[ ص: 275 ] يرى الوضوء من الدم الكثير والإمام أحمد ، فقيل [له] : فإن كان الإمام لا يتوضأ من ذلك ، أأصلي خلفه؟ قال : سبحان الله!
أتقول : إنه لا يصلى خلف ، وخلف سعيد بن المسيب ، أو كما قال . يعني أن هؤلاء الأئمة الذين اجتمعت الأمة على الصلاة خلفهم; كانوا لا يتوضؤون من الدم من غير السبيلين . مالك بن أنس
وكذلك -فيما أظن- لما حج مع أبو يوسف ، فاحتجم الخليفة ، فأفتاه هارون الرشيد أنه لا يتوضأ ، وصلى بالناس ، فقيل مالك : أصليت خلفه؟ فقال : سبحان الله! أمير المؤمنين!؟ لأبي يوسف
يريد بذلك أن كالرافضة والمعتزلة والخوارج . ترك الصلاة خلف ولاة الأمور من فعل [أهل] البدع ،
فهذه النصوص وأمثالها عن هؤلاء الأئمة تخالف من يطلق من الحنفية والشافعية والحنبلية أن الإمام إذا ترك ما يعتقد المأموم وجوبه لم يصح اقتداؤه به .
يوضح ذلك أن مذهب عامة أئمة الإسلام -مثل مالك والشافعي أن وأحمد- فإن صلاة المأموم صحيحة ، ولا قضاء عليه . وهذا هو المأثور عن الخلفاء الراشدين مثل الإمام إذا ترك الطهارة ناسيا ، مثل أن يصلي وهو جنب أو محدث ناس لحدثه ، ثم تذكر بعد صلاته; عمر بن الخطاب وغيرهما من الصحابة . فالإمام إذا كان مخطئا في نفس الأمر كان بمنزلة الناسي ، وقد دل الكتاب والسنة أن وعثمان بن عفان . فإذا كانت [ ص: 276 ] صلاة المأموم تصح خلف إمام تجب عليه الإعادة; فخلف إمام لا تجب عليه الإعادة أولى . الله تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان
وذلك أن صلاة المأموم إن لم تكن مرتبطة بصلاة الإمام ، بل كل منهم يصلي لنفسه; فلا محذور . وإن كانت مرتبطة; فالإمام معفو عنه في موارد الاجتهاد ، فصلاته أيضا باجتهاد صحيحة عند المأموم .
وإنما غلط الغالط في هذا الأصل بحيث يتوهم أن المأموم يعتقد بطلان صلاة الإمام ، وليس كذلك ، فإنه إذا صلى باجتهاده السائغ; لم يكن في هذه الحال محكوما ببطلان عبادته ، بل بصحتها ، كما يحكم بصحة حكمه في موارد الاجتهاد حتى يمنع نقضه .
فأما فعل المحظورات ناسيا فأسهل ، فإن أكثر الأئمة -مثل مالك والشافعي في إحدى روايتيه- لا يرون وأحمد يبطل الصلاة ، ولا يوجب الإعادة ، فالإمام إذا فعل محظورا متأولا; فالمخطئ كالناسي . وإذا لم تجب الإعادة عليه فكيف لا يصح الائتمام به؟ [ ص: 277 ] وقد روى الكلام في الصلاة ناسيا في صحيحه عن البخاري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أبي هريرة وهذا نص صريح في أن "يصلون لكم ، فإن أصابوا فلكم ، وإن أخطأوا فلكم وعليهم" . ، والمجتهد غايته أن يكون أخطأ بترك واجب اعتقد أنه ليس واجبا ، أو فعل محظور اعتقد أنه ليس محظورا . ولا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يخالف هذا الحديث الصحيح الصريح بعد أن يبلغه . الإمام إذا أخطأ كان خطؤه عليه لا على المأموم
وقد روى الإمام أحمد عن وأبو داود رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : عقبة بن عامر . "من أم الناس فأصاب الوقت وأتم الصلاة فله ولهم ، ومن انتقص من ذلك شيئا فعليه ولا عليهم"
وروى عن ابن ماجه رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : سهل بن سعد . "الإمام ضامن ، فإن أحسن فله ولهم ، وإن أساء - يعني : فعليه ولا عليهم"
وهذه السنة الصحيحة الصريحة قد اتصل بها الإجماع القديم ، وعمل بها زمن القرون الثلاثة الفاضلة في جميع الأمصار ، فإنه قد كان في عهد الصحابة من يقرأ البسملة سرا ، ومن يقرأ بها جهرا ، [ ص: 278 ] ومن لا يقرأ بها سرا ولا جهرا ، وكل منهم يصلي خلف الآخر وإن كان يرجح قوله .