وقال الله تعالى { حرمت عليكم أمهاتكم } الآية وقال { كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم } وقال الله عز وجل { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } وقال الله عز وجل { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض } فقلنا بهذه الآيات إن التحريم في غير النسب والرضاع وما خصته سنة بهذه الآيات إنما هو بالنكاح ولا يحرم [ ص: 30 ] الحلال الحرام ، وكذلك قال رضي الله تعالى عنهما فلو أن ابن عباس وقال بعض الناس إذا رجلا ناك أم امرأته عاصيا لله عز وجل لا تحرم عليه امرأته ; لأنها أم امرأته ، ولو أن قبل أم امرأته ، أو نظر إلى فرجها شهوة حرمت عليه امرأته وحرمت هي عليه فقلنا له ظاهر القرآن يدل على أن التحريم إنما هو بالنكاح فهل عندك سنة بأن الحرام يحرم الحلال ؟ قال لا قلت فأنت تذكر شيئا ضعيفا لا يقوم بمثله حجة لو قاله من رويته عنه في شيء ليس فيه قرآن وقال هذا موجود فإن ما حرمه الحلال فالحرام له أشد تحريما قلنا أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك فقال إن الله عز وجل يقول في التي طلقها زوجها ثالثة من الطلاق { امرأته قبلت ابنه بشهوة حرمت على زوجها فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } فإن نكحت والنكاح العقدة حلت لزوجها الذي طلقها ؟ .
قال ليس ذلك له ; لأن السنة تدل على أن لا تحل حتى يجامعها الزوج الذي ينكحها قلنا فقال لك فإن النكاح يكون وهي لا تحل وظاهر القرآن يحلها فإن كانت السنة تدل على أن جماع الزوج يحلها لزوجها الذي فارقها فالمعنى إنما هو في أن يجامعها غير زوجها الذي فارقها فإذا جامعها رجل بزنا حلت ، وكذلك إن جامعها بنكاح فاسد يلحق به الولد حلت قال لا وليس واحد من هذين زوجا قلنا فإن قال لك قائل : أوليس قد كان التزويج موجودا وهي لا تحل ؟ فإنما حلت بالجماع فلا يضرك من أين كان الجماع قال لا حتى يجتمع الشرطان معا فيكون جماع نكاح صحيح قلنا ولا يحلها الجماع الحرام قياسا على الجماع الحلال ؟ قال : لا قلت وإن كانت أمة فطلقها زوجها ، فأصابها سيدها ؟ قال لا قلنا فهذا جماع حلال قال وإن كان حلالا فليس بزوج لا تحل لزوجها الأول حتى يجتمع أن يكون زوجا ويجامعها الزوج قلنا فإنما حرم الله بالحلال فقال { وأمهات نسائكم } وقال { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } فمن أين زعمت أن حكم الحلال حكم الحرام وأبيت ذلك في المرأة يفارقها زوجها ، والأمة يفارقها زوجها فيصيبها سيدها ؟ وقلت له قد قال الله عز وجل { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وقال { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } فإن قال لك قائل فلما كان حكم الزوجة إذا طلقت ثلاثا حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره فلو أن ; لأن الكلام بالطلاق إذا حرم الحلال كان للحرام أشد تحريما ؟ قال ليس ذلك له قلنا وليس حكم الحلال حكم الحرام ؟ قال : لا ، قلنا فلم زعمت أنه حكمه فيما وصفت ؟ قال فإن صاحبنا قال أقول ذلك قياسا قلنا فأين القياس ؟ قال رجلا تكلم بالطلاق من امرأة يصيبها بفجور أفتكون حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره فإذا تكلم حرمت الصلاة قلنا وهذا أيضا فإذا تكلم في الصلاة حرمت عليه تلك الصلاة أن يعود فيها ، أو حرمت صلاة غيرها بكلامه فيها ؟ قال لا ولكنه أفسدها وعليه أن يستأنفها قلنا فلو قاس هذا القياس غير صاحبك أي شيء كنت تقول له ؟ لعلك كنت تقول له ما يحل لك تكلم في الفقه هذا رجل قيل له استأنف الصلاة ; لأنها لا تجزي عنك إذا تكلمت فيها . الكلام محرم في الصلاة
وذلك فكان يلزمك أن تزعم أن صلاة غيرها حرام عليه أن يصليها أبدا وهذا لا يقول به أحد من المسلمين وإن قلته فأيهما تحرم عليه ؟ ، أو تزعم أنها حرام عليه أن يصليها أبدا كما زعمت أن امرأته إذا نظر إلى فرج أمها حرمت عليه أبدا ؟ قال لا أقول هذا ولا تشبه الصلاة المرأتان تحرمان لو شبهتهما بالصلاة قلت له يعود في كل واحدة من الامرأتين فينكحها بنكاح حلال وقلت له لا تعد في واحدة من الصلاتين قلنا فلو زعمت قسته به وهو أبعد الأمور منه قال شيء كان قاسه صاحبنا قلنا أفحمدت قياسه ؟ قال لا ما صنع شيئا وقال فإن صاحبنا قال فالماء حلال فإذا خالطه الحرام نجسه [ ص: 31 ] قلنا وهذا أيضا مثل الذي زعمت أنك لما تبين لك علمت أن صاحبك لم يصنع فيه شيئا قال فكيف ؟ قلت أتجد الحرام في الماء مختلطا فالحلال منه لا يتميز أبدا ؟ قال نعم قلت أفتجد بدن التي زنى بها مختلطا ببدن ابنتها لا يتميز منه ؟ قال لا ، قلت وتجد الماء لا يحل أبدا إذا خالطه الحرام لأحد من الناس قال نعم قلت فتجد رجل جامع امرأة فقلت له حرمت عليك أخرى غيرها أبدا قال ، بل هي حلال له قلت فهما حلال لغيره قال نعم قلت أفتراه قياسا على الماء ؟ قال لا قلت أفما تبين لك أن خطأك في هذا ليس يسيرا إذا كان يعصي الله عز وجل في امرأة فزنى بها فإذا نكحها حلت له بالنكاح وإن أراد نكاح ابنتها لم تحل له فتحل له التي زنى بها وعصى الله تعالى فيها ، ولو طلقها ثلاثا لم يكن ذلك طلاقا ; لأن الطلاق لا يقع إلا على الأزواج وتحرم عليه ابنتها التي لم يعص الله تعالى في أمرها وإنما حرمت عليه بنت امرأته وهذه عندك ليست بامرأته قال فإنه يقال ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها قلت وما أدري لعل من زنى بامرأة ولم ير فرج ابنتها ملعون ، وقد أوعد الله عز وجل على الزنا النار ولعله ملعون من أتى شيئا مما يحرم عليه فقيل له : ملعون من نظر إلى فرج أختين قال لا قلت فكيف زعمت أنه إن الرجل إذا زنى بامرأة حرم عليه أن ينكحها ، أو هي حلال له وحرام عليه أمها وابنتها ؟ حرمت عليه امرأته فرجع بعضهم إلى قولنا وعاب قول أصحابه في هذا . زنى بأخت امرأته
( قال ) رحمه الله تعالى وجعل الله عز وجل الرجال قوامين على النساء والطلاق إليهم فزعموا هم أن المرأة إذا شاءت كان الطلاق إليها فإذا كرهت المرأة زوجها قبلت ابنه وقالت قبلته بشهوة فحرمت عليه فجعلوا الأمر إليها وقلنا نحن وهم وجميع الناس لا يختلفون في ذلك علمته من الشافعي لم يلزمها من ذلك شيء ولم يلزمه ظهار ولا إيلاء قال فقلنا إذا طلق غير امرأته ، أو آلى منها ، أو تظاهر منها لم يلزمها الطلاق ; لأنها ليست له بامرأة وهذا يدل على أصل ما ذهبنا إليه لا يخالفه فقال بعض الناس إذا اختلعت منه فلا رجعة له عليها وإن طلقها بعد الخلع في العدة لزمها الطلاق وإن طلقها بعد انقضاء العدة لم يلزمها الطلاق فقلت له قد قال الله عز وجل { اختلعت المرأة من زوجها ، ثم طلقها في عدتها للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر } إلى آخر الآيتين وقال الله عز وجل { والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا } .
وقلنا قال الله تبارك وتعالى { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لكم ولد } وفرض الله عز وجل العدة على الزوجة في الوفاة فقال { يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } فما تقول في المختلعة إن ؟ قال لا قلت فإن مات هل ترثه ، أو ماتت هل يرثها في العدة ؟ قال لا قلت ولم وهي تعتد منه ؟ قال لا وإن اعتدت فهي غير زوجة وإنما يلزم هذا في الأزواج وقال الله عز وجل { آلى منها في العدة بعد الخلع ، أو تظاهر هل يلزمه الإيلاء ، أو الظهار والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } الآية ، وإذا قال لا قلت : أفبالقرآن تبين أنها ليست بزوجة قال نعم قلت فكيف زعمت أن الطلاق لا يلزم إلا زوجة وهذه بكتاب الله تعالى عندنا وعندك غير زوجة ، ثم زعمت أن الطلاق يلزمها وأنت تقول إن آيات من كتاب الله عز وجل تدل على أنها ليست بزوجة ؟ قال روينا قولنا هذا بحديث شامي قلنا أفيكون مثله مما يثبت ؟ قال لا قلنا فلا تحتج به قال فقال ذلك رمى المختلعة في العدة أيلاعنها إبراهيم النخعي قلنا فهما إذا قالا وإن لم يخالفهما غيرهما حجة ؟ قال لا قلنا فهل يحتج بهما على قولنا وهو يوافق ظاهر القرآن ولعلهما كانا يريان له عليها الرجعة فيلزمانه الإيلاء والظهار ويجعلان بينهما الميراث ؟ قال فهل قال أحد بقولك ؟ قلنا الكتاب كاف من ذلك ، وقد أخبرنا وعامر الشعبي مسلم بن خالد عن عن ابن جريج عن عطاء ابن عباس أنهما قالا لا يلحق المختلعة الطلاق في العدة ; لأنه طلق ما لا يملك قلت له لو لم يكن في هذا إلا قول [ ص: 32 ] وابن الزبير ابن عباس كليهما أكان لك خلافه في أصل قولنا وقولك إلا بأن يقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلافه قال لا قلت فالقرآن مع قولهما ، وقد خالفتهما وخالفت في قولك عدد آي من كتاب الله عز وجل قال فأين ؟ قلت إن زعمت أن حكم الله في الأزواج أن يكون بينهم الإيلاء والظهار واللعان وأن يكون لهن الميراث ومنهن الميراث وأن المختلعة ليست بزوجة يلزمها واحد من هذا فما يلزمك إذا قلت يلزمها الطلاق والطلاق لا يلزم إلا زوجة أنك خالفت حكم الله في إلزامها الطلاق ، أو في تركك إلزامها الإيلاء والظهار واللعان ، والميراث لها ، والميراث منها . وابن الزبير
( قال ) رحمه الله تعالى : فما رد شيئا إلا أن قال : قال بها أصحابنا فقلت له أتجعل قول الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرة حجة وليس يدل على موافقة قوله من القرآن شيء وتجعله أخرى حجة وأنت تقول ظاهر القرآن يخالفه كما قلت إذا أرخى سترا وجب المهر وظاهر القرآن أنه إذا طلقها قبل أن يمسها فلها نصف المهر وإغلاق الباب وإرخاء الستر ليس بالمسيس ، ثم تترك قول الشافعي ابن عباس ومعهما خمس آيات من كتاب الله تعالى كلها تدل على أن وابن الزبير ومعهما القياس ، والمعقول عند أهل العلم وتترك قول المختلعة في العدة ليست بزوجة في الصيد أنه قضى في الضبع بكبش وفي الغزال بعنز وفي اليربوع بجفرة وفي الأرنب بعناق وقول عمر عمر وعبد الرحمن حين حكما على رجلين ، أوطئا ظبيا بشاة ، والقرآن يدل على قولهما بقول الله عز وجل { فجزاء مثل ما قتل من النعم } فزعمت أنه يجزي بدراهم ويقولان في الظبي بشاة واحدة والله يقول { مثل } وأنت تقول جزاءان وقال الله عز وجل { وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين } وقال { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن } فقرأ إلى { المحسنين } فقال عامة من لقيت من أصحابنا المتعة هي للتي لم يدخل بها قط ولم يفرض لها مهر فطلقت وللمطلقة المدخول بها المفروض لها بأن الآية عامة على المطلقات لم يخصص منهن واحدة دون الأخرى بدلالة من كتاب الله عز وجل ولا أثر .
( قال ) رحمه الله تعالى وأخبرنا الشافعي عن مالك عن نافع أنه قال ابن عمر فحسبها نصف المهر ( قال لكل مطلقة متعة إلا التي فرض لها صداق ولم يدخل بها ) رحمه الله تعالى : وأحسب الشافعي استدل بالآية التي تتبع للتي لم يدخل بها ولم يفرض لها ; لأن الله تعالى يقول بعدها { ابن عمر وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } الآية فرأي القرآن كالدلالة على أنها مخرجة من جميع المطلقات ولعله رأى أنه إنما أريد أن تكون المطلقة تأخذ بما استمتع به منها زوجها عند طلاقها شيئا فلما كانت المدخول بها تأخذ شيئا وغير المدخول بها إذا لم يفرض لها كانت التي لم يدخل بها ، وقد فرض لها تأخذ بحكم الله تبارك وتعالى نصف المهر وهو أكثر من المتعة ولم يستمتع بها فرأى حكمها مخالفا حكم المطلقات بالقرآن وخالف حالها حالهن فذكرت ما وصفت من هذا لبعض من يخالفنا وقلنا له أنت تستدل بقول الواحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على معنى الكتاب إذا احتمله ، والكتاب محتمل ما قال وفيه كالدليل على قوله فكيف خالفته ، ثم لم تزعم بالآية أن المطلقات سواء في المتعة وقال الله عز وجل { ابن عمر وللمطلقات متاع بالمعروف } لم يخص مطلقة دون مطلقة قال استدللنا بقول الله عز وجل { حقا على المتقين } أنها غير واجبة ، وذلك أن كل واجب فهو على المتقين وغيرهم ولا يخص به المتقون .
( قال ) رحمه الله تعالى : قلنا فقد [ ص: 33 ] زعمت أن المتعة متعتان متعة يجبر عليها السلطان وهي الشافعي لم يفرض لها الزوج ولم يدخل بها فطلقها وإنما قال الله عز وجل فيها { متعة المرأة حقا على المحسنين } فكيف زعمت أن ما كان حقا على المحسنين حق على غيرهم في هذه الآية وكل واحدة من الآيتين خاصة ؟ فكيف زعمت أن إحداهما عامة ، والأخرى خاصة ؟ فإن كان هذا حقا على المتقين لم لم يكن حقا على غيرهم ؟ هل معك بهذا دلالة كتاب ، أو سنة ، أو أثر ، أو إجماع ؟ فما علمته رد أكثر مما وصفت في أن قال هكذا قال أصحابنا رحمهم الله تعالى