القسم الرابع:
nindex.php?page=treesubj&link=19701الذي لا يكون عمله خالصا لله، وهو شر الأقسام، مثل جهاد المشركين للمسلمين ينصرون بذلك آلهتهم، فلم يعبدوا به ولا أحسنوا، حيث أهلكوا أهل الإيمان.
وكذلك كل ما كان من هذا الجنس من الأعمال التي يفعلها الكفار لغير الله وليست خيرا في نفسها، من نصر أهل الكفر، وكذب على الله، وتكذيب برسله، واعتقاد للباطل.
وكذلك اتباع قوم
مسيلمة لمسيلمة، وقتالهم معه، وكذلك أهل البدع والضلال التي يقصدون بها نصر أهوائهم. وكذلك الفجور والمعاصي التي تفعلها النفوس لأجل العلو في الأرض والفساد، وهذا الضرب كثير جدا.
وإذا كانت الأقسام الأربعة، فالقسم الأول هو المحمود، وأهله هم السعداء من جميع بني آدم من الأولين والآخرين، وبذلك جاء الكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=112بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، فإن أهل الكتاب تمنوا هذه الأمنية
[ ص: 25 ] التي قالوا بألسنتهم، وقدروها بقولهم، وجمعوا فيها بين النفي- وهو دخول الجنة- عن غير اليهود والنصارى، وبين الإثبات لمن كان هودا أو نصارى، وهذا من باب اللف والنشر. أي وقالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا. وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين فطالبهم بالبرهان على هذه القضية والدعوى الجامعة بين النفي والإثبات.
وكان في ذلك ما دل على أن النافي عليه الدليل، كما أن المثبت عليه الدليل، كما طالب المثبت في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ، ومعلوم أن ليس مع اليهود والنصارى لا برهان شرعي ولا عقلي يدل على ذلك، فإن الرسل لم تخبرهم بهذا النفي، ولا هو مدرك بالعقل، ولهذا قال الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111تلك أمانيهم ، ثم قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=112بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه . وهذا حصول الخير والثواب والنعيم واللذة، ثم قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=112ولا خوف عليهم والخوف إنما يتعلق بالمستقبل،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=112ولا هم يحزنون والحزن يتعلق بالحاضر والماضي، فلا هم يخافون ما أمامهم، ولا هم يحزنون على ما هم فيه وما وراءهم، ثم إنه قال في الخوف:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=112ولا خوف عليهم ولم يقل: يخافون، فإنهم في الدنيا يخافون مع أنه لا خوف عليهم، وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=112ولا هم يحزنون فلا يحزنون بحال، لأن الحزن إنما يتعلق بالماضي، وهم فأنواع الألم منتفية بانتفاء الخوف
[ ص: 26 ] والحزن، فإن المتألم لا يخلو من حزن، فإذا انتفى الحزن انتفى كل ألم.
وقال في عملهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=112بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن ،
nindex.php?page=treesubj&link=19696_27212فإسلام وجهه كما قاله أئمة التفسير: هو إخلاص دينه وعمله لله، وقيل: تفويض أمره إلى الله . وهو يعم القسمين، كما سنبينه إن شاء الله، فإن إسلام وجهه يقتضي أنه أسلم نيته وعمله ودينه لله، أي جعله لله خالصا سالما، والإحسان هو فعل الحسنات، فاجتمع له أن عمله خالص، وأنه صالح، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا" .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل بن عياض في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2ليبلوكم أيكم أحسن عملا ، قال: أخلصه وأصوبه، قيل: يا
أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة.
وبهذا البيان
nindex.php?page=treesubj&link=28446يعرف بالعقل أن هذا الدين الحق هو أفضل الأديان، لأن الدين هو الخضوع والانقياد والعمل، فلا بد له من شيئين، من
[ ص: 27 ] مقصود هو المعبود، ووسيلة هي الحركة، فأي معبود يسامي الله؟ وأي قصد للمعبود خير من أن يكون القاصد ذليلا له مخلصا له، لا متكبرا ولا مشركا به؟ وأي حركة خير من فعل الحسنات؟ فبهذا تبين أن
nindex.php?page=treesubj&link=19695من أسلم وجهه لله وهو محسن، فإنه مستحق للثواب، كما تبين أنه لا أحسن منه.
