[ ص: 83 ] فصل في
nindex.php?page=treesubj&link=28806أولياء الله وأولياء الشيطان [ ص: 84 ] [ ص: 85 ] بسم الله الرحمن الرحيم
وبه الإعانة
الحمد لله رب العالمين. قال الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم .
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=164لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة .
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=158قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون .
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=62ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=63الذين آمنوا وكانوا يتقون .
فمن كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، من أي صنف كان.
وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=944267 "إن nindex.php?page=treesubj&link=28806أوليائي المتقون [ ص: 86 ] حيث كانوا ومن كانوا".
وفي صحيح البخاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=907557 " يقول الله تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه. ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي. ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه. وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه".
فقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن
nindex.php?page=treesubj&link=28806أولياء الله نوعان: المقربون السابقون، والأبرار أصحاب اليمين، هم الذين تقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض.
والآخرون هم المؤدون للفرائض المجتنبون للمحارم، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات . فالظالم لنفسه: هو صاحب الذنوب والخطايا; والمقتصد: هو الذي يفعل ما فرضه الله عليه ويترك ما حرمه الله عليه; والسابق بالخيرات: هو الذي لا يزال يتقرب إلى الله بما يقدر عليه من النوافل بعد الفرائض. وهؤلاء هم المتبعون لخاتم المرسلين وإمام المتقين وأفضل خلق الله أجمعين
محمد - صلى الله عليه وسلم - تسليما، الذي بعثه الله إلى الناس بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فهدى به من الضلالة، وأرشد به من الغواية، وفتح به
[ ص: 87 ] أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا، حين فرق الله به [بين] الحق والباطل، وبين المعروف والمنكر، وبين الخير والشر، وبين طريق الجنة وطريق النار، وبين أولياء الله وأعداء الله.
فالحلال ما حلله، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، والطريق إلى الله هو طاعة أمره، فلا طريق إلى الله إلا متابعة رسول الله.
قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم .
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=53صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور .
وقد بعث الله
محمدا بشرائع الإسلام وحقائق الإيمان، فقال - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650007 "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت" .
وقال - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650048 "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، وتؤمن بالقدر خيره وشره". وقال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650048 "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" .
فقد بين شرائع الإسلام وحقائق الإيمان، فكل من دعا إلى شريعة أو حقيقة تخالف ما بعثه الله به فهو ضال من إخوان الشياطين، خارج
[ ص: 88 ] عن طريق الله ودين المرسلين، ليس من أولياء الله المتقين ولا حزب الله المفلحين ولا عباده الصالحين.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في خطبته:
nindex.php?page=hadith&LINKID=658443 "إن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة". nindex.php?page=hadith&LINKID=675914وقال nindex.php?page=showalam&ids=143العرباض بن سارية: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة بليغة ذرفت منها الأعين، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله!
كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: "أوصيكم بالسمع والطاعة، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كبيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة" . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي: حديث صحيح.
nindex.php?page=treesubj&link=28806فمن سلك مسلك المبتدعين الضالين لم يكن من أولياء الله المتقين وحزبه المفلحين وعباده الصالحين، مثل الذين يظهرون الإشارات الشيطانية، كإشارة الدم والسكر والنيل واللادن وماء الورد والزعفران، وملابسة النيران، فحين يلبسهم الشيطان قد يزيد أحدهم، ويتكلم الشيطان على لسانه كما يتكلم الجن على لسان المصروع، وإذا أفاق من سكره لم يعرف ما تكلم به الشيطان على لسانه، كما لا يعرف المصروع إذا أفاق ما تكلم به الشيطان على لسانه، ومثل أكل الحيات والعقارب والزنابير، وأكل آذان الكلاب والحمير، وغير ذلك
[ ص: 89 ] من الخبائث التي يأكلونها، والمنكرات التي يفعلونها، مثل الرقص على الغناء والمزامير، ورفع الأصوات بالخوار كما يخور الثور، وقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=19واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير . وهؤلاء الضلال الغواة حزب الشيطان لا يقصدون في مشيهم، ولا يغضون من أصواتهم، بل يرفعون الأصوات المنكرات، ويرقصون كرقص الدباب ونحوها من الحيوانات، ويعرضون عن كتاب الله وسنة رسوله، فلا يرغبون في سماع كلام الله وكلام رسوله وكلام الصحابة كما يرغبون في سماع مزامير الشيطان، بل سماع مزامير الشيطان أحب إليهم من سماع كلام الملك الرحمن.
وقد كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتمعوا أمروا واحدا منهم أن يقرأ، والباقي يستمعون، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب يقول
nindex.php?page=showalam&ids=110لأبي موسى الأشعري: يا
أبا موسى! ذكرنا ربنا، فيقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى وهم يستمعون.
nindex.php?page=hadith&LINKID=3503242ومر النبي - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=110بأبي موسى الأشعري وهو يقرأ، فقال: "مررت بك البارحة وأنت تقرأ، فجعلت أستمع لقراءتك"، فقال: يا رسول الله!
لو علمت أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا .
nindex.php?page=treesubj&link=28897_28894وسماع القرآن هو سماع النبيين والمؤمنين والعالمين والعارفين، كما بين الله ذلك في كتابه، قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=58أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا .
[ ص: 90 ]
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=83وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق .
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=107إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=108ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=109ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا .
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله .
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم .
[ ص: 83 ] فَصْلٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28806أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ [ ص: 84 ] [ ص: 85 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَبِهِ الْإِعَانَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ .
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=164لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مَنَّ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ .
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=158قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ .
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=62أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=63الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ .
فَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا تَقِيًّا كَانَ لِلَّهِ وَلِيًّا، مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كَانَ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=944267 "إِنَّ nindex.php?page=treesubj&link=28806أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ [ ص: 86 ] حَيْثُ كَانُوا وَمَنْ كَانُوا".
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=907557 " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ. وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، فَبِيِ يَسْمَعُ، وَبِي يُبْصِرُ، وَبِي يَبْطِشُ، وَبِي يَمْشِي. وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَ بِي لَأُعِيذَنَّهُ. وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ".
فَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28806أَوْلِيَاءَ اللَّهِ نَوْعَانِ: الْمُقَرَّبُونَ السَّابِقُونَ، وَالْأَبْرَارُ أَصْحَابُ الْيَمِينِ، هُمُ الَّذِينَ تَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ.
وَالْآخَرُونَ هُمُ الْمُؤَدُّونَ لِلْفَرَائِضِ الْمُجْتَنِبُونَ لِلْمَحَارِمِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ . فَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ: هُوَ صَاحِبُ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا; وَالْمُقْتَصِدُ: هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ مَا فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَيَتْرُكُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ; وَالسَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ: هُوَ الَّذِي لَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ النَّوَافِلِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُتَّبِعُونَ لِخَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ وَأَفْضَلِ خَلْقِ اللَّهِ أَجْمَعِينَ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسْلِيمًا، الَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، فَهَدَى بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَأَرْشَدَ بِهِ مِنَ الْغِوَايَةِ، وَفَتَحَ بِهِ
[ ص: 87 ] أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا، حِينَ فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ [بَيْنَ] الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَبَيْنَ الْمَعْرُوفِ وَالْمُنْكَرِ، وَبَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَبَيْنَ طَرِيقِ الْجَنَّةِ وَطَرِيقِ النَّارِ، وَبَيْنَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَاءِ اللَّهِ.
فَالْحَلَالُ مَا حَلَّلَهُ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ، وَالدِّينُ مَا شَرَعَهُ، وَالطَّرِيقُ إِلَى اللَّهِ هُوَ طَاعَةُ أَمْرِهِ، فَلَا طَرِيقَ إِلَى اللَّهِ إِلَّا مُتَابَعَةُ رَسُولِ اللَّهِ.
قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهَ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ .
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=53صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ .
وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ
مُحَمَّدًا بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَحَقَائِقِ الْإِيمَانِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650007 "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ" .
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650048 "الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ". وَقَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650048 "الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ" .
