فصل
والمقصود هنا أن يعرف المؤمن حال الناس الذين يحتاج إلى معرفة حالهم، ويعمل معهم ما أمر الله به، ويكون فيمن مضى عبرة له، فآل
فرعون لما كانوا أبعد الخلق عن الإسلام الذي هو دين الله جعلهم الله في أشد العذاب، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ، لأنهم كانوا من
nindex.php?page=treesubj&link=28675_29705_18672أعظم الخلق استكبارا وإشراكا، حيث جعلوا واحدا من جنسهم إلههم وربهم، فأطاعوه واتبعوا أمره الذي ليس برشيد، واستكبروا قبل مجيء الرسول إليهم على من هو من جنسهم، فاستعبدوهم بغير حق وكانوا خولهم، وبعد مجيء الرسول علوا على ربهم وعلى رسوله.
وكذلك بنو إسرائيل لما بعث إليهم
المسيح كان من استكبارهم على رسولهم سؤالهم المائدة وعبادتهم الطاغوت كما ذكره الله عنهم في كتابه، ولما كانوا أبعد الناس عن الإسلام إذ ذاك قال الله لهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=115قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين .
وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=29705_28675الذين بعث إليهم محمد - صلى الله عليه وسلم - كان فيهم من الشرك والكبر ما هو معروف، وقد دل كتاب الله من ذلك على ما فيه عبرة.
nindex.php?page=treesubj&link=30564_30532_29494والمنافق أسوأ حالا في الآخرة من الكافر، كما قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=145إن المنافقين في الدرك [ ص: 233 ] الأسفل من النار الآية . وقد روي في الحديث عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو: "إن أشد الناس عذابا يوم القيامة آل فرعون ومن كفر من أهل المائدة والمنافقون من هذه الأمة" . فإن هؤلاء عاندوا الرسل الثلاثة الكبار أهل الشرائع
موسى وعيسى ومحمدا عليهم الصلاة والسلام في وجوههم، وباشروهم بذلك.
والمشركون الذين خرجوا على ديار الإسلام عبيد
جنكسخان، وهو الذي استخف قومه فأطاعوه من الترك وأشركوا به، حتى اعتقدوا فيه أن أمه أحبلتها الشمس، إذ لا يعرف له أب بينهم، وإنما كانت أمه بغيا فجرت ببعض الترك، ثم كتمت ذلك وأظهرت غيره، وكانت ذات مكر وكيد. وقد ذكر الله في كتابه قول العزيز:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=28إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم . ولهذا لما علا ابنها وقهر الأمم المجاورة له كان من سنتهم تعظيم النساء وطاعتهن. ولما كانوا من أبعد الخلق عن الإسلام كانوا من أعظم الأمم كبرا وشركا، فهم مطيعون لمن قهرهم وأذلهم واستعبدهم كطاغوتهم الأعظم
جنكسخان طاعة وعبادة وتألها، فهم بذلك من أعظم المشركين، وهم مع ذلك مستكبرون على من قهروه من جنسهم وغير جنسهم استكبارا وعلوا.
[ ص: 234 ]
فَصْلٌ
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنْ يَعْرِفَ الْمُؤْمِنُ حَالَ النَّاسِ الَّذِينَ يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ حَالِهِمْ، وَيَعْمَلُ مَعَهُمْ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَيَكُونُ فِيمَنْ مَضَى عِبْرَةٌ لَهُ، فَآلُ
فِرْعَوْنَ لَمَّا كَانُوا أَبْعَدَ الْخَلْقِ عَنِ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ دِينُ اللَّهِ جَعَلَهُمُ اللَّهُ فِي أَشَدِّ الْعَذَابِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28675_29705_18672أَعْظَمِ الْخَلْقِ اسْتِكْبَارًا وَإِشْرَاكًا، حَيْثُ جَعَلُوا وَاحِدًا مِنْ جِنْسِهِمْ إِلَهَهُمْ وَرَبَّهُمْ، فَأَطَاعُوهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَهُ الَّذِي لَيْسَ بِرَشِيدٍ، وَاسْتَكْبَرُوا قَبْلَ مَجِيءِ الرَّسُولِ إِلَيْهِمْ عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ جِنْسِهِمْ، فَاسْتَعْبَدُوهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَكَانُوا خَوَلَهُمْ، وَبَعْدَ مَجِيءِ الرَّسُولِ عَلَوْا عَلَى رَبِّهِمْ وَعَلَى رَسُولِهِ.
وَكَذَلِكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمَّا بُعِثَ إِلَيْهِمُ
الْمَسِيحُ كَانَ مِنَ اسْتِكْبَارِهِمْ عَلَى رَسُولِهِمْ سُؤَالُهُمُ الْمَائِدَةَ وَعِبَادَتُهُمُ الطَّاغُوتَ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي كِتَابِهِ، وَلَمَّا كَانُوا أَبْعَدَ النَّاسِ عَنِ الْإِسْلَامِ إِذْ ذَاكَ قَالَ اللَّهُ لَهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=115قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ .
وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=29705_28675الَّذِينَ بُعِثَ إِلَيْهِمْ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِيهِمْ مِنَ الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ، وَقَدْ دَلَّ كِتَابُ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا فِيهِ عِبْرَةٌ.
nindex.php?page=treesubj&link=30564_30532_29494وَالْمُنَافِقُ أَسْوَأُ حَالًا فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْكَافِرِ، كَمَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=145إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ [ ص: 233 ] الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ الْآيَةَ . وَقَدْ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=13عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: "إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ آلُ فِرْعَوْنَ وَمَنْ كَفَرَ مِنْ أَهْلِ الْمَائِدَةِ وَالْمُنَافِقُونَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ" . فَإِنَّ هَؤُلَاءِ عَانَدُوا الرُّسُلَ الثَّلَاثَةَ الْكِبَارَ أَهْلَ الشَّرَائِعِ
مُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدًا عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي وُجُوهِهِمْ، وَبَاشَرُوهُمْ بِذَلِكَ.
وَالْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى دِيَارِ الْإِسْلَامِ عَبِيدُ
جَنْكِسْخَانَ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ مِنَ التُّرْكِ وَأَشْرَكُوا بِهِ، حَتَّى اعْتَقَدُوا فِيهِ أَنَّ أُمَّهُ أَحْبَلَتْهَا الشَّمْسُ، إِذْ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ بَيْنَهُمْ، وَإِنَّمَا كَانَتْ أُمُّهُ بَغِيًّا فَجَرَتْ بِبَعْضِ التُّرْكِ، ثُمَّ كَتَمَتْ ذَلِكَ وَأَظْهَرَتْ غَيْرَهُ، وَكَانَتْ ذَاتَ مَكْرٍ وَكَيْدٍ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ قَوْلَ الْعَزِيزِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=28إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدِكُنَّ عَظِيمٌ . وَلِهَذَا لَمَّا عَلَا ابْنُهَا وَقَهَرَ الْأُمَمَ الْمُجَاوِرَةَ لَهُ كَانَ مِنْ سُنَّتِهِمْ تَعْظِيمُ النِّسَاءِ وَطَاعَتُهُنَّ. وَلَمَّا كَانُوا مِنْ أَبْعَدِ الْخَلْقِ عَنِ الْإِسْلَامِ كَانُوا مِنْ أَعْظَمِ الْأُمَمِ كِبْرًا وَشِرْكًا، فَهُمْ مُطِيعُونَ لِمَنْ قَهَرَهُمْ وَأَذَلَّهُمْ وَاسْتَعْبَدَهُمْ كَطَاغُوتِهِمُ الْأَعْظَمِ
جَنْكِسْخَانَ طَاعَةً وَعِبَادَةً وَتَأَلُّهًا، فَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُشْرِكِينَ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ مُسْتَكْبِرُونَ عَلَى مَنْ قَهَرُوهُ مِنْ جِنْسِهِمْ وَغَيْرِ جِنْسِهِمُ اسْتِكْبَارًا وَعُلُوًّا.
[ ص: 234 ]