قوله تعالى : ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ، الآية \ 23.
لأن المقصود بذلك ألا يكون محققا لحكم المخبر عنه، فإنه إذا قال لأفعلن ذلك فلم يفعل كان كاذبا، وإن قال لأفعلن ذلك إن شاء الله، خرج عن كونه محققا للمخبر عنه.
فإن قال قائل : أي معنى في ذلك، ولا يتصور أن يفعل فاعل فعلا إلا أن يشاء الله، هل ذكر ذلك وعدم ذكره إلا بمثابة واحدة، وهل هذا إلا بمثابة من يقول لأفعلن ذلك إن كنت فاعلا وإن كنت قادرا وإن شئت، وأي أثر لذكر شرط للفعل لا محالة في العقل. والجواب : أن الأمر وإن كان على ما ذكرتم، غير أنه إذا قال القائل لأفعلن في وقت كذا، فقد أوهم أنه يفعل لا محالة، وأبان أن شرط الفعل يوجد، فإذا لم يفعل لعدم الشرط وهو مشيئة الله تعالى، أو عائق آخر، كان كاذبا في قوله عرفا، وإذا قال لأفعلن كذا إن شاء الله، أو إن شاء زيد، فلم يقطع بأنه يفعل، بل ردد وميل القول، فكأنه قال : لا أدري هل أفعل أم لا، فهذا هو المعنى فيه. وكأن الله سبحانه أدب رسوله صلى الله عليه وسلم فقال : ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله .
أي كن متذكرا للعوائق وناظرا في العواقب، ولعل عائقا يعترض دون مرامك، فردد القول فيما لا يعلمه، لئلا يجري ما ينسب فيه إلى خلف في القول عرفا.
ومن أجله قال علماؤنا : إذا حلف واستثنى لم يحنث إذا كان موصولا، وإن انفصل يؤثر الاستثناء.
[ ص: 267 ] وروي عن عن رسول الله أنه قال : " معاذ بن جبل، ". إذا قال الرجل لعبده : أنت حر إن شاء الله، فهو حر، وإذا قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله فليس بطالق
وهذا حديث ضعيف، واهي السند مخالف للإجماع.
وقيل للمعتزلة : عندكم أن فعل الفاعل لا يتعلق بمشيئة الله تعالى، فما معنى قوله عندكم لأفعلن إن شاء الله تعالى، وهو يفعل وإن لم يشأ الله.
فأجابوا بأن معناه : إلا أن يشاء الله ألا يلجئني إليه، أو يقطعني عنه باخترام أو موت، فيخرج عن كونه قاطعا على الخبر، فيحسن منه الخبر.
وقال آخرون منهم : الغرض بالاستثناء إخراج الخبر عن أن يكون قطعا وخبرا تاما من غير إرادة ما يجرى مجرى الشرط، فكأنه وضع في اللغة لهذه الطريقة التي تقتضي التوقف في الخبر، وهذا أقرب، لأن الاستثناء يؤثر في هذا الخبر، سواء وقع ممن له قصد إلى ما ذكرناه أو من لا قصد له. فحمله على هذا الوجه الثاني أولى.
ومما قيل للمعتزلة : إذا قال القائل عبدي حر إن شاء الله فلا يعتق، وقياس قولكم أنه يعتق، لأن الله تعالى قد شاء ذلك تعبدا، وجوابهم عنه على ما قاله ، أنه لم يخصص المستثنى المشيئة بطريق التعبد، ولو خصصه بذلك لصار حرا بأن ينوي بالاستثناء مشيئة التعبد فقط. أبو علي الجبائي
نعم إذا أطلق الاستثناء فلا حرية، فأما إذا قيد الاستثناء، صار كأنه قال للمملوك : أنت حر إن أراد الله مني إعتاقك، وقد علم أن الله تعالى أراد ذلك مع سلامة الأحوال، وإنما تصح هذه الطريقة متى قيل لا بد في [ ص: 268 ] الاستثناء من تقييد، حتى يصير كالشرط، ويجري مجرى قول القائل : أنت حر إن دخل زيد الدار، وإن شاء زيد، فيمكن عند ذلك ادعاء مخالفة الإجماع على المعتزلة، فأما إذا قيل بالوجه الآخر، وهو أن الاستثناء يخرج الخبر عن كونه خبرا، إلى أن يكون مشكوكا فيه موقوفا فليس فيه دلالة.