ولا ريب أنه لا يوجد عن أحد من السلف والأئمة لا إثباته ولا نفيه، كما لا يوجد مثل ذلك في لفظ "الجسم" و"الجوهر" ونحوهما. ولما كان لفظ "المتحيز" فيه إجمال وإبهام، امتنع طوائف من أهل الإثبات عن إطلاق القول بنفيه أو إثباته،
وذلك لأنها ألفاظ مجملة يراد بها حق وباطل، وعامة من أطلقها في النفي أو الإثبات أراد بها ما هو باطل، لا سيما النفاة، فإن بل إذا حقق الأمر عليهم، وجد نفيهم متضمنا لحقيقة نفي ذاته، إذ يعود الأمر إلى وجود مطلق لا حقيقة له إلا في الذهن والخيال، أو ذات مجردة لا توجد إلا في الذهن والخيال، أو إلى الجمع بين المتناقضين بإثبات صفات ونفي لوازمها. [ ص: 58 ] نفاة الصفات كلهم ينفون الجسم والجوهر والمتحيز ونحو ذلك، ويدخلون في نفي ذلك نفي صفات الله، وحقائق أسمائه، ومباينته لمخلوقاته،
فعامة من يطلق ذلك إما متناقض في نفيه وإثباته: يثبت الشيء بعبارة وينفيه بأخرى، أو يثبته وينفي نظيره، أو ينفيه مفصلا ويثبته مجملا أو بالعكس، أو يتكلم في النفي والإثبات بعبارات لا يحصل مضمونها ولا يحقق معناها.
وهكذا كثير في الكبار فضلا عن الصغار، وكثير منهم لا يفهم مراد أكابرهم بهذه العبارات، وهم يعلمون أن عامتهم لا يفهمون مرادهم، وإنما يظنونه تعظيما وتسبيحا من حيث الجملة، والواجب على المسلمين أن يتلقوا الأقوال الثابتة عن الرسول بالتصديق والقبول مطلقا في النفي والإثبات.