيجَ الصَّغِيرَةِ يُتَخَيَّرُ بِتَفْوِيتٍ فِي مُقَابَلَةٍ نَجْحٌ مَوْهُومٌ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي حَقِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ لَا يُتَوَقَّعُ فَوَاتُ مَصْلَحَةِ الصَّغِيرَةِ مِنْ نِكَاحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ يُقَالُ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ رُبَّمَا أَرَادَتِ الدُّنْيَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَأَرَادَتِ التَّفَرُّغَ إِلَى نَفْسِهَا وَلَمْ تُرِدْ زَوْجًا فَالتَّوَقُّعُ قَائِمٌ.
[ ص: 316 ] وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ:
إِنَّ نِكَاحَ الصَّغِيرَةِ لَيْسَ بَعِيدًا عَنِ الْمَصْلَحَةِ، وَلِذَلِكَ اطَّرَدَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَاسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِ الْعَامَّةُ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْأُلْفَةُ، فَإِذَا أُلْفِيَتِ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً لَمْ تُمَارِسِ الرِّجَالَ وَلَمْ تَعْرِفِ الْهَوَى، تَرَسَّخَتِ الْمَوَدَّةُ بَيْنَهُمَا، فَقَدْ قِيلَ فِي الْمَثَلِ:
مَا الْحُبُّ إِلَّا لِلْحَبِيبِ الْأَوَّلِ..
وَالشَّاعِرُ يَقُولُ:
عَرَفْتُ هَوَاهَا قَبْلَ أَنْ أَعْرِفَ الْهَوَى فَصَادَفَ قَلْبًا فَارِغًا مُتَمَكِّنًا