وأما فجعل الأيمن على الأيسر كما جاءت بذلك الأحاديث، عند جمهور العلماء كمالك صفة التحويل وأحمد وأبي يوسف ومحمد وهو قول وأبي ثور، إذ كان بالعراق، وقال في الجديد: في الرداء المراد كذلك، وفي المربع يجعل أعلاه أسفله، لما تقدم من هم النبي صلى الله عليه وسلم. الشافعي
وحجة الجمهور أنه حوله من اليمين إلى اليسار، وأن الخلفاء الراشدين بعده فعلوا ذلك، كما فعله بحضرة الصحابة. وأما تلك الزيادة فلو كانت ثابتة لكانت ظنا من الراوي لا يترك لها ما ثبت من فعله المتيقن وفعل خلفائه. عثمان
وروى عن أبو بكر النجاد عروة بن أذينة عن أبيه قال: رأيت يستسقي بالمصلى، فرأيته صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة، ثم خطب الناس، ثم حول وجهه إلى القبلة، ورفع يديه، وحول رداءه، جعل اليمين على اليسار واليسار على اليمين. عثمان
فقد ظهر فساد استدلال الجهمي من وجوه:
أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل أسفله أعلاه، بل قلبه، وإن قيل إنه هم بذلك. [ ص: 84 ]
الثاني: هب أنه جعل أعلاه أسفله، أو أن ذلك هو المستحب -كما هو أحد قولي الفقهاء- لكونه هم بذلك وتركه للعسر، وأي شيء في جعل أسفل الرداء أعلاه مما يدل على أن الله ليس هو العلي الأعلى، وأنه ليس هو فوق العالم؟ أو أي شيء في ذلك ما يبطل أدلة القائلين بذلك أو يعارضها؟ وهذا جواب عن هذا، وعن توجيه اليدين إلى الأرض إن قيل : إنه فعل ذلك. وسنبين حقيقة ما فعله، فإن غاية ما يقدر المقدر أنه وجه وجهه ويديه إلى الأرض، وجعل أعلى ردائه أسفله، فليس في بني آدم من يقول: إنه قصد بذلك أن الله في الأرض دون السماء، فإن هذا لا يقوله لا مؤمن ولا كافر، ولا مثبت ولا منافق، بل الجهمية تقول: لا فرق بين الأرض والسماء، ثم تارة يقولون: إنه بذاته في الأرض والسماء كما يقوله الحلولية والاتحادية، منهم أكثر عبادهم وعوامهم الذين يدعون التحقيق والتوحيد من صوفيتهم. وتارة يقولون: بل ليس هو داخل العالم ولا خارجه البتة، ولا فوق العرش، ولا في السماء ولا في الأرض، وهذا قول نظارهم ومتكلميهم. جميع الخلق متفقون على أن الأرض ليست مختصة به دون السماء، بل
فإذا قدر أن النبي صلى الله عليه وسلم قصد التوجه إلى الأرض دون السماء، لم يقل أحد: إن ذلك يدل على أن الله في الأرض دون السماء، بل غاية ما يقال: يبطل استدلال من يستدل برفع اليدين أنه فوق [ ص: 85 ] العالم. وسنتكلم على ذلك ونبين أنه لا يبطل هذه الدلالة، وبتقدير أن يبطل هذا الدليل المعين لا يبطل المدلول عليه، فنفرض أن رفع اليدين لا يدل على هذه المسألة، فأدلتها السمعية والعقلية أكثر من أن تسطر هنا، وفي القرآن نحو ثلاثمائة موضع يدل على ذلك، والأحاديث والآثار في ذلك أشهر وأظهر من أن تذكر هنا مع الأدلة العقلية، كما قد بسط في غير هذا الموضع.
ثم يقال: هب أنه يبطل الاستدلال برفع اليدين، فأي شيء أدخل تحويل الرداء في ذلك؟ فإنا ما علمنا أحدا استدل بتحويل الرداء على أن الله فوق حتى تبطل دلالته، فعلم أن إدخال هذا في هذه المسألة جهالة واضحة، وإنما يعرف عن طائفة من المتجهمة المنتسبين إلى الحديث أنهم يذكرون رفع اليدين، وأما تحويل الرداء فما علمت لذكره وجها.
الوجه الثالث: أن يقال: ما ذكره المستدل إن كان فيه حجة فهي عليه لا له، وذلك أن عائبنا يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل أعلى ردائه أسفله، أو أن ذلك هو المستحب، فيقال له: إن لم يكن في هذا التحويل دليل على مسألة العلو بنفي ولا إثبات فلا حجة لك فيه، وإن كانت فيه حجة فثبت بحجة على أن الله في العلو، لأنه جعل أسفله أعلاه، فيكون قد قصد توجيه ردائه إلى ما فوق كما وجه قلبه، كما سنذكره إن شاء الله، وهذا مناسب، وهو لا يمكنه [ ص: 86 ] أن يقول: توجيهه إلى أسفل لأن الله في العلو، والمثبت يمكنه أن يقول: وجهه إلى فوق لكون الله تعالى في العلو، فإن كان فيه حجة فهو للمثبت لا للنافي.
ولكن الصواب أنه ليس فيه حجة لا على هذا ولا على هذا، لأن المقصود بذلك تحويل السنة من الجدب إلى الخصب، كما رواه عن الدارقطني عن أبيه عليهم السلام قال: جعفر بن محمد استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحول رداءه ليتحول القحط.