وأما التوكل فعلى الله وحده، فلهذا قالوا: حسبنا الله، ولم يقولوا: حسبنا الله ورسوله، كما قالوا: سيؤتينا الله من فضله ورسوله، فإن الحسيب هو الكافي، والله وحده كافي عباده، كما قال تعالى: أليس الله بكاف عبده ، وقال تعالى: يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ، أي الله كافيك وكافي المؤمنين المتقين، هذا الذي اتفق عليه السلف. ومن ظن أنه معناه "أن الله والمؤمنين يكفونك" فقد غلط غلطا عظيما من وجوه كثيرة في اللغة والتفسير والمعنى، كما قد بسط في غير هذا الموضع، وهذه القواعد كلها مبسوطة في غير هذا الموضع، والمقصود هنا أن ومن البدعة أن يعبد الله بعبادة لم يدل عليها دليل شرعي. ومن الغلو أن يرفع المخلوق إلى درجة الخالق. [ ص: 299 ] الإشراك أن يجعل لله ند فيما يختص به من العبادة أو التوكل،
وأصل الإسلام مبني على أصلين: أن لا نعبد إلا الله وحده لا شريك له، ولا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بالبدع. كما قال في قوله: الفضيل بن عياض ليبلوكم أيكم أحسن عملا قال: أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي! ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة، فهذه العبادات التي فيها شرك وغلو ولم تثبت بدليل شرعي، لا هي خالصة لله ولا هي على موافقة السنة، فهي منهي عنها من هذين الوجهين.
وهؤلاء الذين ابتدعوا إهداء العبادات إلى النبي صلى الله عليه وسلم يجتمع فيهم هذا وهذا، وإن تخلصوا من الإشراك والغلو لم يتخلصوا عن الابتداع، فإن هذا عمل مبتدع لم يقم على استحبابه دليل شرعي.
وقد بينا فساد ما احتج به من سوغه، وإنا لم نعلم أحدا من القرون الثلاثة المفضلة فعل مثل هذا. والمجتهد إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر، لكن إذا تبين الحق وجب اتباعه. والله أعلم. [ ص: 300 ]