فصل
إذا تبين هذا فنقول: الجمع بين حديث وهذه الأحاديث من وجهين: أنس
أحدهما: ما قاله طوائف من العلماء في الجمع بين حديث وغيره، وهو أن أنس ذكر الرفع الشديد الذي يرى فيه بياض إبطيه وينحي فيه يديه، وهذا هو الذي سماه أنسا الابتهال، وجعل المراتب ثلاثة: ابن عباس
الإشارة بإصبع واحدة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يشير بإصبعه في التشهد وعلى المنبر يوم الجمعة بإصبعه، والحديث متعدد مشهور. وفي سنن أبي داود سعد قال: مر علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بإصبعي، فقال: "أحد أحد"، وأشار بالسبابة. عن
والثانية: المسألة، وهو أن تجعل يديك حذو منكبيك، كما في أكثر الأحاديث.
والثالث: الابتهال، وهو أن تمد يديك جميعا، وفي لفظ: والابتهال هكذا، ورفع يديه وجعل ظهورهما مما يلي وجهه.
فهذا الابتهال هو الذي ذكره في الاستسقاء، ولهذا قال: أنس وإنما يرى بياض الإبطين بالرفع [ ص: 94 ] الشديد، وهذا الرفع إذا اشتد كان بطون يديه مما يلي وجهه والأرض، وظهورهما مما يلي السماء، وكذلك جاء مفسرا: كان يرفع حتى يرى بياض إبطيه، وفي لفظ: "رفع يديه حذاء وجهه"، ولو كان المراد به كما يظنه بعض الغالطين حيث يجعل يديه حذو منكبيه ويجعل ظهورهما مما يلي الوجه والأرض، وتارة يكون الظهور مما يلي السماء، يؤيد ذلك ما رواه "جعل بطونهما مما يلي الأرض". عن أبو داود نفسه قال: أنس بن مالك رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو هكذا بباطن كفيه وظاهرهما.
وقد يكون أراد بالرفع على المنبر يوم الجمعة كما في صحيح أنس والسنن عن مسلم حصين بن عبد الرحمن قال: عمارة بن رؤيبة وهو يدعو في يوم الجمعة، فقال بشر بن مروان عمارة: قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ما يزيد على هذه بإصبعه المسبحة. رأى
وفي مسند عن أحمد غضيف بن الحارث الثمالي قال: أنا قد جمعنا الناس على أمرين: عبد الملك بن مروان والقصص بعد الصبح والعصر، فقال: أما إنهما أمثل بدعتكم عندي، ولست مجيبك إلى شيء [ ص: 95 ] منهما، قال: لم؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة. برفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة. بعث إلي
وعلى هذا يحمل الحديث الذي في سنن أبي داود قال: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم شاهرا يديه يدعو على منبر ولا غيره، لكن رأيته يقول هكذا، وأشار بالسبابة وعقد الوسطى بالإبهام، سهل بن سعد وقد قيل: في إسناد هذا مقال، مع أنه ليس فيه إلا نفي الرؤية. عن
وهذه المسألة فيها قولان للعلماء هما وجهان في مذهب في رفع الخطيب يديه، فقيل: يستحب لعموم الأخبار الواردة في رفع الأيدي، وهذا قول أحمد وقيل: لا يستحب، بل يكره، وهذا أصح، قال ابن عقيل، ذلك بدعة للخاطب، إسحاق بن راهويه: لما تقدم من الآثار. إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يشير بإصبعه إذا دعا،