قوله تعالى: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف الآية (231):
أجمع العلماء على أن المراد ببلوغ الأجل مقاربة البلوغ، ولذكر بلوغ الأجل -والمراد به: مقاربته دون انقضائه- نظائر كثيرة من القرآن واللغة، قال الله تعالى: إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ومعناه: إذا أردتم الطلاق وقاربتم أن تطلقوا فطلقوا للعدة.
وقال تعالى:
فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله . [ ص: 182 ] ومعناه: إذا أردت قراءته.
وقال: وإذا قلتم فاعدلوا .
وليس المراد به العدل بعد القول، لكن قبله يعزم على أن لا يقول لا عدلا، فعلى هذا ذكر بلوغ الأجل، والمراد به مقاربته دون وجود نهايته.
وإنما ذكر مقاربته البلوغ عند الأمر بالإمساك بالمعروف -وإن كان ذلك عليه في سائر أحوال بقاء النكاح- لأنه وصل به التسريح وهو انقضاء العدة وجمعهما في الأمر، ومعلوم أن التسريح له حالة واحدة لا تدوم، فخص حالة بلوغ الأجل بذلك، لينتظم المعروف الأمرين جميعا.
وقوله: فإمساك بمعروف : إباحة الإمساك بمعروف، فهو القيام بما يجب لها من حق على زوجها .
والتسريح بالإحسان أن لا يقصد مضارتها لتطويل العدة عليها بالمراجعة، وتبين ذلك بقوله عقيب ذلك:
ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا (231).
ويجوز أن يكون من الفراق بالمعروف أن يمتعها عند الفرقة.
فإذا ثبت ذلك يقول: فالشافعي
"إن عجز عن نفقة امرأته فليس يمسكها بمعروف، فيجب عليه أن [ ص: 183 ] يسرحها بإحسان، فإن الله تعالى إنما خيره بين شيئين لا ثالث لهما، فإذا عجز عن أحدهما تعين الثاني" اهـ.
فظن بعض الجهلة أن العاجز ممسك بمعروف إذ لم يكلف الإنفاق في هذه الحالة، وهذا جهل وحمق، فإن العاجز إنما لم يكلف ما عجز عنه، ونحن لا نكلفه النفقة، إلا أنا نقول:
إذا عجز عن الإمساك بالمعروف، فالتسريح بالإحسان مقدور.
نعم ; إذا قدر على نفقة المعسرين فلينفق مما آتاه الله.
ويدل عليه أن العلماء قالوا: إذا عجز عن الإنفاق على عبده أو أمته يقال له: بع عبدك أو أمتك، لا على معنى أنا نكلف العاجز، ولكن إن عجز عن النفقة، فلم يعجز عن البيع.
وإمساك العبد بالمعروف ليس منصوصا عليه، وإنما هو مفهوم من النكاح، فالنكاح بذلك أولى.
قوله: ولا تمسكوهن ضرارا :
بيان النهي عن تطويل العدة عليها بالمراجعة، إذا قارب انقضاء العدة راجعها، فأمر الله تعالى بالإمساك بالمعروف، ونهاه عن مضارتها بتطويل العدة عليها.
وقوله: ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه (231).
يدل على أن الرجعة تنعقد على هذا الوجه، ويكون بذلك ظالما، ولو لم يثبت التطويل به ما كان ظالما، وكانت رجعته لغوا لا حكم لها.
وقوله تعالى: ولا تتخذوا آيات الله هزوا (231). [ ص: 184 ] فروي عن أنه كان الرجل يطلق امرأته ثم يرجع فيقول: كنت لاغيا، ويعتق، ويرجع، ويقول: كنت لاغيا، فأنزل الله تعالى: أبي الدرداء
ولا تتخذوا آيات الله هزوا .
وروي عن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أبي هريرة
. "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق، والنكاح، والرجعة"
وإنما ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، تفسيرا لكتاب الله تعالى: