[ ص: 206 ] فصل
وقد تدبرت عامة هذه المواضع التي يدعي من يدعي فيها من الناس أنها تثبت على خلاف القياس الصحيح، أو أن العلة الشرعية الصحيحة خصت بلا فرق شرعي من فوات شرط أو وجود مانع، أو أن الاستحسان الصحيح يكون على خلاف القياس الصحيح من غير فرق شرعي، فوجدت الأمر بخلاف ذلك، كما قاله أكثر الأئمة كالشافعي وغيرهما، وإن كان الواحد من هؤلاء قد يتناقض أيضا، فيخص ما يجعله علة بلا فارق مؤثر، كما أنه قد يقيس بلا علة مؤثرة. وأحمد
فالمقصود ضبط أصول الفقه الكلية المطردة المنعكسة، وبيان أن الشريعة ليس فيها تناقض أصلا، والقياس الصحيح لا يكون خلافه إلا تناقضا، فإن هو التسوية بين المتماثلين والفرق بين المختلفين، والجمع بين الأشياء فيما جمع الله ورسوله بينها فيه، والفرق بينهما فيما فرق الله ورسوله بينها فيه. القياس الصحيح
والقياس هو اعتبار المعنى الجامع المشترك الذي اعتبره الشارع وجعله مناطا للحكم، وذلك المعنى قد يكون لفظ شرعي عام أيضا، فيكون الحكم ثابتا بعموم لفظ الشارع ومعناه. وقد بينا [ ص: 207 ] في غير هذا الموضع أن الأحكام كلها بلفظ الشارع ومعناه، فألفاظه تناولت جميع الأحكام، والأحكام كلها معللة بالمعاني المؤثرة، فمعانيه أيضا متناولة لجميع الأحكام. لكن قد يفهم المعنى من لم يعرف اللفظ العام، وقد يعرف اللفظ العام ودلالته من لم يفهم العلة العامة. وكثيرا ما يغلط من يظنه قال لفظا ولم يقله، أو يجعله عاما أو خاصا ويكون مراد الشارع خلاف ذلك، كما يغلط من ينفي لفظا قاله، وكما يغلط من يظنه اعتبر معنى لم يعتبره، أو ألغى معنى وقد اعتبره، ونحو ذلك.