[ ص: 153 ] باب
ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=29577نقط ما اجتمع فيه ألفان ، فحذفت إحداهما اختصارا
اعلم أن ( يا ) التي للنداء ، و ( ها ) التي للتنبيه إذا اتصلتا بكلمة أولها همزة ؛ فإن رسم المصاحف جاء بحذف الألف من آخرهما ، ووصل الياء والهاء بتلك الكلمة التي همزتها مبتدأة ، فصار ذلك كلمة واحدة في الخط ، وهو في الأصل والتقدير كلمتان . وإنما حذفت الألف من آخر الكلمة الأولى من حيث وصلت الكلمتان ، وصارتا بذلك كالكلمة الواحدة التي لا تنفصل . فكما لا يجمع بين ألفين في الرسم في كلمة ؛ كراهة لتوالي صورتين متفقتين ، كذلك لا يجمع أيضا بينهما فيما صار بالوصل مثلها لذلك .
وقال بعض النحويين : إنما لم يجمع بين ألفين في الرسم من حيث لم يجمع بينهما في اللفظ .
فأما ( يا ) التي للنداء فنحو قوله : " يأيها الناس " ، و " يأهل يثرب " ، و " يأبت " ، و " يإبراهيم " ، و " يأخت هارون " ، و " يأولي الألباب " ،
[ ص: 154 ] و " يأيتها النفس " ، و " يئادم " وشبهه .
وأما ( ها ) التي للتنبيه فنحو قوله : " هأنتم " ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=31هؤلاء حيث وقعا .
وقد زعم أحمد بن يحيى ثعلب وموافقوه أن المحذوفة من إحدى الألفين في الرسم في هذا الضرب هي الهمزة ، وأن الثابتة فيه منهما هي الألف الساكنة . وليس ذلك بالوجه . وذلك من جهات أربع :
إحداهن أن ثعلبا وموافقيه قد أجمعوا معنا على أن المحذوف من الرسم تخفيفا في نحو قوله : " يرب " ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275يقوم ، و " ينوح " ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25هذا ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63هذان ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35هذه ، و " هتين " ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=42أهكذا ، وشبهه من المنادى والتنبيه من الأسماء هو الألف الساكنة لا غير ؛ لعدم سواها في ذلك . فكما حذفت هاهنا بإجماع ، كذلك يجب أن تحذف هناك ، لا سيما وقد دخلت فيه خاصة على ما هو مثلها في الصورة ، وهو الهمزة .
[ ص: 155 ] والثانية أن الأولى وقعت طرفا ، والتغيير بالحذف وغيره أكثر ما يستعمل فيه . والثانية وقعت ابتداء ، والمبتدأ لا يحذف .
والثالثة أن الأولى ساكنة ، والساكن قد يغير كثيرا بالحذف وغيره . والثانية متحركة ، والمتحرك لا يحذف ، ولا تغير صورته .
والرابعة أن التغيير في الساكنين بالحذف والتحريك ، وفي المثلين إذا أدغم أحدهما في الآخر إنما يلحق الحرف الأول منهما دون الثاني . فكذا يجب أن تكون الألف المغيرة بالحذف من إحدى الألفين ، فيما تقدم ، هي الأولى دون الثانية .
وإلى ذلك ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي وغيره من النحويين ، وبه أقول .
فإذا نقط هذا الضرب على ما ذهبنا إليه ، وأوضحنا صحته ؛ جعلت الهمزة نقطة بالصفراء في الألف المصورة ؛ لأنها صورتها ، وجعلت حركتها نقطة بالحمراء من فوقها إن كانت مفتوحة ، ومن أسفلها إن كانت مكسورة ، ومن أمامها إن كانت مضمومة . ورسمت ألف بالحمراء بين الياء والهاء ، وبين تلك الألف . وإن شاء الناقط لم يرسمها ، وجعل مطة في موضعها ، على قراءة من جعل المنفصل كالمتصل في حروف المد مع الهمزة .
[ ص: 156 ] فأما قوله : " يئادم " حيث وقع ، فمرسوم في كل المصاحف بألف واحدة بين الياء والدال ، وهي الألف المبدلة من همزة فاء الفعل الساكنة ، لا التي هي همزة محققة في أول الكلمة . وذلك من حيث كانت المبدلة هي الثابتة في الرسم ، والمحققة المبتدأة هي المحذوفة فيه ، في " ءادم " ، و " ءازر " ، و " ءامن " ، و " ءاتى المال " وشبه ذلك من الأسماء والأفعال ؛ لكون الأولى زائدة في ذلك ، وكون الثانية أصلية فيه .
فإذا نقط ذلك جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وحركتها عليها قبل الألف المصورة في البياض ، ورسم بعد الياء ألف بالحمراء ، وجعلت مطة في موضعها .
* * *
وأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=31هؤلاء حيث وقع ، فمرسوم أيضا في جميع المصاحف بواو بعد الهاء من غير ألف بعدها ، ولا قبل الواو . وذلك من حيث وصلت الكلمتان ، وجعلتا كلمة واحدة تخفيفا . فلذلك حذفوا الألف التي هي آخر الكلمة الأولى . وحذفوا الألف التي هي أول الكلمة الثانية ، لما كانت الواو المصورة بعدها للفرق أو لبيان الهمزة ، تكفي منها ، وتقوم مقامها ، إذ هي من جنس حركتها ، لا سيما وقد صارت بالوصل كالمتوسطة التي تصور في حال انضمامها واوا ، سواء أريد تحقيقها أو تسهيلها . وزالت بذلك صورة ما يوجب إلحاق واو فيه ، ليفرق بها بين المشتبهين في الصورة .
[ ص: 157 ] فإذا نقط ذلك على هذا المذهب جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وحركتها نقطة بالحمراء أمامها ، في الواو نفسها . ورسمت ألف بالحمراء بعد الهاء . وإن شاء الناقط لم يرسمها ، وجعل في موضعها مطة .
وجائز أن تكون الواو في ذلك ليست بصورة للهمزة ، لكنها التي للفرق بين
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=14إلى و
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=179أولي . وهو مذهب النحويين .
فإذا نقط ذلك على هذا المذهب رسم بعد الهاء ألف بالحمراء . ولم يكن بد من ذلك ؛ لأنها صورة للهمزة التي هي أول الكلمة . وجعلت الهمزة نقطة بالصفراء في تلك الألف ، وحركتها أمامها . وجعل على الواو المصورة دارة صغرى ؛ علامة لزيادتها ، وأنها غير ملفوظ بها . ولا يجوز أن يرسم قبل تلك الألف التي هي صورة للهمزة ألف أخرى ، فتتوالى بذلك ألفان . وذلك مرفوض في الكتابة ، غير مستعمل في الرسم .
