ثم قال: للجهمية من تعبدون؟ قالوا نعبد من يدبر [ ص: 181 ] أمر هذا الخلق، فقلنا: هذا الذي يدبر أمر هذا الخلق: هو مجهول لا يعرف بصفة؟ قالوا: نعم. فقلنا: قد عرف المسلمون أنكم لا تأتمون بشيء. "فإذا قيل
فقال في هذا الموضع: "قد عرف المسلمون"، وقال هناك: "قد عرف الناس" لأنه هنا تكلم في كونه معبودا، وأنهم يعبدون، وهناك تكلم في كونه موجودا، فلما وصفوه بالسلب المحض، أخبر أن أهل العقل يعلمون أن الموصوف بالسلب المحض هو العدم، فعرف الناس أنهم لا يثبتون شيئا. أحمد
وهنا لما سألهم: من يعبدون؟ فأخبروا أنهم يعبدون مدبر الخلق، وقالوا: إنه مجهول لا يعرف بصفة - عرف المسلمون أنهم لا يعبدون شيئا، لأن العبادة أصلها قصد المعبود وإرادته، والقصد والإرادة مستلزمة للعلم بالمراد المقصود.
فما يكون مجهولا لا يعرف بصفة يمتنع أن يكون مقصودا، فيمتنع أن يكون معبودا، والعبادة هي أمر ديني أمر الله بها ورسوله، وهي أصل دين المسلمين.
فلهذا قال هنا: "قد عرف المسلمون أنكم لا تأتمون بشيء، وإنما تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرون" فبين أن الناس يعلمون [ ص: 182 ] بعقلهم أنهم لا يثبتون شيئا، وأن المسلمين يعرفون أنهم لا يعبدون شيئا، وبين أن الجاهل إذا سمع قولهم يظن أنهم من أشد الناس تعظيما لله، ولا يشعر أنهم إنما يقودون قولهم إلى فرية في الله.
وهذا الذي ذكره الإمام أحمد الجهمية، وسر مذهبهم، وكلما كان الرجل أعقل وأعرف، وأعلم وأفضل، وأخبر بحقيقة الأمر في نفسه، وبقول هؤلاء النفاة - ازداد في ذلك بصيرة وإيمانا، ويقينا وعرفانا. أصل قول هؤلاء النفاة