[ ص: 165 ] باب
nindex.php?page=treesubj&link=29577ذكر نقط ما اجتمع فيه ياءان ، فحذفت إحداهما إيجازا
اعلم أن كتاب المصاحف اتفقوا على حذف إحدى الياءين من الرسم في قوله : " النبين " ، حيث وقع .
ويجوز أن تكون المحذوفة منهما الأولى التي هي زائدة للمد في بناء " فعيل " ؛ لزيادتها ، وأنها أول الياءين ؛ لأن الهمزة بينهما ، لخفائها ، وأن لا صورة لها ، ليست بفاصلة . فوجب لذلك حذفها من الرسم ؛ إذ كره الجمع بينها وبين التي بعدها فيه .
ويجوز أن تكون المحذوفة من الياءين الثانية التي هي علامة الجمع ، من حيث كان البناء يختل بحذف الأولى . وكان الثقل والكراهة للجمع بين صورتين متفقتين إنما وجب بالثانية لا بالأولى .
والمذهب الأول أوجه ؛ لما بينته ، ولأن الياء الثانية لما جاءت مؤدية عن معنى الجمع لزم إثباتها ليتأدى بذلك المعنى الذي جاءت له . وأيضا فإنها ملازمة للنون ، لا تفارقها ، ولا تنفصل عنها ، من حيث كانتا معا علامة للجميع . فوجب لذلك إثباتها ضرورة .
[ ص: 166 ] فإذا نقط ذلك على قراءة من همز على الأصل ، جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وحركتها من تحتها نقطة بالحمراء قبل الياء السوداء . ورسم قبل الهمزة وبعد الباء ، ياء بالحمراء ، وهي ياء " فعيل " . وإن شاء الناقط لم يرسمها ، وجعل مطة في موضعها . هذا على الوجه الأول المختار . وصورة ذلك كما ترى : " النبئين " .
وعلى الوجه الثاني تجعل الهمزة وحركتها بعد الياء السوداء . وتلحق بعد الهمزة وقبل النون ياء بالحمراء ، وهي ياء الجميع . ولا بد من إلحاق هذه الياء في هذا الوجه ليتأدى بإلحاقها المعنى الذي جاءت هي والنون لأجله . وصورة ذلك كما ترى : " النبيئن " .
وكذا تلحق الياء في هذه الكلمة على الوجهين ، في قراءة من لم يهمزها . وكذلك تلحق في نظائر ذلك من الجمع ، مما حذفت فيه إحدى الياءين كراهة للجمع بينهما في الرسم ، على الوجهين جميعا . وذلك نحو قوله : " ربانين " ، و " الحوارين " ، و " في الأمين " ، وشبهه .
* * *
[ ص: 167 ] فأما ما كان الحرف الواقع فيه الياء والنون همزة ، نحو قوله : " المستهزءين " ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=31متكئين ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=65خاسئين ، وشبهه ، فإن الياء المرسومة قبل النون في ذلك تحتمل أن تكون صورة للهمزة ؛ لتحركها ، وتحرك ما قبلها ؛ وأن تكون علامة للجمع ، وذلك الأوجه ؛ لما بيناه قبل ، ولأن الهمزة - لكونها حرفا من الحروف - قد تستغني عن الصورة .
* * *
وأما قوله في ( مريم ) : " أثاثا ورءيا " فإنه رسم في جميع المصاحف بياء واحدة . فإن كان رسمه على قراءة من لم يهمز ، فذلك حقيقة رسمه . وإن كان على قراءة من همز فقد حذفت منه ياء واحدة .
وهي الأولى التي هي صورة الهمزة الساكنة لا غير .
وذلك لثلاثة معان : أحدها أن الهمزة في حال تحقيقها قد تستغني عن الصورة بالشكل ؛ لأنها حرف كسائر الحروف . والثاني أنها إذا سهلت في ذلك لزم إبدالها ياء ساكنة ؛ لأجل كسرة الراء التي قبلها . ثم تدغم في الياء التي بعدها للتماثل . وعلى هذا لا تصور رأسا . والثالث أن الألف المعوضة من التنوين الذي يتبع الإعراب قد جاءت مثبتة في آخر هذه الكلمة . فلزم أن تكون الياء المتصلة في الرسم بها هي التي يلحقها الإعراب لا غير .