وبيان ذلك أن الوجه إما أن يكون هو القصد والنية كما قال:
أستغفر الله ذنبا لست محصيه رب العباد إليه الوجه والعمل
والوجه مثل الجهة، مثل الوعد والعدة، والوزن والزنة، والوصل والصلة، وقد قررت هذا في غير هذا الموضع، وهذا مقتضى كلام أئمة التفسير، وهو مقتضى ظاهر الخطاب لمن كان يفقه بالعربية المحضة من غير حاجة إلى إضمار ولا تكلف، ومثل هذه الآية قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=123ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=124ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=125ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا .
روى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في مسنده عن
nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
[ ص: 28 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=938159 "إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية، وإنما بعثت بالحنيفية السمحة".
فبين الله
nindex.php?page=treesubj&link=28639_28644أنه لا دين أحسن من دين من أسلم وجهه لله، وهو محسن غير مسيء، واتبع ملة إبراهيم حنيفا.
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=125واتخذ الله إبراهيم خليلا ، فدل بذلك على متابعة
إبراهيم في محبته لله، ومحبة الله له، ولفظ "أسلم" يتضمن شيئين: أحدهما الإخلاص، والثاني الاتباع والإذلال. كما أن "أسلم" إذا استعمل لازما مثل:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=128ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ،
nindex.php?page=treesubj&link=19696_19611_28973وقوله: nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=131أسلمت لرب العالمين ، يتضمن الخضوع لله والإخلاص له.
وضد ذلك إما الكبر وإما الشرك، وهما أعظم الذنوب، ولهذا كان الدين عند الله الإسلام، فإن دين الله أن نعبده وحده لا شريك له، وهذا حقيقة قول لا إله إلا الله، وبه بعثت الرسل جميعها، ومن عبادته وحده أن لا نشرك به، ولا نتكبر عن أمره، فلا بد من الإيمان بجميع كتبه،
[ ص: 29 ] وجميع رسله، وإلا لم يكن العبد مسلما له، ولا مسلما وجهه له، إذا امتنع عن الإيمان بشيء من كتبه ورسله، وهذا هو الإسلام العام الذي دخل فيه جميع الأنبياء والمرسلين، وأممهم المتبعين غير المبدلين.
الْقِسْمُ الرَّابِعُ:
nindex.php?page=treesubj&link=19701الَّذِي لَا يَكُونُ عَمَلُهُ خَالِصًا لِلَّهِ، وَهُوَ شَرُّ الْأَقْسَامِ، مِثْلَ جِهَادِ الْمُشْرِكِينَ لِلْمُسْلِمِينَ يَنْصُرُونَ بِذَلِكَ آلِهَتَهُمْ، فَلَمْ يَعْبُدُوا بِهِ وَلَا أَحْسَنُوا، حَيْثُ أَهْلَكُوا أَهْلَ الْإِيمَانِ.
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ مِنَ الْأَعْمَالُ الَّتِي يَفْعَلُهَا الْكُفَّارُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَيْسَتْ خَيْرًا فِي نَفْسِهَا، مِنْ نَصْرِ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَكَذِبٍ عَلَى اللَّهِ، وَتَكْذِيبٍ بِرُسُلِهِ، وَاعْتِقَادٍ لِلْبَاطِلِ.
وَكَذَلِكَ اتِّبَاعُ قَوْمِ
مُسَيْلِمَةَ لِمُسَيْلِمَةِ، وَقِتَالِهِمْ مَعَهُ، وَكَذَلِكَ أَهِلُ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ الَّتِي يَقْصِدُونَ بِهَا نَصْرَ أَهْوَائِهِمْ. وَكَذَلِكَ الْفُجُورُ وَالْمَعَاصِي الَّتِي تَفْعَلُهَا النُّفُوسُ لِأَجْلِ الْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادِ، وَهَذَا الضَّرْبُ كَثِيرٌ جِدًّا.
