[ ص: 376 ] والثالث:
nindex.php?page=treesubj&link=24898لا تكثروا الحلف بالله وإن كنتم بارين مصلحين، فإن كثرة الحلف ضرب من الجرأة عليه. هذا قول
ابن زيد.
قلت: الحلف بالله كاذبا لا يجوز مطلقا، ولكن هذه الآية لم يقصد بها النهي عن الحلف الكاذب، وأما
nindex.php?page=treesubj&link=24898الإكثار من الحلف به مع الصدق فإنه ليس بمحرم، والآية تضمنت نهيا يوجب التحريم، والحلف بالله تعظيم له. وقد حلف النبي - صلى الله عليه وسلم - مرات متعددة، وأمر الله تعالى بالحلف في ثلاث مواضع، قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=53ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق ، وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=3وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم ، وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=7زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن .
وما يروى عن الله تعالى أنه قال: "لا تحلفوا بي صادقين ولا كاذبين" كلام لا إسناد له عن الله تعالى، ليس مما أنزله الله على
محمد، ولا نقل عن نبي قبله بإسناد يعرف. وطائفة من النساك يستحبون أن لا يحلف أحد قط، وينهون عن ذلك، ولكن ليس هذا شرع الإسلام. كما أن طائفة يستحبون الصمت مطلقا حتى عن الكلام الواجب والمستحب، وليس هذا من شرع الإسلام، بل قال - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=676410 "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" . فما كان واجبا أو مستحبا فقوله خير من السكوت عنه، والسكوت عن الواجب
[ ص: 377 ] محرم. وما لم يكن خيرا فهو مأمور بالصمت عنه، فإنه عليه لا له، كما قد بسط هذا في مواضع .
وفي الحديث المرفوع:
nindex.php?page=hadith&LINKID=674750 "لا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون" . وهذا مبسوط في موضعه.
وعامة السلف والخلف على أن المراد بالآية المعنى الأول، وهو أن لا يجعل الحلف بالله مانعا من فعل ما أمر الله به، فإن هذا حرام لا يجوز، لم يبح الله أن يجعل الحلف به مانعا من فعل ما أمر به، بل ما أمر به هو يحبه ويرضاه، وهو واجب أو مستحب، والحلف به على ترك ذلك يمين ليست بواجبة ولا مستحبة، فلا يجوز أن يجعل ما ليس بطاعة لله مانعا من طاعة الله.
nindex.php?page=treesubj&link=16540والله تعالى لما أنزل الكفارة جعل الكفارة تحلة اليمين، كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=660123 "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه" .
وأما قبل إنزاله الكفارة فآيات البقرة ليس فيها كفارة، فقيل: كان يجوز الحنث بلا كفارة، لكن هذا لم يثبت. وقيل: بل كان منهيا عن الحلف، ثم إذا حلف كان عاصيا قد ورط نفسه بين ذنبين، والحنث منهي عنه، وجعل اليمين مانعة من الخير منهي عنه. ثم إن الله تعالى شرع الكفارة، فصار الحالف قادرا على التكفير.
وهذه العبارة التي ذكرها
nindex.php?page=showalam&ids=11890أبو الفرج من أن معناها النهي، عن الحلف
[ ص: 378 ] بالله على ترك طاعته، يناسب ما كان الأمر عليه قبل الكفارة، وعبارة كثير من المفسرين أن معناها إذا حلفت فلا تجعل حلفك بالله مانعا من فعل الطاعة، وهذا يناسب الحال بعد الكفارة، والآية تتناول هذا وهذا. قال كثير من المفسرين - واللفظ
nindex.php?page=showalam&ids=13890للبغوي -: معنى الآية لا تجعلوا الحلف بالله سببا مانعا لكم من البر والتقوى، يدعى أحدكم إلى صلة رحم أو بر فيقول حلفت بالله أن لا أفعله، فيعتل بيمينه في ترك البر. وذكر الحديث الذي في الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16068سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=708113 "من حلف بيمين فرأى خيرا منها فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير".
وروى
ابن أبي حاتم وغيره ما في تفسير
ابن أبي طلحة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: nindex.php?page=treesubj&link=24898_33061_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=224ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم قال: لا تجعلن الله عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير، ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير.
قال
ابن أبي حاتم : وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=17134ومكحول nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل بن حيان وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=16566وعطاء الخراساني nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي نحو ذلك. وقال : حدثنا أبي ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12125أبو غسان مالك بن إسماعيل نا
يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن
عطاء قال:
[ ص: 379 ] جاء رجل إلى
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة، فقال: يا أم المؤمنين! إني نذرت إن كلمت فلانا فكل مملوك لي عتيق لوجه الله، وكل مال لي ستر للبيت، فقالت: لا تجعل مملوكيك عتقاء لوجه الله، ولا تجعل مالك سترا للبيت، فإن الله يقول:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=224ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم الآية، قالت: فكفر عن يمينك.
وروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال: وأما "تبروا" فالرجل يحلف أن لا يبر ذا رحمه، فيقول: قد حلفت، فأمر الله أن لا يعرض بيمينه بينه وبين ذي رحمه، وليبره ولا يبال بيمينه.
وعن
عبد الكريم الجزري قال في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=224أن تبروا وتتقوا قال: التقوى يحلف ويقول: قد حلفت أن لا أعتق ولا أصدق.
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير في قول الله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=224وتتقوا وتصلحوا بين الناس قال: كان الرجل يريد الصلح بين اثنين، فيغضبه أحدهما أو يتهمه، فيحلف أن لا يتكلم بينهما في الصلح، قال: أن تصلوا القرابة وتتقوا وتصلحوا بين الناس فهو خير من وفاء اليمين في المعصية.
قال
ابن أبي حاتم : وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي نحو ذلك، وقال: هذا قبل أن تنزل الكفارات.
وأما تفسير اللفظ من جهة العربية، فقال الفراء : والمعنى ولا
[ ص: 380 ] تجعلوا الله معترضا لأيمانكم. وقال
أبو عبيد : نصبا لأيمانكم. وقال طائفة- واللفظ
nindex.php?page=showalam&ids=13890للبغوي -: العرضة أصلها المد والقوة، ومنه قيل للدابة التي تصلح للسفر عرضة لقوتها عليه، ثم قيل لكل ما يصلح لشيء: هو عرضة له، حتى قالوا للمرأة: هي عرضة للنكاح إذا صلحت له. والعرضة كل ما يعترض له فيمتنع عن الشيء. ثم قال: ومعنى الآية لا تجعلوا الحلف بالله سببا، إلى آخر كلامه المتقدم.
قلت: فعلى هذا يكون التقدير لا تجعلوا الله معروضا لأيمانكم تقصدون الحلف به لئلا تفعلوا الخير، ويكون قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=224أن تبروا وتتقوا من تمام ما نهوا عنه، أي لا تجعلوا الله محلوفا به لئلا تفعلوا الخير، فتجعلوا ما يجب من تعظيم حقه والحلف به مانعا لكم من فعل ما يحبه ويرضاه من البر والتقوى والإصلاح بين الناس. فإذا قيل: هو عرضة لكذا، أي هو أهل أن يتعرض إليه بكذا، فلا تجعلوه عرضة لليمين أن تبروا وتتقوا، أي: كراهة أن تبروا وتتقوا. هذا تقدير البصريين.
وتقدير الكوفيين لئلا تبروا وتتقوا وتصلحوا ، أي: السبب الداعي لكم إلى أن يكون عرضة لأيمانكم كراهة فعل الخير، فلما كرهتم فعل ما يحبه جعلتموه عرضة ليمينكم، لتكون اليمين به مانعة لكم من فعل ما كرهتموه من الخير، فهذا لا يجوز.
وعلى ما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي المعنى: لا تجعلوا الله معترضا بينكم وبين
[ ص: 381 ] ما أمر به. لكن لفظ الآية
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=224ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا ، ولم يقل "بينكم"، فتضمن العرضة معنى المنع؛ لأن المعترض بين الشيئين مانع بينهما، ويكون المعنى لا تجعلوا الله مانعا لكم من البر والتقوى، ويكون
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=224أن تبروا وتتقوا منصوبا بالعرضة. لكن هذا ضعيف في العربية، فإنه قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=224عرضة لأيمانكم ، فدل على أنه معروض لليمين، وهو فعلة بمعنى المفعول، لا بمعنى الفاعل، وهو المعارض المانع.
(آخر ما كتب فيها، والحمد لله وحده. بلغ مقابلة بالأصل خط المؤلف، ومنه نقل. والحمد لله رب العالمين) .
* * *
[ ص: 382 ]
[ ص: 376 ] وَالثَّالِثِ:
nindex.php?page=treesubj&link=24898لَا تُكْثِرُوا الْحَلِفَ بِاللَّهِ وَإِنْ كُنْتُمْ بَارِّينَ مُصْلِحِينَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْحَلِفِ ضَرْبٌ مِنَ الْجُرْأَةِ عَلَيْهِ. هَذَا قَوْلُ
ابْنِ زَيْدٍ.
قُلْتُ: الْحَلِفُ بِاللَّهِ كَاذِبًا لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَلَكِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا النَّهْيُ عَنِ الْحَلِفِ الْكَاذِبِ، وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=24898الْإِكْثَارُ مِنَ الْحَلِفِ بِهِ مَعَ الصِّدْقِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، وَالْآيَةُ تَضَمَّنَتْ نَهْيًا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ، وَالْحَلِفُ بِاللَّهِ تَعْظِيمٌ لَهُ. وَقَدْ حَلَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْحَلِفِ فِي ثَلَاثِ مَوَاضِعَ، قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=53وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ، وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=3وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ، وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=7زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ .
وَمَا يُرْوَى عَنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: "لَا تَحْلِفُوا بِي صَادِقِينَ وَلَا كَاذِبِينَ" كَلَامٌ لَا إِسْنَادَ لَهُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، لَيْسَ مِمَّا أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى
مُحَمَّدٍ، وَلَا نُقِلَ عَنْ نَبِيٍّ قَبْلَهُ بِإِسْنَادٍ يُعْرَفُ. وَطَائِفَةٌ مِنَ النُّسَّاكِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ لَا يَحْلِفَ أَحَدٌ قَطُّ، وَيَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا شَرْعَ الْإِسْلَامِ. كَمَا أَنَّ طَائِفَةً يَسْتَحِبُّونَ الصَّمْتَ مُطْلَقًا حَتَّى عَنِ الْكَلَامِ الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ شَرْعِ الْإِسْلَامِ، بَلْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=676410 "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" . فَمَا كَانَ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا فَقَوْلُهُ خَيْرٌ مِنَ السُّكُوتِ عَنْهُ، وَالسُّكُوتُ عَنِ الْوَاجِبِ
[ ص: 377 ] مُحَرَّمٌ. وَمَا لَمْ يَكُنْ خَيْرًا فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالصَّمْتِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ عَلَيْهِ لَا لَهُ، كَمَا قَدْ بُسِطَ هَذَا فِي مَوَاضِعَ .
وَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=674750 "لَا تَحْلِفُوا إِلَّا بِاللَّهِ، وَلَا تَحْلِفُوا إِلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ" . وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ.
وَعَامَّةُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنْ لَا يَجْعَلَ الْحَلِفَ بِاللَّهِ مَانِعًا مِنْ فِعْلِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، فَإِنَّ هَذَا حَرَامٌ لَا يَجُوزُ، لَمْ يُبِحِ اللَّهُ أَنْ يُجْعَلَ الْحَلِفُ بِهِ مَانِعًا مِنْ فِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ، بَلْ مَا أَمَرَ بِهِ هُوَ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَهُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ، وَالْحَلِفُ بِهِ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ يَمِينٌ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَا مُسْتَحَبَّةٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مَا لَيْسَ بِطَاعَةٍ لِلَّهِ مَانِعًا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ.
nindex.php?page=treesubj&link=16540وَاللَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَنْزَلَ الْكَفَّارَةَ جَعَلَ الْكَفَّارَةَ تَحِلَّةَ الْيَمِينِ، كَمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=660123 "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ" .
وَأَمَّا قَبْلَ إِنْزَالِهِ الْكَفَّارَةَ فَآيَاتُ الْبَقَرَةِ لَيْسَ فِيهَا كَفَّارَةٌ، فَقِيلَ: كَانَ يَجُوزُ الْحِنْثُ بِلَا كَفَّارَةٍ، لَكِنَّ هَذَا لَمْ يَثْبُتْ. وَقِيلَ: بَلْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنِ الْحَلِفِ، ثُمَّ إِذَا حَلَفَ كَانَ عَاصِيًا قَدْ وَرَّطَ نَفْسَهُ بَيْنَ ذَنْبَيْنِ، وَالْحِنْثُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَجَعْلُ الْيَمِينِ مَانِعَةً مِنَ الْخَيْرِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ الْكَفَّارَةَ، فَصَارَ الْحَالِفُ قَادِرًا عَلَى التَّكْفِيرِ.
وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=11890أَبُو الْفَرَجِ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهَا النَّهْيُ، عَنِ الْحَلِفِ
[ ص: 378 ] بِاللَّهِ عَلَى تَرْكِ طَاعَتِهِ، يُنَاسِبُ مَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ، وَعِبَارَةُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ مَعْنَاهَا إِذَا حَلَفْتَ فَلَا تَجْعَلْ حَلِفَكَ بِاللَّهِ مَانِعًا مِنْ فِعْلِ الطَّاعَةِ، وَهَذَا يُنَاسِبُ الْحَالَ بَعْدَ الْكَفَّارَةِ، وَالْآيَةُ تَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا. قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ - وَاللَّفْظُ
nindex.php?page=showalam&ids=13890لِلْبَغَوِيِّ -: مَعْنَى الْآيَةِ لَا تَجْعَلُوا الْحَلِفَ بِاللَّهِ سَبَبًا مَانِعًا لَكُمْ مِنَ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، يُدْعَى أَحَدُكُمْ إِلَى صِلَةِ رَحِمٍ أَوْ بِرٍّ فَيَقُولُ حَلَفْتُ بِاللَّهِ أَنْ لَا أَفْعَلَهُ، فَيَعْتَلُّ بِيَمِينِهِ فِي تَرْكِ الْبِرِّ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16068سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=708113 "مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَرَأَى خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ".
وَرَوَى
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ مَا فِي تَفْسِيرِ
ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ: nindex.php?page=treesubj&link=24898_33061_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=224وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ قَالَ: لَا تَجْعَلَنَّ اللَّهَ عُرْضَةً لِيَمِينِكَ أَنْ لَا تَصْنَعَ الْخَيْرَ، وَلَكِنْ كَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَاصْنَعِ الْخَيْرَ.
قَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17073مَسْرُوقٍ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=12354وَإِبْرَاهِيمَ النَّخْعِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=14102وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16248وَطَاوُسٍ nindex.php?page=showalam&ids=17134وَمَكْحُولٍ nindex.php?page=showalam&ids=17132وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ وَقَتَادَةَ nindex.php?page=showalam&ids=14354وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ nindex.php?page=showalam&ids=14676وَالضَّحَّاكِ nindex.php?page=showalam&ids=16566وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيِّ نَحْوُ ذَلِكَ. وَقَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12125أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا
يَحْيَى بْنُ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَطَاءٍ قَالَ:
[ ص: 379 ] جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ، فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! إِنِّي نَذَرْتُ إِنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي عَتِيقٌ لِوَجْهِ اللَّهِ، وَكُلُّ مَالٍ لِي سَتْرٌ لِلْبَيْتِ، فَقَالَتْ: لَا تَجْعَلْ مَمْلُوكِيكَ عُتَقَاءَ لِوَجْهِ اللَّهِ، وَلَا تَجْعَلْ مَالَكَ سَتْرًا لِلْبَيْتِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=224وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ الْآيَةَ، قَالَتْ: فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ.
وَرَوَى عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ قَالَ: وَأَمَّا "تَبَرُّوا" فَالرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَبَرَّ ذَا رَحِمِهِ، فَيَقُولُ: قَدْ حَلَفْتُ، فَأَمَرَ اللَّهُ أَنْ لَا يُعَرِّضَ بِيَمِينِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذِي رَحِمِهِ، وَلْيَبَرَّهُ وَلَا يُبَالِ بِيَمِينِهِ.
وَعَنْ
عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ قَالَ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=224أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا قَالَ: التَّقْوَى يَحْلِفُ وَيَقُولُ: قَدْ حَلَفْتُ أَنْ لَا أَعْتِقَ وَلَا أَصَدَّقَ.
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=224وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُرِيدُ الصُّلْحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَيُغْضِبُهُ أَحَدُهُمَا أَوْ يَتَّهِمُهُ، فَيَحْلِفُ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بَيْنَهُمَا فِي الصُّلْحِ، قَالَ: أَنْ تَصِلُوا الْقَرَابَةَ وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ وَفَاءِ الْيَمِينِ فِي الْمَعْصِيَةِ.
قَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ نَحْوُ ذَلِكَ، وَقَالَ: هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْكَفَّارَاتُ.
وَأَمَّا تَفْسِيرُ اللَّفْظِ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ، فَقَالَ الْفَرَّاءُ : وَالْمَعْنَى وَلَا
[ ص: 380 ] تَجْعَلُوا اللَّهَ مُعْتَرَضًا لِأَيْمَانِكُمْ. وَقَالَ
أَبُو عُبْيَدٍ : نُصُبًا لِأَيْمَانِكُمْ. وَقَالَ طَائِفَةٌ- وَاللَّفْظُ
nindex.php?page=showalam&ids=13890لِلْبَغَوِيِّ -: الْعُرْضَةُ أَصْلُهَا الْمَدُّ وَالْقُوَّةُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلدَّابَّةِ الَّتِي تَصْلُحُ لِلسَّفَرِ عُرْضَةٌ لِقُوَّتِهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ قِيلَ لِكُلِّ مَا يَصْلُحُ لِشَيْءٍ: هُوَ عُرْضَةٌ لَهُ، حَتَّى قَالُوا لِلْمَرْأَةِ: هِيَ عُرْضَةٌ لِلنِّكَاحِ إِذَا صَلَحَتْ لَهُ. وَالْعُرْضَةُ كُلُّ مَا يَعْتَرِضُ لَهُ فَيَمْتَنِعُ عَنِ الشَّيْءِ. ثُمَّ قَالَ: وَمَعْنَى الْآيَةِ لَا تَجْعَلُوا الْحَلِفَ بِاللَّهِ سَبَبًا، إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ.
قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقْدِيرُ لَا تَجْعَلُوا اللَّهَ مَعْرُوضًا لِأَيْمَانِكُمْ تَقْصِدُونَ الْحَلِفَ بِهِ لِئَلَّا تَفْعَلُوا الْخَيْرَ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=224أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا مِنْ تَمَامِ مَا نُهُوا عَنْهُ، أَيْ لَا تَجْعَلُوا اللَّهَ مَحْلُوفًا بِهِ لِئَلَّا تَفْعَلُوا الْخَيْرَ، فَتَجْعَلُوا مَا يَجِبُ مِنْ تَعْظِيمِ حَقِّهِ وَالْحَلِفِ بِهِ مَانِعًا لَكُمْ مِنْ فِعْلِ مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ مِنَ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ. فَإِذَا قِيلَ: هُوَ عُرْضَةٌ لِكَذَا، أَيْ هُوَ أَهْلٌ أَنْ يُتَعَرَّضَ إِلَيْهِ بِكَذَا، فَلَا تَجْعَلُوهُ عُرْضَةً لِلْيَمِينِ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا، أَيْ: كَرَاهَةَ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا. هَذَا تَقْدِيرُ الْبَصْرِيِّينَ.
وَتَقْدِيرُ الْكُوفِيِّينَ لِئَلَّا تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا ، أَيِ: السَّبَبُ الدَّاعِي لَكُمْ إِلَى أَنْ يَكُونَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ كَرَاهَةَ فِعْلِ الْخَيْرِ، فَلَمَّا كَرِهْتُمْ فِعْلَ مَا يُحِبُّهُ جَعَلْتُمُوهُ عُرْضَةً لِيَمِينِكُمْ، لِتَكُونَ الْيَمِينُ بِهِ مَانِعَةً لَكُمْ مِنْ فِعْلٍ مَا كَرِهْتُمُوهُ مِنَ الْخَيْرِ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ.
وَعَلَى مَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ الْمَعْنَى: لَا تَجْعَلُوا اللَّهَ مُعْتَرِضًا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ
[ ص: 381 ] مَا أَمَرَ بِهِ. لَكِنْ لَفْظُ الْآيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=224وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا ، وَلَمْ يَقُلْ "بَيْنَكُمْ"، فَتَضَمَّنَ الْعُرْضَةَ مَعْنَى الْمَنْعِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مَانِعٌ بَيْنَهُمَا، وَيَكُونُ الْمَعْنَى لَا تَجْعَلُوا اللَّهَ مَانِعًا لَكُمْ مِنَ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَيَكُونُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=224أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا مَنْصُوبًا بِالْعُرْضَةِ. لَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّهُ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=224عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَعْرُوضٌ لِلْيَمِينِ، وَهُوَ فُعْلَةٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، لَا بِمَعْنَى الْفَاعِلِ، وَهُوَ الْمُعَارِضُ الْمَانِعُ.
(آخَرُ مَا كُتِبَ فِيهَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ. بُلِّغَ مُقَابَلَةً بِالْأَصْلِ خَطِّ الْمُؤَلِّفِ، وَمِنْهُ نُقِلَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) .
* * *
[ ص: 382 ]