* * *
وأما قوله : " ترءا الجمعان " في سورة ( الشعراء ) فرسم في جميع المصاحف أيضا بألف واحدة .
فتحتمل تلك الألف المرسومة أن تكون ألف البناء التي من مثال "تفاعل"، وأن تكون المحذوفة التي هي لام من الفعل ؛ لأن الأصل في هذه الكلمة " تراءي " . ومثل ذلك من السالم ."تضارب" و "تقاتل" و "تشاتم" وشبهه . فلما تحركت الياء التي هي لام ، وانفتح ما قبلها انقلبت ألفا ، فصار " تراءا " ، ووقعت الهمزة بين ألفين : ألف البناء ، والألف
[ ص: 158 ] المنقلبة . والهمزة - لخفائها ، وبعد مخرجها ، واستغنائها عن الصورة - ليست بفاصل قوي . فكأن الألفين قد اجتمعتا متواليتين ، فحذفت إحداهما اختصارا .
وكانت الثانية منهما أولى بالحذف ؛ إذ لم يكن منه بد ، من حيث لم يجمع بين صورتين متفقتين في الرسم ، كراهة للجمع بينهما ، واكتفاء بالواحدة منهما ، من ثلاثة أوجه :
أحدها : وقوعها في الطرف الذي هو موضع التغيير بالحذف وغيره .
والثاني : سقوطها من اللفظ في حال الوصل ؛ لسكونها ، وسكون أول ما توصل به ، وهو اللام من
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=155الجمعان . فكما لزمها السقوط من اللفظ في حال الوصل ، كذلك أسقطت من الرسم . وذلك من حيث عاملوا في كثير من الكتابة اللفظ والوصل ، دون الأصل والقطع ، ألا ترى أنهم لذلك حذفوا الألف والياء والواو في نحو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31أيه المؤمنون ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=146وسوف يؤت الله ، و " يدع الإنسان " ، وشبهه ، لما سقطن من اللفظ ، لسكونهن وسكون ما بعدهن . وبنوا الخط على ذلك ، فأسقطوهن منه . فكما عومل اللفظ في هذه الحروف ، وبني الخط عليه فيهن ، كذلك عومل أيضا فيما تقدم ، وبني عليه فيه .
والثالث : كون الأولى داخلة لمعنى لا بد من تأديته ، وهو بناء " تفاعل " الذي يخص به ، إذا تقدم الاثنان والجماعة . فوجب أن تكون هي
[ ص: 159 ] المرسومة دون الأخرى ، إذ برسمها وثباتها يتأدى معناها الذي جاءت لأجله ، وبحذفها وسقوطها يختل .
وتحتمل تلك الألف أن تكون الألف المنقلبة من لام الفعل ، وأن تكون المحذوفة ألف البناء . وذلك من ثلاثة أوجه أيضا :
أحدها : أن المنقلبة من نفس الكلمة ، إذ هي لام منها ، وألف البناء زائدة . وإثبات الأصلي أولى من إثبات الزائد ، إذا لزم حذف أحدهما .
والثاني أنهما معا ساكنتان ، والهمزة بينهما ، لما ذكرناه من حالها ، ليست تمنع من التقائهما . والساكنان إذا التقيا معا أعل بالحذف أو بالتحريك ، الأول منهما دون الثاني ، إذ بتغيير الأول يتوصل إلى النطق بالثاني . وذلك ما لم تمنع من تغييره علة . وهي معدومة هاهنا . فوجب أن تكون الثابتة الألف المنقلبة ، والمحذوفة ألف البناء ، لذلك .
والثالث أن الحرف الذي انقلبت الألف الثانية عنه - وهو الياء - ، كان متحركا فأعل بالقلب . فإن حذف المنقلب عنه لحق لام الفعل إعلالان تغيير ثم حذف . وإذا لحقها ذلك لم يبق لها أثر من رسم ولا لفظ يدل عليها . فوجب أن نثبت رسما لذلك ؛ ليعلم بذلك أنها ثابتة مع عدم الساكن ، وأنها إنما أعلت بالقلب لا غير .
وهذا المذهب عندي في ذلك أوجه ، وهو الذي أختار ، وبه أنقط .
* * *
[ ص: 160 ] فإن قيل : من أين اخترت هذا المذهب ، ورسم الألف في آخر هذه الكلمة يدل على أنها ليست المنقلبة من لام الفعل ، ويحقق أنها التي للبناء . وذلك من حيث كانت المنقلبة لا ترسم في نظائر ذلك ، مما لامه ياء في الأصل من الأفعال ، إلا ياء . وكانت التي للبناء لا ترسم إلا ألفا ؛ إذ هي مجهولة لا يعلم لها أصل في ياء ولا واو ؟
قيل : ليس الأمر كما ذكرته ، ولا على ما ظننته وقدرته . وذلك أن الألف المنقلبة لو رسمت هاهنا ياء على الأصل لالتبست صورة الفعل الماضي المتقدم الذي على مثال " تفاعل " الذي تلحقه الهمزة ، وهو للاثنين والجماعة ، بصورة الفعل المستقبل الذي على مثال
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=67تفعل الذي لا همزة فيه ، وهو للواحد فقط ، نحو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47وترى الأرض ، و " ترى الناس " ، وشبهه . فرسمت اللام هاهنا ألفا ، ليفرق بذلك بين صورة الفعلين من الماضي والمستقبل ، ويرتفع الالتباس به في معرفتهما .
وأيضا فإنها لو رسمت ياء للزم أن ترسم ألف البناء قبلها ضرورة ؛ لعدم ما يوجب حذفها بذلك ، وهو اجتماع صورتين متفقتين ، من حيث غيرت الثانية ، وصورت ياء . ولم يجئ الرسم بذلك .
وأيضا فإن رسم الألف في آخر هذه الكلمة لا يمنع أن تكون المنقلبة ، من حيث رسمت كذلك بإجماع من كتاب المصاحف ، من السلف والخلف في
[ ص: 161 ] قوله : " الأقصا الذي " ، و " من أقصا المدينة " ، و " طغا الماء " في نظائر لذلك ؛ لامتناع إمالتها فيه في حال الوصل ؛ لأجل الساكن الذي لقيها . وقد حدثنا
محمد بن أحمد بن علي البغدادي ، قال : نا
nindex.php?page=showalam&ids=12590أبو بكر بن الأنباري ، قال : نا
إدريس بن عبد الكريم ، قال : نا
nindex.php?page=showalam&ids=15833خلف بن هشام ، قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي يقول : إنما كتبت - يعني هذه الحروف - بالألف ؛ للألف واللام اللتين بعد هذه الحروف . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو : وذلك من حيث منعتاها من الإمالة ؛ لسقوطها من اللفظ وعدمها في حال الوصل ، لأجلهما .
فثبت بجميع ما قدمناه صحة ما ذهبنا إليه ، واخترناه ، من كون الألف المرسومة المنقلبة ، لا التي للبناء . وبالله التوفيق .
* * *
فإذا نقطت هذه الكلمة على الوجه الأول الذي الألف المرسومة فيه للبناء جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وحركتها من فوقها بالحمراء ، بعد تلك الألف في السطر . ورسمت بعدها ألف بالحمراء ؛ دلالة على أن بعد الهمزة ألفا ثابتة في حال الانفصال ، ساقطة في حال الاتصال . وصورة ذلك كما ترى : " تراء الجمعان " .
وإذا نقطت على الوجه الثاني الذي الألف المرسومة فيه المنقلبة جعلت الهمزة ، وحركتها عليها ، قبل تلك الألف ، بينها وبين الراء . ورسم بعد الراء بينها وبين الهمزة ألف بالحمراء ، دلالة على ثبوتها بينهما في كل حال . وإن شاء الناقط لم يرسمها ، وجعل في موضعها مطة . ورسمها أحسن من حيث رسمها
[ ص: 162 ] السلف في نحو : " العلمين " ، و " الفاسقين " ، و " الكافرين " وشبهه . وصورة ذلك كما ترى : " ترءا الجمعان " .
* * *
وأما قوله في ( الزخرف ) :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=38حتى إذا جاءنا فرسم في جميع المصاحف بألف واحدة . فإن كان مرسوما على قراءة التوحيد والإفراد فذلك حقيقة رسمه ، وإن كان مرسوما على قراءة التثنية فقد حذفت منه ألف واحدة .
والمحذوفة تحتمل أن تكون المنقلبة عن عين الفعل في
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43جاء ، والأصل " جيأ " على مثال
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155فعل . فلما تحركت الياء ، وانفتح ما قبلها ؛ انقلبت ألفا . ثم أتت ألف التثنية بعدها ، فالتقتا معا ؛ لأن الهمزة الحائلة بينهما التي هي لام ليست بفاصل قوي لخفائها وبعد مخرجها ، ولأنها لا صورة لها . فلما التقتا في الرسم وجب حذف إحداهما . فحذفت التي هي عين لكونها أولهما . وأثبتت التي هي علامة الاثنين لكونها ثانية ، ولأن المعنى الذي جاءت لأجله يختل بحذفها .
فإذا نقط ذلك على هذا الوجه جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وحركتها عليها ، قبل الألف السوداء . ورسم قبل الهمزة وبعد الجيم ألف بالحمراء . وصورة نقط ذلك على هذا الوجه كما ترى : " جئانا " .
[ ص: 163 ] وتحتمل المحذوفة أن تكون التي هي علامة الاثنين ، من حيث كانت زائدة ، وكان الثقل والكراهة إنما وجبا لأجلها . فلذلك حذفت الزائدة ، وأثبتت الأصلية . وذلك الوجه عندي . لأن عين الفعل الذي هو من سنخ الحرف قد أعل بالقلب ، فلم يكن ليعل بالحذف ، فلا يبقى له أثر في الرسم .
فإذا نقط ذلك على هذا الوجه جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وحركتها عليها ، بعد الألف السوداء . وترسم بالحمراء ألف بعد الهمزة ، لا بد من ذلك . وصورة نقط ذلك على هذا الوجه كما ترى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=19جاءنا .
* * *
وأما قوله في ( يونس ) : " أن تبوءا لقومكما " فإنه مرسوم بألف واحدة . وتحتمل أن تكون صورة الهمزة التي هي لام ، وأن تكون ألف التثنية ؛ لما ذكرناه . والأوجه هاهنا أن تكون ألف التثنية ؛ لأن الهمزة قد تستغني عن الصورة ، فلا ترسم خطا . وذلك من حيث كانت حرفا من الحروف . والألف الساكنة ليست كذلك .
فإذا نقط ذلك على هذا الوجه جعلت الهمزة بالصفراء ، وحركتها عليها نقطة بالحمراء ، قبل الألف السوداء في السطر . وصورة ذلك كما ترى : " تبوءا " .
وعلى الوجه الآخر تجعل الهمزة وحركتها في الألف . وترسم بعد الألف ألف أخرى بالحمراء ، لا بد من ذلك ؛ ليتأدى اللفظ ، ويتحقق المعنى . وصورة ذلك كما ترى : " تبوأا " .
[ ص: 153 ] بَابٌ
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=29577نَقْطِ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ أَلِفَانِ ، فَحُذِفَتْ إِحْدَاهُمَا اخْتِصَارًا
اعْلَمْ أَنَّ ( يَا ) الَّتِي لِلنِّدَاءِ ، وَ ( هَا ) الَّتِي لِلتَّنْبِيهِ إِذَا اتَّصَلَتَا بِكَلِمَةٍ أَوَّلُهَا هَمْزَةٌ ؛ فَإِنَّ رَسْمَ الْمَصَاحِفِ جَاءَ بِحَذْفِ الْأَلِفِ مِنْ آخِرِهِمَا ، وَوَصْلِ الْيَاءِ وَالْهَاءِ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي هَمْزَتُهَا مُبْتَدَأَةٌ ، فَصَارَ ذَلِكَ كَلِمَةً وَاحِدَةً فِي الْخَطِّ ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ وَالتَّقْدِيرِ كَلِمَتَانِ . وَإِنَّمَا حُذِفَتِ الْأَلِفُ مِنْ آخِرِ الْكَلِمَةِ الْأُولَى مِنْ حَيْثُ وُصِلَتِ الْكَلِمَتَانِ ، وَصَارَتَا بِذَلِكَ كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي لَا تَنْفَصِلُ . فَكَمَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَ أَلِفَيْنِ فِي الرَّسْمِ فِي كَلِمَةٍ ؛ كَرَاهَةً لِتَوَالِي صُورَتَيْنِ مُتَّفِقَتَيْنِ ، كَذَلِكَ لَا يُجْمَعُ أَيْضًا بَيْنَهُمَا فِيمَا صَارَ بِالْوَصْلِ مِثْلَهَا لِذَلِكَ .
وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ : إِنَّمَا لَمْ يُجْمَعْ بَيْنَ أَلِفَيْنِ فِي الرَّسْمِ مِنْ حَيْثُ لَمْ يُجْمَعْ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ .
فَأَمَّا ( يَا ) الَّتِي لِلنِّدَاءِ فَنَحْوُ قَوْلِهِ : " يَأَيُّهَا النَّاسُ " ، وَ " يَأَهْلَ يَثْرِبَ " ، وَ " يَأْبَتِ " ، وَ " يَإِبْرَاهِيمُ " ، وَ " يَأُخْتَ هَارُونَ " ، وَ " يَأُولِي الْأَلْبَابِ " ،
[ ص: 154 ] وَ " يَأَيَّتُهَا النَّفْسُ " ، وَ " يَئَادَمُ " وَشِبْهِهِ .
وَأَمَّا ( هَا ) الَّتِي لِلتَّنْبِيهِ فَنَحْوُ قَوْلِهِ : " هَأَنْتُمْ " ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=31هَؤُلَاءِ حَيْثُ وَقَعَا .
وَقَدْ زَعَمَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ وَمُوَافِقُوهُ أَنَّ الْمَحْذُوفَةَ مِنْ إِحْدَى الْأَلِفَيْنِ فِي الرَّسْمِ فِي هَذَا الضَّرْبِ هِيَ الْهَمْزَةُ ، وَأَنَّ الثَّابِتَةَ فِيهِ مِنْهُمَا هِيَ الْأَلِفُ السَّاكِنَةُ . وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْوَجْهِ . وَذَلِكَ مِنْ جِهَاتٍ أَرْبَعٍ :
إِحْدَاهُنَّ أَنَّ ثَعْلَبًا وَمُوَافِقِيهِ قَدْ أَجْمَعُوا مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْمَحْذُوفَ مِنَ الرَّسْمِ تَخْفِيفًا فِي نَحْوِ قَوْلِهِ : " يَرَبِّ " ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275يَقَوْمِ ، وَ " يَنُوحُ " ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25هَذَا ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63هَذَانِ ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35هَذِهِ ، وَ " هَتَيْنِ " ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=42أَهَكَذَا ، وَشِبْهِهِ مِنَ الْمُنَادَى وَالتَّنْبِيهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ هُوَ الْأَلِفُ السَّاكِنَةُ لَا غَيْرُ ؛ لِعَدَمِ سِوَاهَا فِي ذَلِكَ . فَكَمَا حُذِفَتْ هَاهُنَا بِإِجْمَاعٍ ، كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تُحْذَفَ هُنَاكَ ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ دَخَلَتْ فِيهِ خَاصَّةً عَلَى مَا هُوَ مِثْلُهَا فِي الصُّورَةِ ، وَهُوَ الْهَمْزَةُ .
[ ص: 155 ] وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْأُولَى وَقَعَتْ طَرَفًا ، وَالتَّغْيِيرُ بِالْحَذْفِ وَغَيْرِهِ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ . وَالثَّانِيَةَ وَقَعَتِ ابْتِدَاءً ، وَالْمُبْتَدَأُ لَا يُحْذَفُ .
وَالثَّالِثَةُ أَنَّ الْأُولَى سَاكِنَةٌ ، وَالسَّاكِنُ قَدْ يُغَيَّرُ كَثِيرًا بِالْحَذْفِ وَغَيْرِهِ . وَالثَّانِيَةَ مُتَحَرِّكَةٌ ، وَالْمُتَحَرِّكُ لَا يُحْذَفُ ، وَلَا تُغَيَّرُ صُورَتُهُ .
وَالرَّابِعَةُ أَنَّ التَّغْيِيرَ فِي السَّاكِنَيْنِ بِالْحَذْفِ وَالتَّحْرِيكِ ، وَفِي الْمِثْلَيْنِ إِذَا أُدْغِمَ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ إِنَّمَا يَلْحَقُ الْحَرْفَ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا دُونَ الثَّانِي . فَكَذَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْأَلِفُ الْمُغَيَّرَةُ بِالْحَذْفِ مِنْ إِحْدَى الْأَلِفَيْنِ ، فِيمَا تَقَدَّمَ ، هِيَ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ .
وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ النَّحْوِيِّينَ ، وَبِهِ أَقُولُ .
فَإِذَا نُقِطَ هَذَا الضَّرْبُ عَلَى مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ ، وَأَوْضَحْنَا صِحَّتَهُ ؛ جُعِلَتِ الْهَمْزَةُ نُقْطَةً بِالصَّفْرَاءِ فِي الْأَلِفِ الْمُصَوَّرَةِ ؛ لِأَنَّهَا صُورَتُهَا ، وَجُعِلَتْ حَرَكَتُهَا نُقْطَةً بِالْحَمْرَاءِ مِنْ فَوْقِهَا إِنْ كَانَتْ مَفْتُوحَةً ، وَمِنْ أَسْفَلِهَا إِنْ كَانَتْ مَكْسُورَةً ، وَمِنْ أَمَامِهَا إِنْ كَانَتْ مَضْمُومَةً . وَرُسِمَتْ أَلِفٌ بِالْحَمْرَاءِ بَيْنَ الْيَاءِ وَالْهَاءِ ، وَبَيْنَ تِلْكَ الْأَلِفِ . وَإِنْ شَاءَ النَّاقِطُ لَمْ يَرْسِمْهَا ، وَجَعَلَ مَطَّةً فِي مَوْضِعِهَا ، عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ جَعَلَ الْمُنْفَصِلَ كَالْمُتَّصِلِ فِي حُرُوفِ الْمَدِّ مَعَ الْهَمْزَةِ .
[ ص: 156 ] فَأَمَّا قَوْلُهُ : " يَئَادَمُ " حَيْثُ وَقَعَ ، فَمَرْسُومٌ فِي كُلِّ الْمَصَاحِفِ بِأَلِفٍ وَاحِدَةٍ بَيْنَ الْيَاءِ وَالدَّالِ ، وَهِيَ الْأَلِفُ الْمُبْدَلَةُ مِنْ هَمْزَةِ فَاءِ الْفِعْلِ السَّاكِنَةِ ، لَا الَّتِي هِيَ هَمْزَةٌ مُحَقَّقَةٌ فِي أَوَّلِ الْكَلِمَةِ . وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ كَانَتِ الْمُبْدَلَةُ هِيَ الثَّابِتَةَ فِي الرَّسْمِ ، وَالْمُحَقَّقَةُ الْمُبْتَدَأَةُ هِيَ الْمَحْذُوفَةُ فِيهِ ، فِي " ءَادَم " ، وَ " ءَازَرَ " ، وَ " ءَامَنَ " ، وَ " ءَاتَى الْمَالَ " وَشِبْهِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ ؛ لِكَوْنِ الْأُولَى زَائِدَةً فِي ذَلِكَ ، وَكَوْنِ الثَّانِيَةِ أَصْلِيَّةً فِيهِ .
فَإِذَا نُقِطَ ذَلِكَ جُعِلَتِ الْهَمْزَةُ نُقْطَةً بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا عَلَيْهَا قَبْلَ الْأَلِفِ الْمُصَوَّرَةِ فِي الْبَيَاضِ ، وَرُسِمَ بَعْدَ الْيَاءِ أَلِفٌ بِالْحَمْرَاءِ ، وَجُعِلَتْ مَطَّةٌ فِي مَوْضِعِهَا .
* * *
وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=31هَؤُلَاءِ حَيْثُ وَقَعَ ، فَمَرْسُومٌ أَيْضًا فِي جَمِيعِ الْمَصَاحِفِ بِوَاوٍ بَعْدَ الْهَاءِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ بَعْدَهَا ، وَلَا قَبْلَ الْوَاوِ . وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ وُصِلَتِ الْكَلِمَتَانِ ، وَجُعِلَتَا كَلِمَةً وَاحِدَةً تَخْفِيفًا . فَلِذَلِكَ حَذَفُوا الْأَلِفَ الَّتِي هِيَ آخِرُ الْكَلِمَةِ الْأُولَى . وَحَذَفُوا الْأَلِفَ الَّتِي هِيَ أَوَّلُ الْكَلِمَةِ الثَّانِيَةِ ، لَمَّا كَانَتِ الْوَاوُ الْمُصَوَّرَةُ بَعْدَهَا لِلْفَرْقِ أَوْ لِبَيَانِ الْهَمْزَةِ ، تَكْفِي مِنْهَا ، وَتَقُومُ مَقَامَهَا ، إِذْ هِيَ مِنْ جِنْسِ حَرَكَتِهَا ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ صَارَتْ بِالْوَصْلِ كَالْمُتَوَسِّطَةِ الَّتِي تُصَوَّرُ فِي حَالِ انْضِمَامِهَا وَاوًا ، سَوَاءٌ أُرِيدَ تَحْقِيقُهَا أَوْ تَسْهِيلُهَا . وَزَالَتْ بِذَلِكَ صُورَةُ مَا يُوجِبُ إِلْحَاقَ وَاوٍ فِيهِ ، لِيُفْرَقَ بِهَا بَيْنَ الْمُشْتَبِهَيْنِ فِي الصُّورَةِ .
[ ص: 157 ] فَإِذَا نُقِطَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ جُعِلَتِ الْهَمْزَةُ نُقْطَةً بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا نُقْطَةً بِالْحَمْرَاءِ أَمَامَهَا ، فِي الْوَاوِ نَفْسِهَا . وَرُسِمَتْ أَلِفٌ بِالْحَمْرَاءِ بَعْدَ الْهَاءِ . وَإِنْ شَاءَ النَّاقِطُ لَمْ يَرْسِمْهَا ، وَجَعَلَ فِي مَوْضِعَهَا مَطَّةً .
وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ بِصُورَةٍ لِلْهَمْزَةِ ، لَكِنَّهَا الَّتِي لِلْفَرْقِ بَيْنَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=14إِلَى وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=179أُولِي . وَهُوَ مَذْهَبُ النَّحْوِيِّينَ .
فَإِذَا نُقِطَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ رُسِمَ بَعْدَ الْهَاءِ أَلِفٌ بِالْحَمْرَاءِ . وَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا صُورَةٌ لِلْهَمْزَةِ الَّتِي هِيَ أَوَّلُ الْكَلِمَةِ . وَجُعِلَتِ الْهَمْزَةُ نُقْطَةً بِالصَّفْرَاءِ فِي تِلْكَ الْأَلِفِ ، وَحَرَكَتُهَا أَمَامَهَا . وَجُعِلَ عَلَى الْوَاوِ الْمُصَوَّرَةِ دَارَةٌ صُغْرَى ؛ عَلَامَةً لِزِيَادَتِهَا ، وَأَنَّهَا غَيْرُ مَلْفُوظٍ بِهَا . وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرْسَمَ قَبْلَ تِلْكَ الْأَلِفِ الَّتِي هِيَ صُورَةٌ لِلْهَمْزَةِ أَلِفٌ أُخْرَى ، فَتَتَوَالَى بِذَلِكَ أَلِفَانِ . وَذَلِكَ مَرْفُوضٌ فِي الْكِتَابَةِ ، غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ فِي الرَّسْمِ .
* * *
وَأَمَّا قَوْلُهُ : " تَرَءَا الْجَمْعَانِ " فِي سُورَةِ ( الشُّعَرَاءِ ) فَرُسِمَ فِي جَمِيعِ الْمَصَاحِفِ أَيْضًا بِأَلِفٍ وَاحِدَةٍ .
فَتَحْتَمِلُ تِلْكَ الْأَلِفُ الْمَرْسُومَةُ أَنْ تَكُونَ أَلِفَ الْبِنَاءِ الَّتِي مِنْ مِثَالِ "تَفَاعَلَ"، وَأَنْ تَكُونَ الْمَحْذُوفَةُ الَّتِي هِيَ لَامٌ مِنَ الْفِعْلِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ " تَرَاءَيَ " . وَمِثْلُ ذَلِكَ مِنَ السَّالِمِ ."تَضَارَبَ" وَ "تَقَاتَلَ" وَ "تَشَاتَمَ" وَشِبْهُهُ . فَلَمَّا تَحَرَّكَتِ الْيَاءُ الَّتِي هِيَ لَامٌ ، وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا انْقَلَبَتْ أَلِفًا ، فَصَارَ " تَرَاءَا " ، وَوَقَعَتِ الْهَمْزَةُ بَيْنَ أَلِفَيْنِ : أَلِفِ الْبِنَاءِ ، وَالْأَلِفِ
[ ص: 158 ] الْمُنْقَلِبَةِ . وَالْهَمْزَةُ - لِخَفَائِهَا ، وَبُعْدِ مَخْرَجِهَا ، وَاسْتِغْنَائِهَا عَنِ الصُّورَةِ - لَيْسَتْ بِفَاصِلٍ قَوِيٍّ . فَكَأَنَ الْأَلِفَيْنِ قَدِ اجْتَمَعَتَا مُتَوَالِيَتَيْنِ ، فَحُذِفَتْ إِحْدَاهُمَا اخْتِصَارًا .
وَكَانَتِ الثَّانِيَةُ مِنْهُمَا أَوْلَى بِالْحَذْفِ ؛ إِذْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ بُدٌّ ، مِنْ حَيْثُ لَمْ يُجْمَعْ بَيْنَ صُورَتَيْنِ مُتَّفِقَتَيْنِ فِي الرَّسْمِ ، كَرَاهَةً لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ، وَاكْتِفَاءً بِالْوَاحِدَةِ مِنْهُمَا ، مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : وُقُوعُهَا فِي الطَّرَفِ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ التَّغْيِيرِ بِالْحَذْفِ وَغَيْرِهِ .
وَالثَّانِي : سُقُوطُهَا مِنَ اللَّفْظِ فِي حَالِ الْوَصْلِ ؛ لِسُكُونِهَا ، وَسُكُونِ أَوَّلِ مَا تُوصَلُ بِهِ ، وَهُوَ اللَّامُ مِنَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=155الْجَمْعَانِ . فَكَمَا لَزِمَهَا السُّقُوطُ مِنَ اللَّفْظِ فِي حَالِ الْوَصْلِ ، كَذَلِكَ أُسْقِطَتْ مِنَ الرَّسْمِ . وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ عَامَلُوا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْكِتَابَةِ اللَّفْظَ وَالْوَصْلَ ، دُونَ الْأَصْلِ وَالْقَطْعِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لِذَلِكَ حَذَفُوا الْأَلِفَ وَالْيَاءَ وَالْوَاوَ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=146وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ ، وَ " يَدْعُ الْإِنْسَانُ " ، وَشِبْهِهِ ، لَمَّا سَقَطْنَ مِنَ اللَّفْظِ ، لِسُكُونِهِنَّ وَسُكُونِ مَا بَعْدَهُنَّ . وَبَنَوُا الْخَطَّ عَلَى ذَلِكَ ، فَأَسْقَطُوهُنَّ مِنْهُ . فَكَمَا عُومِلَ اللَّفْظُ فِي هَذِهِ الْحُرُوفِ ، وَبُنِيَ الْخَطُّ عَلَيْهِ فِيهِنَّ ، كَذَلِكَ عُومِلَ أَيْضًا فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَبُنِيَ عَلَيْهِ فِيهِ .
وَالثَّالِثُ : كَوْنُ الْأُولَى دَاخِلَةً لِمَعْنًى لَا بُدَّ مِنْ تَأْدِيَتِهِ ، وَهُوَ بِنَاءُ " تَفَاعَلَ " الَّذِي يُخَصُّ بِهِ ، إِذَا تَقَدَّمَ الِاثْنَانِ وَالْجَمَاعَةُ . فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ هِيَ
[ ص: 159 ] الْمَرْسُومَةَ دُونَ الْأُخْرَى ، إِذْ بِرَسْمِهَا وَثَبَاتِهَا يَتَأَدَّى مَعْنَاهَا الَّذِي جَاءَتْ لِأَجْلِهِ ، وَبِحَذْفِهَا وَسُقُوطِهَا يَخْتَلُّ .
وَتَحْتَمِلُ تِلْكَ الْأَلِفُ أَنْ تَكُونَ الْأَلِفَ الْمُنْقَلِبَةَ مِنْ لَامِ الْفِعْلِ ، وَأَنْ تَكُونَ الْمَحْذُوفَةُ أَلِفَ الْبِنَاءِ . وَذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَيْضًا :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْمُنْقَلِبَةَ مِنْ نَفْسِ الْكَلِمَةِ ، إِذْ هِيَ لَامٌ مِنْهَا ، وَأَلِفُ الْبِنَاءِ زَائِدَةٌ . وَإِثْبَاتُ الْأَصْلِيِّ أَوْلَى مِنْ إِثْبَاتِ الزَّائِدِ ، إِذَا لَزِمَ حَذْفُ أَحَدِهِمَا .
وَالثَّانِي أَنَّهُمَا مَعًا سَاكِنَتَانِ ، وَالْهَمْزَةُ بَيْنَهُمَا ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَالِهَا ، لَيْسَتْ تَمْنَعُ مِنِ الْتِقَائِهِمَا . وَالسَّاكِنَانِ إِذَا الْتَقَيَا مَعًا أُعِلَّ بِالْحَذْفِ أَوْ بِالتَّحْرِيكِ ، الْأَوَّلُ مِنْهُمَا دُونَ الثَّانِي ، إِذْ بِتَغْيِيرِ الْأَوَّلِ يُتَوَصَّلُ إِلَى النُّطْقِ بِالثَّانِي . وَذَلِكَ مَا لَمْ تَمْنَعْ مِنْ تَغْيِيرِهِ عِلَّةٌ . وَهِيَ مَعْدُومَةٌ هَاهُنَا . فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الثَّابِتَةُ الْأَلِفَ الْمُنْقَلِبَةَ ، وَالْمَحْذُوفَةُ أَلِفَ الْبِنَاءِ ، لِذَلِكَ .
وَالثَّالِثُ أَنَّ الْحَرْفَ الَّذِي انْقَلَبَتِ الْأَلِفُ الثَّانِيَةُ عَنْهُ - وَهُوَ الْيَاءُ - ، كَانَ مُتَحَرِّكًا فَأُعِلَّ بِالْقَلْبِ . فَإِنْ حُذِفَ الْمُنْقَلِبُ عَنْهُ لَحِقَ لَامَ الْفِعْلِ إِعْلَالَانِ تَغْيِيرٌ ثُمَّ حَذْفٌ . وَإِذَا لَحِقَهَا ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ مِنْ رَسْمٍ وَلَا لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا . فَوَجَبَ أَنْ نُثْبِتَ رَسْمًا لِذَلِكَ ؛ لِيُعْلَمَ بِذَلِكَ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ مَعَ عَدَمِ السَّاكِنِ ، وَأَنَّهَا إِنَّمَا أُعِلَّتْ بِالْقَلْبِ لَا غَيْرُ .
وَهَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَوْجَهُ ، وَهُوَ الَّذِي أَخْتَارُ ، وَبِهِ أَنْقُطُ .
* * *
[ ص: 160 ] فَإِنْ قِيلَ : مِنْ أَيْنَ اخْتَرْتَ هَذَا الْمَذْهَبَ ، وَرَسْمُ الْأَلِفِ فِي آخِرِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتِ الْمُنْقَلِبَةَ مِنْ لَامِ الْفِعْلِ ، وَيُحَقِّقُ أَنَّهَا الَّتِي لِلْبِنَاءِ . وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ كَانَتِ الْمُنْقَلِبَةُ لَا تُرْسَمُ فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ ، مِمَّا لَامُهُ يَاءٌ فِي الْأَصْلِ مِنَ الْأَفْعَالِ ، إِلَّا يَاءً . وَكَانَتِ الَّتِي لِلْبِنَاءِ لَا تُرْسَمُ إِلَّا أَلِفًا ؛ إِذْ هِيَ مَجْهُولَةٌ لَا يُعْلَمُ لَهَا أَصْلٌ فِي يَاءٍ وَلَا وَاوٍ ؟
قِيلَ : لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتَهُ ، وَلَا عَلَى مَا ظَنَنْتَهُ وَقَدَّرْتَهُ . وَذَلِكَ أَنَّ الْأَلِفَ الْمُنْقَلِبَةَ لَوْ رُسِمَتْ هَاهُنَا يَاءً عَلَى الْأَصْلِ لَالْتَبَسَتْ صُورَةُ الْفِعْلِ الْمَاضِي الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي عَلَى مِثَالِ " تَفَاعَلَ " الَّذِي تَلْحَقُهُ الْهَمْزَةُ ، وَهُوَ لِلِاثْنَيْنِ وَالْجَمَاعَةِ ، بِصُورَةِ الْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ الَّذِي عَلَى مِثَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=67تَفْعَلُ الَّذِي لَا هَمْزَةَ فِيهِ ، وَهُوَ لِلْوَاحِدِ فَقَطْ ، نَحْوُ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47وَتَرَى اَلْأَرْضَ ، وَ " تَرَى النَّاسَ " ، وَشِبْهِهِ . فَرُسِمَتِ اللَّامُ هَاهُنَا أَلِفًا ، لِيُفْرَقَ بِذَلِكَ بَيْنَ صُورَةِ الْفِعْلَيْنِ مِنَ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ ، وَيَرْتَفِعَ الِالْتِبَاسُ بِهِ فِي مَعْرِفَتِهِمَا .
وَأَيْضًا فَإِنَّهَا لَوْ رُسِمَتْ يَاءً لَلَزِمَ أَنْ تُرْسَمَ أَلِفُ الْبِنَاءِ قَبْلَهَا ضَرُورَةً ؛ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ حَذْفَهَا بِذَلِكَ ، وَهُوَ اجْتِمَاعُ صُورَتَيْنِ مُتَّفِقَتَيْنِ ، مِنْ حَيْثُ غُيِّرَتِ الثَّانِيَةُ ، وَصُوِّرَتْ يَاءً . وَلَمْ يَجِئِ الرَّسْمُ بِذَلِكَ .
وَأَيْضًا فَإِنَّ رَسْمَ الْأَلِفِ فِي آخِرِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ لَا يَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ الْمُنْقَلِبَةَ ، مِنْ حَيْثُ رُسِمَتْ كَذَلِكَ بِإِجْمَاعٍ مِنْ كُتَّابِ الْمَصَاحِفِ ، مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِي
[ ص: 161 ] قَوْلِهِ : " الْأَقْصَا الَّذِي " ، و " مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ " ، و " طَغَا الْمَاءُ " فِي نَظَائِرَ لِذَلِكَ ؛ لِامْتِنَاعِ إِمَالَتِهَا فِيهِ فِي حَالِ الْوَصْلِ ؛ لِأَجْلِ السَّاكِنِ الَّذِي لَقِيَهَا . وَقَدْ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ ، قَالَ : نَا
nindex.php?page=showalam&ids=12590أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ ، قَالَ : نَا
إِدْرِيسُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، قَالَ : نَا
nindex.php?page=showalam&ids=15833خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيَّ يَقُولُ : إِنَّمَا كُتِبَتْ - يَعْنِي هَذِهِ الْحُرُوفَ - بِالْأَلِفِ ؛ لِلْأَلِفِ وَاللَّامِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ هَذِهِ الْحُرُوفِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبُو عَمْرٍو : وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ مَنَعَتَاهَا مِنَ الْإِمَالَةِ ؛ لِسُقُوطِهَا مِنَ اللَّفْظِ وَعَدَمِهَا فِي حَالِ الْوَصْلِ ، لِأَجْلِهِمَا .
فَثَبَتَ بِجَمِيعِ مَا قَدَّمْنَاهُ صِحَّةُ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ ، وَاخْتَرْنَاهُ ، مِنْ كَوْنِ الْأَلِفِ الْمَرْسُومَةِ الْمُنْقَلِبَةَ ، لَا الَّتِي لِلْبِنَاءِ . وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .
* * *
فَإِذَا نُقِطَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الَّذِي الْأَلِفُ الْمَرْسُومَةُ فِيهِ لِلْبِنَاءِ جُعِلَتِ الْهَمْزَةُ نُقْطَةً بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا مِنْ فَوْقِهَا بِالْحَمْرَاءِ ، بَعْدَ تِلْكَ الْأَلِفِ فِي السَّطْرِ . وَرُسِمَتْ بَعْدَهَا أَلِفٌ بِالْحَمْرَاءِ ؛ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ بَعْدَ الْهَمْزَةِ أَلِفًا ثَابِتَةً فِي حَالِ الِانْفِصَالِ ، سَاقِطَةً فِي حَالِ الِاتِّصَالِ . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " تَرَاءَ الْجَمْعَانِ " .
وَإِذَا نُقِطَتْ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي الَّذِي الْأَلِفُ الْمَرْسُومَةُ فِيهِ الْمُنْقَلِبَةُ جُعِلَتِ الْهَمْزَةُ ، وَحَرَكَتُهَا عَلَيْهَا ، قَبْلَ تِلْكَ الْأَلِفِ ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّاءِ . وَرُسِمَ بَعْدَ الرَّاءِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْهَمْزَةِ أَلِفٌ بِالْحَمْرَاءِ ، دَلَالَةً عَلَى ثُبُوتِهَا بَيْنَهُمَا فِي كُلِّ حَالٍ . وَإِنْ شَاءَ النَّاقِطُ لَمْ يَرْسِمْهَا ، وَجَعَلَ فِي مَوْضِعِهَا مَطَّةً . وَرَسْمُهَا أَحْسَنُ مِنْ حَيْثُ رَسَمَهَا
[ ص: 162 ] السَّلَفُ فِي نَحْوِ : " الْعَلَمِينَ " ، و " الْفَاسِقِينَ " ، و " الْكَافِرِينَ " وَشِبْهِهِ . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " تَرَءَا الْجَمْعَانِ " .
* * *
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي ( الزُّخْرُفِ ) :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=38حَتَّى إِذَا جَاءَنَا فَرُسِمَ فِي جَمِيعِ الْمَصَاحِفِ بِأَلِفٍ وَاحِدَةٍ . فَإِنْ كَانَ مَرْسُومًا عَلَى قِرَاءَةِ التَّوْحِيدِ وَالْإِفْرَادِ فَذَلِكَ حَقِيقَةُ رَسْمِهِ ، وَإِنْ كَانَ مَرْسُومًا عَلَى قِرَاءَةِ التَّثْنِيَةِ فَقَدْ حُذِفَتْ مِنْهُ أَلِفٌ وَاحِدَةٌ .
وَالْمَحْذُوفَةُ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْمُنْقَلِبَةَ عَنْ عَيْنِ الْفِعْلِ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43جَاءَ ، وَالْأَصْلُ " جَيَأَ " عَلَى مِثَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155فَعَلَ . فَلَمَّا تَحَرَّكَتِ الْيَاءُ ، وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا ؛ انْقَلَبَتْ أَلِفًا . ثُمَّ أَتَتْ أَلِفُ التَّثْنِيَةِ بَعْدَهَا ، فَالْتَقَتَا مَعًا ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ الْحَائِلَةَ بَيْنَهُمَا الَّتِي هِيَ لَامٌ لَيْسَتْ بِفَاصِلٍ قَوِيٍّ لِخَفَائِهَا وَبُعْدِ مَخْرَجِهَا ، وَلِأَنَّهَا لَا صُورَةَ لَهَا . فَلَمَّا الْتَقَتَا فِي الرَّسْمِ وَجَبَ حَذْفُ إِحْدَاهُمَا . فَحُذِفَتِ الَّتِي هِيَ عَيْنٌ لِكَوْنِهَا أَوَّلَهُمَا . وَأُثْبِتَتِ الَّتِي هِيَ عَلَامَةُ الِاثْنَيْنِ لِكَوْنِهَا ثَانِيَةً ، وَلِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي جَاءَتْ لِأَجْلِهِ يَخْتَلُّ بِحَذْفِهَا .
فَإِذَا نُقِطَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جُعِلَتِ الْهَمْزَةُ نُقْطَةً بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا عَلَيْهَا ، قَبْلَ الْأَلِفِ السَّوْدَاءِ . وَرُسِمَ قَبْلَ الْهَمْزَةِ وَبَعْدَ الْجِيمِ أَلِفٌ بِالْحَمْرَاءِ . وَصُورَةُ نَقْطِ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَمَا تَرَى : " جَئَانَا " .
[ ص: 163 ] وَتَحْتَمِلُ الْمَحْذُوفَةُ أَنْ تَكُونَ الَّتِي هِيَ عَلَامَةُ الِاثْنَيْنِ ، مِنْ حَيْثُ كَانَتْ زَائِدَةً ، وَكَانَ الثِّقَلُ وَالْكَرَاهَةُ إِنَّمَا وَجَبَا لِأَجْلِهَا . فَلِذَلِكَ حُذِفَتِ الزَّائِدَةُ ، وَأُثْبِتَتِ الْأَصْلِيَّةُ . وَذَلِكَ الْوَجْهُ عِنْدِي . لِأَنَّ عَيْنَ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ مِنْ سِنْخِ الْحَرْفِ قَدْ أُعِلَّ بِالْقَلْبِ ، فَلَمْ يَكُنْ لِيُعَلَّ بِالْحَذْفِ ، فَلَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ فِي الرَّسْمِ .
فَإِذَا نُقِطَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جُعِلَتِ الْهَمْزَةُ نُقْطَةً بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا عَلَيْهَا ، بَعْدَ الْأَلِفِ السَّوْدَاءِ . وَتُرْسَمُ بِالْحَمْرَاءِ أَلِفٌ بَعْدَ الْهَمْزَةِ ، لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ . وَصُورَةُ نَقْطِ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَمَا تَرَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=19جَاءَنَا .
* * *
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي ( يُونُسَ ) : " أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا " فَإِنَّهُ مَرْسُومٌ بِأَلِفٍ وَاحِدَةٍ . وَتَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ صُورَةَ الْهَمْزَةِ الَّتِي هِيَ لَامٌ ، وَأَنْ تَكُونَ أَلِفَ التَّثْنِيَةِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ . وَالْأَوْجَهُ هَاهُنَا أَنْ تَكُونَ أَلِفَ التَّثْنِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ قَدْ تَسْتَغْنِي عَنِ الصُّورَةِ ، فَلَا تُرْسَمُ خَطًّا . وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ حَرْفًا مِنَ الْحُرُوفِ . وَالْأَلِفُ السَّاكِنَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ .
فَإِذَا نُقِطَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جُعِلَتِ الْهَمْزَةُ بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا عَلَيْهَا نُقْطَةً بِالْحَمْرَاءِ ، قَبْلَ الْأَلِفِ السَّوْدَاءِ فِي السَّطْرِ . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " تَبَوَّءَا " .
وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ تُجْعَلُ الْهَمْزَةُ وَحَرَكَتُهَا فِي الْأَلِفِ . وَتُرْسَمُ بَعْدَ الْأَلِفِ أَلِفٌ أُخْرَى بِالْحَمْرَاءِ ، لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِيَتَأَدَّى اللَّفْظُ ، وَيَتَحَقَّقَ الْمَعْنَى . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " تَبَوَّأَا " .