وَإِذَا كَانَتِ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ، فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَحْمُودُ، وَأَهْلُهُ هُمُ السُّعَدَاءُ مِنْ جَمِيعِ بَنِي آدَمَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَبِذَلِكَ جَاءَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=112بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ، فَإِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ تَمَنَّوْا هَذِهِ الْأُمْنِيَةَ
[ ص: 25 ] الَّتِي قَالُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَقَدَّرُوهَا بِقَوْلِهِمْ، وَجَمَعُوا فِيهَا بَيْنَ النَّفْيِ- وَهُوَ دُخُولُ الْجَنَّةِ- عَنْ غَيْرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَبَيْنَ الْإِثْبَاتِ لِمَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى، وَهَذَا مِنْ بَابِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ. أَيْ وَقَالَتِ الْيَهُودُ: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا. وَقَالَتِ النَّصَارَى: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَطَالَبَهُمْ بِالْبُرْهَانِ عَلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَالدَّعْوَى الْجَامِعَةِ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ.
وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ النَّافِيَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ، كَمَا أَنَّ الْمُثْبِتَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ، كَمَا طَالَبَ الْمُثْبِتُ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ، وَمَعْلُومٌ أَنْ لَيْسَ مَعَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لَا بُرْهَانٌ شَرْعِيٌّ وَلَا عَقْلِيٌّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الرُّسُلَ لَمْ تُخْبِرْهُمْ بِهَذَا النَّفْيِ، وَلَا هُوَ مُدْرَكٌ بِالْعَقْلِ، وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=112بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ . وَهَذَا حُصُولُ الْخَيْرِ وَالثَّوَابِ وَالنَّعِيمِ وَاللَّذَّةِ، ثُمَّ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=112وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَالْخَوْفُ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=112وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالْحُزْنُ يَتَعَلَّقُ بِالْحَاضِرِ وَالْمَاضِي، فَلَا هُمْ يَخَافُونَ مَا أَمَامَهُمْ، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ وَمَا وَرَاءَهُمْ، ثُمَّ إِنَّهُ قَالَ فِي الْخَوْفِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=112وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُقَلْ: يَخَافُونَ، فَإِنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا يَخَافُونَ مَعَ أَنَّهُ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=112وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ فَلَا يَحْزَنُونَ بِحَالٍ، لِأَنَّ الْحُزْنَ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي، وَهُمْ فَأَنْوَاعُ الْأَلَمِ مُنْتَفِيَةٌ بِانْتِفَاءِ الْخَوْفِ
[ ص: 26 ] وَالْحُزْنِ، فَإِنَّ الْمُتَأَلِّمَ لَا يَخْلُو مِنْ حُزْنٍ، فَإِذَا انْتَفَى الْحُزْنُ انْتَفَى كُلُّ أَلَمٍ.
وَقَالَ فِي عَمَلِهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=112بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ،
nindex.php?page=treesubj&link=19696_27212فَإِسْلَامُ وَجْهِهِ كَمَا قَالَهُ أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ: هُوَ إِخْلَاصُ دِينِهِ وَعَمَلِهِ لِلَّهِ، وَقِيلَ: تَفْوِيضُ أَمْرِهِ إِلَى اللَّهِ . وَهُوَ يَعُمُّ الْقِسْمَيْنِ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنَّ إِسْلَامَ وَجْهِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَسْلَمَ نِيَّتَهُ وَعَمَلَهُ وَدِينَهُ لِلَّهِ، أَيْ جَعَلَهُ لِلَّهِ خَالِصًا سَالِمًا، وَالْإِحْسَانُ هُوَ فِعْلُ الْحَسَنَاتِ، فَاجْتَمَعَ لَهُ أَنَّ عَمَلَهُ خَالِصٌ، وَأَنَّهُ صَالِحٌ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلِي كُلَّهُ صَالِحًا، وَاجْعَلْهُ لِوَجْهِكَ خَالِصًا، وَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْئًا" .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14919الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ، قَالَ: أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ، قِيلَ: يَا
أَبَا عَلِيٍّ، مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ؟ قَالَ: إِنَّ الْعَمَلَ إِذَا كَانَ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ، وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ، حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا، وَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ.