وإذا نقط ذلك جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وعليها علامة السكون ، بين الراء والياء في البياض . وبالله التوفيق .
[ ص: 165 ] بَابٌ
nindex.php?page=treesubj&link=29577ذِكْرُ نَقْطِ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ يَاءَانِ ، فَحُذِفَتْ إِحْدَاهُمَا إِيجَازًا
اعْلَمْ أَنَّ كُتَّابَ الْمَصَاحِفِ اتَّفَقُوا عَلَى حَذْفِ إِحْدَى الْيَاءَيْنِ مِنَ الرَّسْمِ فِي قَوْلِهِ : " النَّبِيِّنَ " ، حَيْثُ وَقَعَ .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَحْذُوفَةُ مِنْهُمَا الْأُولَى الَّتِي هِيَ زَائِدَةٌ لِلْمَدِّ فِي بِنَاءِ " فَعِيل " ؛ لِزِيَادَتِهَا ، وَأَنَّهَا أَوَّلُ الْيَاءَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ بَيْنَهُمَا ، لِخَفَائِهَا ، وَأَنْ لَا صُورَةَ لَهَا ، لَيْسَتْ بِفَاصِلَةٍ . فَوَجَبَ لِذَلِكَ حَذْفُهَا مِنَ الرَّسْمِ ؛ إِذْ كُرِهَ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي بَعْدَهَا فِيهِ .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَحْذُوفَةُ مِنَ الْيَاءَيْنِ الثَّانِيَةَ الَّتِي هِيَ عَلَامَةُ الْجَمْعِ ، مِنْ حَيْثُ كَانَ الْبِنَاءُ يَخْتَلُّ بِحَذْفِ الْأُولَى . وَكَانَ الثِّقَلُ وَالْكَرَاهَةُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ صُورَتَيْنِ مُتَّفِقَتَيْنِ إِنَّمَا وَجَبَ بِالثَّانِيَةِ لَا بِالْأُولَى .
وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ أَوْجَهُ ؛ لِمَا بَيَّنْتُهُ ، وَلِأَنَّ الْيَاءَ الثَّانِيَةَ لَمَّا جَاءَتْ مُؤَدِّيَةً عَنْ مَعْنَى الْجَمْعِ لَزِمَ إِثْبَاتُهَا لِيَتَأَدَّى بِذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي جَاءَتْ لَهُ . وَأَيْضًا فَإِنَّهَا مُلَازِمَةٌ لِلنُّونِ ، لَا تُفَارِقُهَا ، وَلَا تَنْفَصِلُ عَنْهَا ، مِنْ حَيْثُ كَانَتَا مَعًا عَلَامَةً لِلْجَمِيعِ . فَوَجَبَ لِذَلِكَ إِثْبَاتُهَا ضَرُورَةً .
[ ص: 166 ] فَإِذَا نُقِطَ ذَلِكَ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ هَمَزَ عَلَى الْأَصْلِ ، جُعِلَتِ الْهَمْزَةُ نُقْطَةً بِالصَّفْرَاءِ ، وَحَرَكَتُهَا مِنْ تَحْتِهَا نُقْطَةً بِالْحَمْرَاءِ قَبْلَ الْيَاءِ السَّوْدَاءِ . وَرُسِمَ قَبْلَ الْهَمْزَةِ وَبَعْدَ الْبَاءِ ، يَاءٌ بِالْحَمْرَاءِ ، وَهِيَ يَاءُ " فَعِيلٍ " . وَإِنْ شَاءَ النَّاقِطُ لَمْ يَرْسِمْهَا ، وَجَعَلَ مَطَّةً فِي مَوْضِعِهَا . هَذَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْمُخْتَارِ . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " النَّبِئِينَ " .
وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي تُجْعَلُ الْهَمْزَةُ وَحَرَكَتُهَا بَعْدَ الْيَاءِ السَّوْدَاءِ . وَتُلْحَقُ بَعْدَ الْهَمْزَةِ وَقَبْلَ النُّونِ يَاءٌ بِالْحَمْرَاءِ ، وَهِيَ يَاءُ الْجَمِيعِ . وَلَا بُدَّ مِنْ إِلْحَاقِ هَذِهِ الْيَاءِ فِي هَذَا الْوَجْهِ لِيَتَأَدَّى بِإِلْحَاقِهَا الْمَعْنَى الَّذِي جَاءَتْ هِيَ وَالنُّونُ لِأَجْلِهِ . وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا تَرَى : " النَّبِيئِنَ " .
