وأما فلفظان مجملان، ومراد النفاة منهما غير المراد في اللغة المعروفة، فإن المتحيز اسم فاعل من تحيز يتحيز فهو متحيز، مثل تعوذ وتكبر، وتجبر، ونحو ذلك. والحيز ما يحوز [ ص: 56 ] الشيء ويحوطه. والمفهوم من ذلك في اللغة الظاهرة أن يكون هناك شيء موجود يحوز غيره. لفظ "التحيز" و"الجهة"
ولا ريب أن كما دلت عليه النصوص الإلهية، واتفق عليه السلف والأئمة، وفطر الله تعالى على ذلك خلقه، ودلت عليه الدلائل العقلية. الخالق مباين للمخلوقات، عال عليها،
وإذا كان كذلك وليس ثم موجود إلا خالق ومخلوق، فليس وراء المخلوقات شيء موجود يكون حيزا لله تعالى، فلا يجوز أن يقال: "هو متحيز" بهذا الاعتبار.
وهم قد يريدون بالحيز أمرا عدميا، حتى يسموا العالم متحيزا، وإن لم يكن في شيء آخر موجود غير العالم، وإذا كان كذلك فكونه متحيزا بهذا الاعتبار، معناه أنه في حيز عدمي، والعدم ليس بشيء، وما ليس بشيء فليس في كونه فيه أكثر من كونه وحده لا موجود معه، وأنه منحاز عن الخلق، متميز عنهم، بائن عنهم، ليست ذاته مختلطة بذات المخلوق، فإذا أريد بالمتحيز المباين لغيره - وقد فقد دلت على هذا المعنى - فالقرآن قد دل على جميع المعاني التي تنازع [ ص: 57 ] الناس فيها: دقيقها وجليلها، كما قال دلت النصوص على أن الله تعالى عال على الخلق بائن عنهم، ليس مختلطا بهم، "ما ابتدع أحد بدعة إلا وفي كتاب الله بيانها". وقال الشعبي: "ما نسأل أصحاب مسروق: محمد عن شيء إلا وعلمه في القرآن، ولكن قصر عنه".