وَبِهَذَا الْبَيَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=28446يُعْرَفُ بِالْعَقْلِ أَنَّ هَذَا الدِّينَ الْحَقَّ هُوَ أَفْضَلُ الْأَدْيَانِ، لِأَنَّ الدِّينَ هُوَ الْخُضُوعُ وَالِانْقِيَادُ وَالْعَمَلُ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ شَيْئَيْنِ، مِنْ
[ ص: 27 ] مَقْصُودٍ هُوَ الْمَعْبُودُ، وَوَسِيلَةٍ هِيَ الْحَرَكَةُ، فَأَيُّ مَعْبُودٍ يُسَامِي اللَّهَ؟ وَأَيُّ قَصْدٍ لِلْمَعْبُودِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْقَاصِدُ ذَلِيلًا لَهُ مُخْلِصًا لَهُ، لَا مُتَكَبِّرًا وَلَا مُشْرِكًا بِهِ؟ وَأَيُّ حَرَكَةٍ خَيْرٌ مِنْ فِعْلِ الْحَسَنَاتِ؟ فَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19695مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ، فَإِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلثَّوَابِ، كَمَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا أَحْسَنَ مِنْهُ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَجْهَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْقَصْدَ وَالنِّيَّةَ كَمَا قَالَ:
أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ رَبَّ الْعِبَادِ إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ
وَالْوَجْهُ مِثْلُ الْجِهَةِ، مِثْلَ الْوَعْدِ وَالْعِدَةِ، وَالْوَزْنِ وَالزِّنَةِ، وَالْوَصْلِ وَالصِّلَةِ، وَقَدْ قَرَّرْتُ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ، وَهُوَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الْخِطَابِ لِمَنْ كَانَ يُفَقِّهُ بِالْعَرَبِيَّةِ الْمَحْضَةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى إِضْمَارٍ وَلَا تَكَلُّفٍ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=123لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مَنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=124وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنَ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=125وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا .
رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=481أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
[ ص: 28 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=938159 "إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ بِالْيَهُودِيَّةِ وَلَا بِالنَّصْرَانِيَّةِ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ".
فَبَيَّنَ اللَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28639_28644أَنَّهُ لَا دِينَ أَحْسَنُ مِنْ دِينِ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ، وَهُوَ مُحْسِنٌ غَيْرُ مُسِيءٍ، وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا.
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=125وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا ، فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى مُتَابَعَةِ
إِبْرَاهِيمَ فِي مَحَبَّتِهِ لِلَّهِ، وَمَحَبَّةِ اللَّهِ لَهُ، وَلَفْظُ "أَسْلَمَ" يَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْإِخْلَاصُ، وَالثَّانِي الِاتِّبَاعُ وَالْإِذْلَالُ. كَمَا أَنَّ "أَسْلَمَ" إِذَا اسْتُعْمِلَ لَازِمًا مِثْلَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=128رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ،
nindex.php?page=treesubj&link=19696_19611_28973وَقَوْلِهِ: nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=131أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ، يَتَضَمَّنُ الْخُضُوعَ لِلَّهِ وَالْإِخْلَاصَ لَهُ.
وَضِدُّ ذَلِكَ إِمَّا الْكِبْرُ وَإِمَّا الشِّرْكُ، وَهُمَا أَعْظَمُ الذُّنُوبِ، وَلِهَذَا كَانَ الدِّينُ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامَ، فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ أَنْ نَعْبُدَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَبِهِ بُعِثَتِ الرُّسُلُ جَمِيعُهَا، وَمِنْ عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ أَنْ لَا نُشْرِكُ بِهِ، وَلَا نَتَكَبَّرَ عَنْ أَمْرِهِ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْإِيمَانِ بِجَمِيعِ كُتُبِهِ،
[ ص: 29 ] وَجَمِيعِ رُسُلِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنِ الْعَبْدُ مُسْلِمًا لَهُ، وَلَا مُسْلِمًا وَجْهَهُ لَهُ، إِذَا امْتَنَعَ عَنِ الْإِيمَانِ بِشَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَهَذَا هُوَ الْإِسْلَامُ الْعَامُّ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَأُمَمِهِمِ الْمُتَّبَعِينَ غَيْرِ الْمُبَدِّلِينَ.