فَقَدْ بَيَّنَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ وَحَقَائِقَ الْإِيمَانِ، فَكُلُّ مَنْ دَعَا إِلَى شَرِيعَةٍ أَوْ حَقِيقَةٍ تُخَالِفُ مَا بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ ضَالٌّ مِنْ إِخْوَانِ الشَّيَاطِينِ، خَارِجٌ
[ ص: 88 ] عَنْ طَرِيقِ اللَّهِ وَدِينِ الْمُرْسَلِينَ، لَيْسَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ وَلَا حِزْبِ اللَّهِ الْمُفْلِحِينَ وَلَا عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=658443 "إِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ". nindex.php?page=hadith&LINKID=675914وَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=143الْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْأَعْيُنُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ!
كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ: "أُوصِيكُمْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَبِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
nindex.php?page=treesubj&link=28806فَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَ الْمُبْتَدِعِينَ الضَّالِّينَ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ وَحِزْبِهِ الْمُفْلِحِينَ وَعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، مِثْلُ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ الْإِشَارَاتِ الشَّيْطَانِيَّةَ، كَإِشَارَةِ الدَّمِ وَالسُّكَّرِ وَالنِّيلِ وَاللَّادِنِ وَمَاءِ الْوَرْدِ وَالزَّعْفَرَانِ، وَمُلَابَسَةِ النِّيرَانِ، فَحِينَ يَلْبَسُهُمُ الشَّيْطَانُ قَدْ يَزِيدُ أَحَدَهُمْ، وَيَتَكَلَّمُ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ كَمَا يَتَكَلَّمُ الْجِنُّ عَلَى لِسَانِ الْمَصْرُوعِ، وَإِذَا أَفَاقَ مِنْ سُكْرِهِ لَمْ يَعْرِفْ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ، كَمَا لَا يَعْرِفُ الْمَصْرُوعُ إِذَا أَفَاقَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ، وَمِثْلُ أَكْلِ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالزَّنَابِيرِ، وَأَكْلِ آذَانِ الْكِلَابِ وَالْحَمِيرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ
[ ص: 89 ] مِنَ الْخَبَائِثِ الَّتِي يَأْكُلُونَهَا، وَالْمُنْكَرَاتِ الَّتِي يَفْعَلُونَهَا، مِثْلِ الرَّقْصِ عَلَى الْغِنَاءِ وَالْمَزَامِيرِ، وَرَفْعِ الْأَصْوَاتِ بِالْخُوَارِ كَمَا يَخُورُ الثَّوْرُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=19وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ . وَهَؤُلَاءِ الضُّلَّالُ الْغُوَاةُ حِزْبُ الشَّيْطَانِ لَا يَقْصِدُونَ فِي مَشْيِهِمْ، وَلَا يَغُضُّونَ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ، بَلْ يَرْفَعُونَ الْأَصْوَاتَ الْمُنْكَرَاتِ، وَيَرْقُصُونَ كَرَقْصِ الدِّبَابِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْحَيَوَانَاتِ، وَيُعْرِضُونَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فَلَا يَرْغَبُونَ فِي سَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ وَكَلَامِ الصَّحَابَةِ كَمَا يَرْغَبُونَ فِي سَمَاعِ مَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ، بَلْ سَمَاعُ مَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ سَمَاعِ كَلَامِ الْمَلِكِ الرَّحْمَنِ.
وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا اجْتَمَعُوا أَمَرُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ أَنْ يَقْرَأَ، وَالْبَاقِي يَسْتَمِعُونَ، وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ
nindex.php?page=showalam&ids=110لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: يَا
أَبَا مُوسَى! ذَكِّرْنَا رَبَّنَا، فَيَقْرَأُ
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبُو مُوسَى وَهُمْ يَسْتَمِعُونَ.
nindex.php?page=hadith&LINKID=3503242وَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - nindex.php?page=showalam&ids=110بِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ يَقْرَأُ، فَقَالَ: "مَرَرْتُ بِكَ الْبَارِحَةَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ، فَجَعَلْتُ أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ!
لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَمِعُ لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا .
nindex.php?page=treesubj&link=28897_28894وَسَمَاعُ الْقُرْآنِ هُوَ سَمَاعُ النَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْعَالِمِينَ وَالْعَارِفِينَ، كَمَا بَيَّنَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=58أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنَ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا .
[ ص: 90 ]
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=83وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ .
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=107إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=108وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=109وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا .
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهُ .
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ .