[ ص: 155 ] مسألة في تأويل الآيات وإمرار
أحاديث الصفات كما جاءت
[ ص: 156 ] [ ص: 157 ] مسألة
سئل عنها الشيخ الإمام العالم العامل الزاهد الورع أوحد أهل زمانه شيخ الإسلام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني -رضي الله عنه وأرضاه- وهو
بالديار المصرية، في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=7ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم الآية ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=4وهو معكم أين ما كنتم ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=688120 "ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا ... " الحديث . وقد
nindex.php?page=treesubj&link=28712تأول طائفة هذه الآيات وأمثالها من آيات الصفات التي أنزلها الله تعالى، ولم يتأولوا هذا الحديث ولا أمثاله من أحاديث الصفات. وقد قال طائفة: إذا تأولنا هذه الآيات احتملت هذه الأحاديث أيضا التأويل. فما الحجة في تأويل الآيات وإمرار الأحاديث كما جاءت؟ بينوا لنا الصواب في ذلك.
أجاب رضي الله عنه
الحمد لله. الجواب عن هذا من وجوه:
أحدها
أن يقال: يجب اتباع طريقة السلف من السابقين الأولين من
[ ص: 158 ] المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فإن إجماعهم حجة قاطعة، وليس لأحد أن يخالفهم فيما أجمعوا عليه، لا في الأصول ولا في الفروع. وحكى غير واحد من أهل العلم بآثارهم وأقوالهم قالوا في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=7ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ونحوه: إنه بعلمه ، وحكوا إجماعهم على إمرار [آيات] الصفات وأحاديثها وإنكارهم على المحرفين لها.
ولهذا لا يقدر أحد أن يحكي عن أحد من الصحابة والتابعين وغيرهم من سلف الأمة بنقل صحيح أنه تأول الاستواء بالاستيلاء أو نحوه من معاني أهل التحريف، بل ينقل عنهم أنهم فسروا الآية بما يقتضي أنه سبحانه فوق عرشه، ويمكنه أن ينقل بالإسناد الصحيح أنهم قالوا في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=7ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم أنهم قالوا: بعلمه.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر ابن عبد البر في كتاب "التمهيد في شرح الموطأ" لما شرح حديث النزول، قال: هذا حديث لم يختلف أهل العلم في صحته، وفيه دليل [على] أن الله في السماء على العرش كما قالت الجماعة، وهو من حجتهم على
المعتزلة. وهذا أشهر عند العامة والخاصة، وأعرف من أن يحتاج إلى أكثر من حكايته، لأنه اضطرار، لم يؤنبهم عليه أحد ولا أنكره عليهم مسلم.
[ ص: 159 ]
وقال
أبو عمر أيضا : أجمع
علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل قالوا في تأويل قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=7ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم : هو على العرش، وعلمه في كل مكان. وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله.
وقال أيضا : أهل السنة مجمعون على
nindex.php?page=treesubj&link=28832_28834_28836_29443_28712الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك. وأما
الجهمية والمعتزلة والخوارج فكلهم ينكرها، ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة، ويزعم أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أقر بها نافون للمعبود.
وقال الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=13652أبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة" في باب التحذير من مذهب الحلولية: الذي يذهب إليه أهل العلم أن الله على عرشه فوق سماواته، وعلمه محيط بكل شيء، قد أحاط بجميع ما خلق في السموات العلى، وبجميع ما في سبع أرضين، يرفع إليه أعمال العباد.
[ ص: 155 ] مَسْأَلَةٌ فِي تَأْوِيلِ الْآيَاتِ وَإِمْرَارِ
أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ كَمَا جَاءَتْ
[ ص: 156 ] [ ص: 157 ] مَسْأَلَةٌ
سُئِلَ عَنْهَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَامِلُ الزَّاهِدُ الْوَرِعُ أَوْحَدُ أَهْلِ زَمَانِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ تَيْمِيَةَ الْحَرَّانِيُّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ- وَهُوَ
بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=7مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ الْآيَةَ ، وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=4وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=688120 "يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا ... " الْحَدِيثَ . وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=28712تَأَوَّلَ طَائِفَةٌ هَذِهِ الْآيَاتِ وَأَمْثَالَهَا مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمْ يَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ وَلَا أَمْثَالَهُ مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ. وَقَدْ قَالَ طَائِفَةٌ: إِذَا تَأَوَّلْنَا هَذِهِ الْآيَاتِ احْتَمَلَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَيْضًا التَّأْوِيلَ. فَمَا الْحُجَّةُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَاتِ وَإِمْرَارِ الْأَحَادِيثِ كَمَا جَاءَتْ؟ بَيِّنُوا لَنَا الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ.
أَجَابَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ. الْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا
أَنْ يُقَالَ: يَجِبُ اتِّبَاعُ طَرِيقَةِ السَّلَفِ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ
[ ص: 158 ] الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ، فَإِنَّ إِجْمَاعَهُمْ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُخَالِفَهُمْ فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ، لَا فِي الْأُصُولِ وَلَا فِي الْفُرُوعِ. وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِآثَارِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ قَالُوا فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=7مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَنَحْوِهِ: إِنَّهُ بِعِلْمِهِ ، وَحَكَوْا إِجْمَاعَهُمْ عَلَى إِمْرَارِ [آيَاتِ] الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا وَإِنْكَارَهُمْ عَلَى الْمُحَرِّفِينَ لَهَا.
وَلِهَذَا لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَحْكِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ بِنَقْلٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ تَأَوَّلَ الِاسْتِوَاءَ بِالِاسْتِيلَاءِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ مَعَانِي أَهْلِ التَّحْرِيفِ، بَلْ يَنْقُلُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ فَسَّرُوا الْآيَةَ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ سُبْحَانَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَنْقُلَ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=7مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: بِعِلْمِهِ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13332أَبُو عُمَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ "التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ" لَمَّا شَرَحَ حَدِيثَ النُّزُولِ، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي صِحَّتِهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ [عَلَى] أَنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا قَالَتِ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ مِنْ حُجَّتِهِمْ عَلَى
الْمُعْتَزِلَةِ. وَهَذَا أَشْهَرُ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَأَعْرَفُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ حِكَايَتِهِ، لِأَنَّهُ اضْطِرَارٌ، لَمْ يُؤَنِّبْهُمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَلَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ مُسْلِمٌ.
[ ص: 159 ]
وَقَالَ
أَبُو عُمَرَ أَيْضًا : أَجْمَعَ
عُلَمَاءُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ حُمِلَ عَنْهُمُ التَّأْوِيلُ قَالُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=7مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ : هُوَ عَلَى الْعَرْشِ، وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ. وَمَا خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ.
وَقَالَ أَيْضًا : أَهْلُ السُّنَّةِ مُجْمِعُونَ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28832_28834_28836_29443_28712الْإِقْرَارِ بِالصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَحَمْلِهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُكَيِّفُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا
الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ فَكُلُّهُمْ يُنْكِرُهَا، وَلَا يَحْمِلُ شَيْئًا مِنْهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَيَزْعُمُ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِهَا مُشَبِّهٌ، وَهُمْ عِنْدَ مَنْ أَقَرَّ بِهَا نَافُونَ لِلْمَعْبُودِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ
nindex.php?page=showalam&ids=13652أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ فِي كِتَابِ "الشَّرِيعَةِ" فِي بَابِ التَّحْذِيرِ مِنْ مَذْهَبِ الْحُلُولِيَّةِ: الَّذِي يَذْهَبُ إِلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ، وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، قَدْ أَحَاطَ بِجَمِيعِ مَا خَلَقَ فِي السَّمَوَاتِ الْعُلَى، وَبِجَمِيعِ مَا فِي سَبْعِ أَرَضِينَ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ.