وأما المقدمة الثالثة: فزعمهم أنهم حصل لهم العلم بالوجود. وهذا باطل، فإن كلامهم في الإلهيات مع قلته فالضلال أغلب عليه من الهدى، والجهل أكثر فيه من العلم، وهي العلوم التي تبقى معلوماتها وتكمل النفوس بها عندهم.
وأما الطبيعيات فهي مبدأ الحركة والتغيير والاستحالة، ولكن منها كليات لا تنتقض بزعمهم، وهي منتقضة. وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع، ولكن نبهنا عليه هنا، لأن مثل هذا وأمثاله الذين عظموا طريقهم وصدروا كتبهم التي صنفوها في أصول دين الإسلام بزعمهم -بما هو أصل هؤلاء الجهال: من أن الآمدي وسلكوا طرقهم- وقعوا في الجهل والحيرة والشك بما لا تحصل النجاة إلا به، ولا تنال السعادة إلا بمعرفته، فضلا عن نيل الكمال الذي هو فوق ذلك. فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كمال النفس الإنسانية بحصول ما لها من الكمالات، وهي الإحاطة بالمعقولات والعلم بالمجهولات، فالكاملون من الرجال [ ص: 277 ] كثير، ولكن الذين سلكوا طريق هؤلاء من أبعد الناس عن الكمال. «كمل من الرجال كثير»