وَكَذَا تُلْحَقُ الْيَاءُ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ ، فِي قِرَاءَةِ مَنْ لَمْ يَهْمِزْهَا . وَكَذَلِكَ تُلْحَقُ فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ مِنَ الْجَمْعِ ، مِمَّا حُذِفَتْ فِيهِ إِحْدَى الْيَاءَيْنِ كَرَاهَةً لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الرَّسْمِ ، عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا . وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ : " رَبَّانِّينَ " ، وَ " الْحَوَارِيِّنَ " ، وَ " فِي الْأُمِّيِّنَ " ، وَشِبْهِهِ .
* * *
[ ص: 167 ] فَأَمَّا مَا كَانَ الْحَرْفُ الْوَاقِعُ فِيهِ الْيَاءُ وَالنُّونُ هَمْزَةً ، نَحْوُ قَوْلِهِ : " الْمُسْتَهْزِءِينَ " ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=31مُتَّكِئِينَ ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=65خَاسِئِينَ ، وَشِبْهِهِ ، فَإِنَّ الْيَاءَ الْمَرْسُومَةَ قَبْلَ النُّونِ فِي ذَلِكَ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ صُورَةً لِلْهَمْزَةِ ؛ لِتُحَرِّكَهَا ، وَتُحَرِّكَ مَا قَبْلَهَا ؛ وَأَنْ تَكُونَ عَلَامَةً لِلْجَمْعِ ، وَذَلِكَ الْأَوْجَهُ ؛ لِمَا بَيَّنَّاهُ قَبْلُ ، وَلِأَنَّ الْهَمْزَةَ - لِكَوْنِهَا حَرْفًا مِنَ الْحُرُوفِ - قَدْ تَسْتَغْنِي عَنِ الصُّورَةِ .
* * *
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي ( مَرْيَمَ ) : " أَثَاثًا وَرِءْيًا " فَإِنَّهُ رُسِمَ فِي جَمِيعِ الْمَصَاحِفِ بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ . فَإِنْ كَانَ رَسْمُهُ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ لَمْ يَهْمِزْ ، فَذَلِكَ حَقِيقَةُ رَسْمِهِ . وَإِنْ كَانَ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ هَمَزَ فَقَدْ حُذِفَتْ مِنْهُ يَاءٌ وَاحِدَةٌ .
وَهِيَ الْأُولَى الَّتِي هِيَ صُورَةُ الْهَمْزَةِ السَّاكِنَةِ لَا غَيْرُ .
وَذَلِكَ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ : أَحَدُهَا أَنَّ الْهَمْزَةَ فِي حَالِ تَحْقِيقِهَا قَدْ تَسْتَغْنِي عَنِ الصُّورَةِ بِالشَّكْلِ ؛ لِأَنَّهَا حَرْفٌ كَسَائِرِ الْحُرُوفِ . وَالثَّانِي أَنَّهَا إِذَا سُهِّلَتْ فِي ذَلِكَ لَزِمَ إِبْدَالُهَا يَاءً سَاكِنَةً ؛ لِأَجْلِ كَسْرَةِ الرَّاءِ الَّتِي قَبْلَهَا . ثُمَّ تُدْغَمُ فِي الْيَاءِ الَّتِي بَعْدَهَا لِلتَّمَاثُلِ . وَعَلَى هَذَا لَا تُصَوَّرُ رَأْسًا . وَالثَّالِثُ أَنَّ الْأَلِفَ الْمُعَوَّضَةَ مِنَ التَّنْوِينِ الَّذِي يَتْبَعُ الْإِعْرَابَ قَدْ جَاءَتْ مُثْبَتَةً فِي آخِرِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ . فَلَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْيَاءُ الْمُتَّصِلَةُ فِي الرَّسْمِ بِهَا هِيَ الَّتِي يَلْحَقُهَا الْإِعْرَابُ لَا غَيْرُ .
وَإِذَا نُقِطَ ذَلِكَ جُعِلَتِ الْهَمْزَةُ نُقْطَةً بِالصَّفْرَاءِ ، وَعَلَيْهَا عَلَامَةُ السُّكُونِ ، بَيْنَ الرَّاءِ وَالْيَاءِ فِي الْبَيَاضِ . وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .