125 - ( فصل )
: حديث ومما يدل على صحة تعيين المطلقة بالقرعة في عتق الأعبد الستة ، فإن تصرفه في الجميع لما كان باطلا ، جعل كأنه أعتق ثلثا منهم غير معين ، فعينه النبي صلى الله عليه وسلم بالقرعة ، والطلاق كالعتاق في هذا ، لأن كل واحد منهما إزالة ملك مبني على التغليب والسراية ، فإذا اشتبه المملوك في كل منهما بغيره : لم يجعل التعيين إلى اختيار المالك . عمران بن حصين
فإن قيل : العتاق أصله الملك ، فلما دخلت القرعة في أصله وهو الملك في حال القسمة ، وطرح القرعة على السهام ، دخلت لتمييز الملك من الحرية ، وليس كذلك الطلاق ، لأن أصله النكاح ، والنكاح لا تدخله القرعة ، فكذلك الطلاق .
قيل : ومن سلم لكم أن القرعة لا تدخل في النكاح ، بل الصحيح من الروايتين . دخولها فيه ، فيما إذا زوجها الوليان ، ولم يعلم السابق منهما ، فإنا نقرع بينهما ، فمن خرجت عليه القرعة حكم له بالنكاح ، وأنه هو الأول ، هذا منصوص في رواية أحمد ابن منصور . وحنبل
ونقل أبو الحارث ومهنا : لا يقرع في ذلك . وعلى هذا : فلا يلزم إذا لم تدخل القرعة في الحكم : ألا تدخل في رفعه ، فإن حد الزنا لا يثبت [ ص: 256 ] بشهادة النساء ، ويسقط بشهادتين ، وهو ما إذا شهد عليها بالزنا ، فذكرت أنها عذراء ، وشهد بذلك النساء كذلك لو قال - وقد رأى طائرا - إن كان هذا غرابا ففلانة طالق ، وإن لم يكن غرابا ففلان حر ، ولم يعلم ما هو ؟ فإنه يقرع بين المرأة والعبد عندكم أيضا ، فيحكم بما خرجت به القرعة فإن قلتم هنا : لم تدخل القرعة في الطلاق بانفراده ، بل دخلت للتمييز بينه وبين العتق ، والقرعة تدخل في العتق ، بدليل حديث الأعبد الستة .
قيل : إذا دخلت للتمييز بين الطلاق والعتاق دخلت للتمييز بين المطلقة وغيرها ، وكل ما قدر من المانع في أحد الموضعين ، يجري في الآخر سواء بسواء .
وأيضا فإذا كانت القرعة تخرج المعتق من غيره ، فإخراجه للمطلقة أولى وأحرى ، فإن إخراج منفعة البضع من ملكه ، أسهل من إخراج عين الرقبة ، وإبقاء الرق في العين أبدا أسهل من إبقاء بعض المنافع ، وهي منفعة البضع ، فإذا صلحت القرعة لذلك فهي لما دونه أقبل ، وهذا في غاية الظهور . وأيضا : فاشتباه المطلقة بغيرها لا يمنع استعمال القرعة .
ودليله : مسألة الطائر ، وقوله : إن كان غرابا فنسائي طوالق ، وإن لم يكن فعبيدي أحرار .
فإن قلتم : قد يستعمل الشيء في حكم ، ولا يستعمل في آخر ، كالشاهد واليمين ، والرجل والمرأتين ، يقبل في الأموال ، دون الحدود والقصاص . يوضحه : أنه : غرمناه المال ، ولم نقطعه ، فكذا هاهنا : استعملنا القرعة في الرق والحرية ، دون الطلاق للحاجة . لو ادعى سرقة ، وأقام شاهدا وحلف معه
قيل : الحاجة في إخراج المطلقة من غيرها كالحاجة في إخراج المعتق من غيره سواء ، وإذا دخلت للتمييز بين الفرج المملوك بملك اليمين وغيره : صح دخولها للتمييز بين الفرج المملوك بعقد النكاح وغيره ، ولا فرق ، ولا يشبه ذلك مسألة القطع والغرم في أنه يثبت أحدهما بما لا يثبت به الآخر ; لأنهما يختلفان في الأحكام وفيما يثبت به كل واحد منهما ، والعتق والطلاق يتفقان في الأحكام ، وهو أن كل واحد منهما مبني على التغليب والسراية ، ويثبت بما يثبت به الآخر .
وأيضا : فإن الحقوق إذا تساوت على وجه لا يمكن التمييز بينها إلا بالقرعة : صح استعمالها فيها ، كما قلتم في الشريكين إذا كان بينهما مال ، فأراد قسمته ، فإن الحاكم يجزئه ويقرع بينهما ، وكذلك إذا أراد أن يسافر بإحدى نسائه ، وكذلك إذا أعتق عبيده الذين لا مال له سواه في مرضه ، وكذلك إذا تساوى المدعيان في الحضور عند الحاكم ، وكذلك الأولياء في النكاح إذا تساووا في الدرجة وتشاحوا في العقد : أقرع بينهم وكذلك إذا : أقرع بينهم ، فمن قرع قتل له ، وأخذت الدية للباقين . [ ص: 257 ] فإن قلتم : التراضي على القسمة من غير قرعة جائز ، وكذلك بين النساء إذا أراد السفر ، ولا كذلك هاهنا ، لأن التراضي على فسخ النكاح ونقله من محل إلى محل لا يجوز . قلنا : ليست القرعة في الطلاق نقلا له عمن استحقه إلى غيره ، بل هي كاشفة عمن توجه الطلاق إليها ووقع عليها . قتل جماعة في حالة واحدة ، وتشاح الأولياء في المقتص
126 - ( فصل )
قال المعينون بالاختيار : قد حصل التحريم في واحدة لا بعينها ، فكان له تعيينها باختياره ، كما لو أسلم الحربي وتحته خمس نسوة ، أو أختان : اختار .
قال أصحاب القرعة : هذا القياس مبطل ، أولا بالمنسية ، فإن المحرمة منهن بعد النسيان غير معينة ، وليس له تعيينها . وهذا الجواب غير قوي ، فإن التحريم هاهنا وقع في معينة ، ثم أشكلت ، بل الجواب الصحيح ، أن يقال : لا تطلق عليه الأخت والخامسة بمجرد الإسلام ، بل إذا عين الممسكات أو المفارقات : حصلت الفرقة من حين التعيين ، ووجبت العدة من حينئذ .
وسر المسألة : أن الشارع خيره بين من يمسك ومن يفارق ; نظرا له ، وتوسعة عليه ، ولو أمره بالقرعة هاهنا فربما أخرجت القرعة عن نكاحه من يحبها ، وأبقت عليه من يبغضها ، ودخوله في الإسلام يقتضي ترغيبه فيه ، وتحبيبه إليه ، فكان من محاسن الإسلام : رد ذلك إلى اختياره وشهوته ، بخلاف ما إذا طلق هو من تلقاء نفسه واحدة منهن . إلا أن القياس الذي احتجوا به فاسد أيضا ، فإنه ينكسر بما إذا اختلطت زوجته بأجنبية ، أو ميتة بمذكاة ، فإنه ليس له تعيين المحرمة .
فإن قيل : ولا إخراجها بالقرعة . قلنا : نحن لم نستدل بدليل يرد علينا فيه هذا ، بخلاف من استدل بمن ينكسر عليه بذلك .
فإن قيل : والتحريم هاهنا كان في معين ثم اشتبه . قيل : لما اشتبه وزال دليل تعيينه : صار كالمبهم ، وهذا حجة عليكم ، حيث حرم الجميع ، لإبهام المحرمة منهن . مالك
قال أصحاب التعيين : التحريم هاهنا حكم تعلق بفرد لا بعينه من جملة فكان المرجع في تعيينه إلى المكلف ، كما لو باع قفيزا من صبرة . [ ص: 258 ]
وقال أصحاب القرعة : الإبهام إنما يصح في البيع ، حيث تتساوى الأجزاء ، ويقوم كل جزء منها مقام الآخر في التعيين . فلا تفيد القرعة هاهنا قدرا زائدا على التعيين ، وليس كذلك الطلاق ، فإن محله لا تتساوى أفراده ، ولا الغرض منه ، فهو بمسألة المسافر بإحدى الزوجات أشبه منه بمسألة القفيز من الصبرة ، ألا ترى أن التهمة تلحق في التعيين هاهنا ، وفي مسألة القسمة ، وفي مسألة الطلاق ، ولا تلحق في التعيين في مسألة القفيز من الصبرة المتساوية ؟ وهذا فقه المسألة : أن الموضع الذي تلحق فيه التهمة شرعت فيه القرعة نفيا لها وما لا تلحق فيه لا فائدة فيها . على أن هذا القياس منتقض بما إذا أعتق عبدا مبهما من عبيده ، أو أراد السفر بإحدى نسائه .
قال أصحاب التعيين : لما كان له تعيين المطلقة في الابتداء ، كان له تعيينها في ثاني الحال باختياره .
قال أصحاب القرعة : هذا قياس فاسد ، فإنه في الابتداء لم يتعلق بالتعيين حق لغير المطلقة ، وبعد الإيقاع قد تعلق به حقهن ، فإن كل واحدة منهن قد تدعي أن الطلاق واقع عليها ، لتملك به بضعها ، أو واقع على غيرها لتستبقي به نفقتها وكسوتها ، فلم يملك هو تعيينه للتهمة ، بخلاف الابتداء .
قال المبطلون للقرعة : القرعة قمار وميسر ، وقد حرمه الله في سورة المائدة ، وهي من آخر القرآن نزولا ، وإنما كانت مشروعة قبل ذلك .
وقال أصحاب القرعة : قد شرع الله ورسوله القرعة ، وأخبر بها عن أنبيائه ورسله ، مقررا لحكمها ، غير ذام لها ، وفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده ، وقد صانهم الله سبحانه عن القمار بكل طريق ، فلم يشرع لعباده القمار قط ، ولا جاء به نبي أصلا ، فالقرعة شرعه ودينه ، وسنة أنبيائه ورسله .
وقال المانعون من القرعة : قد اشتبهت المحللة بالمحرمة على وجه لا تبيحه الضرورة ، فلم يمكن له إخراجها بالقرعة ، كما لو اشتبهت أخته بأجنبية ، أو ميتة بمذكاة .
وقال أصحاب القرعة : الفرق أننا هاهنا نستصحب أصل التحريم ، ولا نزيله بالشك ، بخلاف مسألتنا ، فإن التحريم الأصلي قد زال بالنكاح ، وشككنا في وقوع التحريم الطارئ بأي واحدة منهن وقع ، فلا يصح إلحاق إحدى الصورتين بالأخرى .
قال المانعون : قد تخرج القرعة غير المطلقة ، فإنها ليس لها من العلم والتمييز ما تخرج به المطلقة بعينها .
وقال المقرعون : هذا - أولا - اعتراض على السنة ، فهو مردود . وأيضا : فإن التعيين بها أولى من التعيين بالاعتراض والتشهي ، أو جعل المرأة معلقة إلى الموت ، أو إيقاع الطلاق بأربع لأجل إيقاعه بواحدة منهن . [ ص: 259 ]
وأيضا : فإن القرعة مزيلة للتهمة . وأيضا : فإنها تفويض إلى الله ليعين بقضائه وقدره ما ليس لنا سبيل إلى تعيينه ، والله أعلم .
فإن قيل : فما تقولون فيما نقله أبو طالب عن في أحمد فقال : يقرع بينهن ، وهذا يدل على أنه يقرع عند اختلاط أخته بأجنبية . رجل زوج ابنته رجلا ، وله بنات ، فمات ، ولم يدر أيتهن هي ؟
قيل : قد جعل القاضي ذلك رواية عن الإمام أبو يعلى ، وقال : وظاهر هذا : أن الزوجة إذا اختلطت بأجانب أقرع بينهن ، لأنه أجاز القرعة بينها وبين أخواتها إذا اختلطت بهن . قلت : هذا وهم من أحمد ، فإن القاضي لم يقرع للحل ، وإنما أقرع للميراث والعدة ، ونحن نذكر نصوصه بألفاظها . أحمد
قال في " الجامع " : باب الخلال أنبأنا الرجل يكون له أربع بنات ، فزوج إحداهن ، فمات الأب ومات الزوج ، ولا يدري أيتهن هي الزوجة ؟ أبو النضر أن أبا عبد الله قال : قال - في رجل له أربع بنات ، فزوج إحداهن ، لا يدري أيتهن هي - إنه يقرع بينهن ، أخبرني سعيد بن المسيب زهير بن صالح حدثنا أبي ، حدثنا ، أنبأنا يزيد بن هارون ، عن حماد بن سلمة : أن رجلا زوج ابنته من رجل ، فمات الأب والزوج ، ولا يدري الشهود أي بناته هي ؟ فسألت قتادة ، فقال : يقرع بينهن ، فأيتهن أصابتها القرعة ورثت واعتدت . سعيد بن المسيب
وقال حماد : سألت حماد بن أبي سليمان ؟ فقال : يرثن جميعا ويعتددن جميعا .
وقال صالح قال أبي : قد ورث من ليس لها ميراث ، وأوجب العدة على من ليس عليها عدة ، والذي يقرع : في حال يكون قد أصاب ، وفي حال يكون قد أخطأ ، وذاك لا شك أنه قد ورث من ليس لها ميراث .
قال : أنبأنا الخلال يحيى بن جعفر ، قال : قال عبد الوهاب : سألت عن رجل زوج إحدى بناته - وسماها - ومات الأب والزوج ، ولا يدري أيتهن هي ؟ فحدثنا عن سعيدا عن قتادة الحسن ، أنهما قالا : يقرع بينهن ، فأيتهن أصابتها القرعة فلها الصداق ، ولها الميراث ، وعليها العدة ، أخبرني وسعيد بن المسيب ، حدثنا محمد بن علي ، حدثنا الأثرم عارم ، حدثنا ، عن حماد بن سلمة ، عن قتادة أنه قال - في رجل زوج إحدى بناته رجلا ، فمات ، ومات الزوج ، ولم تدر البينة أيتهن هي - ؟ قال : يقرع بينهن ، فإذا قرعت واحدة : ورثت ، واعتدت . سعيد بن المسيب
وحدثنا أبو بكر حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن ، عن قتادة سعيد بن المسيب والحسن قالا : يقرع بينهن .
قال : وحدثني حنبل أبو عبد الله ، حدثنا ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن حماد بن سلمة ، [ ص: 260 ] أن رجلا زوج ابنته من رجل ، فمات الزوج ، ومات الأب ، ولم يدر الشهود : أي بناته هي ؟ فسألت قتادة رحمه الله ؟ قال : يقرع بينهن ، وأيتهن أصابت القرعة ورثت واعتدت . سعيد بن المسيب
قال : فسألت حماد بن سلمة حماد بن أبي سليمان عن ذلك ؟ فقال : يرثن ويعتددن جميعا .
قال : فسألت حنبل عن ذلك ؟ فقال : يقرع بينهن على قول أبا عبد الله . سعيد بن المسيب
وقال : قال حنبل : حدثنا عفان همام ، قال : سئل عن رجل خطب إلى رجل ابنة له ، وله بنات فأنكحه ، ومات الخاطب ، ولم يدر الأب أيتهن خطب ؟ فقال قتادة : يقرع بينهن ، فأيتهن أصابتها القرعة . فلها الصداق والميراث ، وعليها العدة . سعيد
قال : سمعت حنبل يقول : أذهب إلى هذا ، وكذلك رواية أبا عبد الله أبي طالب التي ذكرها القابسي . قال أخبرني الخلال أحمد بن محمد بن مطر أن أبا طالب حدثه : أنه سأل عن رجل زوج ابنته رجلا ، وله بنات فماتا ، ولم تدر البينة أيتهن هي ، قال : يقرع بينهن ، فإذا قرعت واحدة ورثت ، قلت أبا عبد الله حماد يقول : يرثن جميعا ، قال : يقرع بينهم ، وقال : القرعة أبين ، إذا أقرع فأعطى واحدة لعلها أن تكون صاحبته ولا يدري ، هو في شك ، فإذا أعطاهن فقد علم أنه أعطى من ليس له حق . فنصوص وما نقله عن أحمد سعيد والحسن : إنما فيه القرعة بينهن في الميراث ، وهي قرعة على مال ، وليس فيه القرعة عند اختلاط الزوجة بغيرها . لكن في رواية : ما يدل على جريان القرعة في الحياة وبعد الموت ، فإنه قال : يقرع بينهن ، فأيتهن أصابتها القرعة فهي امرأته ، وإن مات الزوج فهي التي ترثه أيضا ، فهذه أصرح من رواية حنبل أبي طالب .
ولكن أكثر الروايات عن ، إنما هي في القرعة عن الميراث ، كما ذكر من ألفاظه ، على أنه لا يمتنع أن يقال بالقرعة في هذه المسألة على ظاهر رواية أحمد ، فإن أكثر ما فيه : تعيين الزوجة بالقرعة ، والتمييز بينها وبين من ليست بزوجة ، وهذا حقيقة الإقراع في مسألة المطلقة ، فإن القرعة تميز الزوجة من غيرها ، وكذلك حنبل : فإنه يقرع ، على أصح الروايتين ، وذلك لتمييز الزوج من غيره ، فما الفرق بين تمييز الزوج بالقرعة وتمييز الزوجة بها ؟ فالإقراع هاهنا ليس بعيدا من الأصول . ويدل عليه : أنا نوجب عليها العدة بهذه القرعة ، والعدة من أحكام النكاح ، ولا سيما فالعدة [ ص: 261 ] الواجبة هاهنا عدة من غير مدخول بها ، فهي من نكاح محض ، وكذلك الميراث ، فإنه لولا ثبوت النكاح لما ورثت . لو زوجها الوليان من رجلين ، وجهل السابق منهما
وقول في رواية أحمد : " يقرع بينهن فأيتهن أصابتها القرعة فهي امرأته " ، صريح في ثبوت الزوجية بالقرعة ، ثم قال : " وإن مات الزوج فهي التي ترثه " وهذا صريح في أنه يقرع بينهن في حال حياة الزوج والزوجة ، وإن مات بعد القرعة ورثته بحكم النكاح ، ولا إشكال في ذلك بحمد الله ، فإذا أقرع بينهن فأصابت القرعة إحداهن : كان رضا الزوج بها ورضا وليها ورضاها تصحيحا للنكاح . ولا يقال : يجوز أن تكون القرعة أصابت غيرها ، فيكون جامعا بين الأختين ، لأن المجهول كالمعدوم ، ولأنا نأمره أن يطلق غير التي أصابتها القرعة ، فيقول : ومن عدا هؤلاء فهي طالق احتياطا ، فهذا خير من توريث الجميع وحرمان الجميع ; وأن يوقف الأمر فيهن أبدا حتى يتبين الحال وينكشف ، وقد لا يتبين إلى اليوم . حنبل
وبالجملة : فالقرعة طريق شرعي ، شرعه الله ورسوله للتمييز عند الاشتباه ، فسلوكه أولى من غيره من الطرق . وقد قال : إذا طلق امرأة من نسائه لا بعينها ، فإنه لا يحال بينه وبينهن ، وله أن يطأ أيتهن شاء ، فإذا وطئ انصرف الطلاق إلى الأخرى ، واختاره أبو حنيفة من الشافعية ، فجعلوا الوطء تعيينا . ومعلوم أن التعيين بالقرعة أولى من التعيين بالوطء ، فإن القرعة تخرج من قدر الله إخراجه بها ، ولا يتهم بها ، والوطء تابع لإرادته وشهوته ، ويجوز أن يشتهي غير من كان في نفسه إرادة طلاقها ، فهو متهم ، فالتعيين بالطريق الشرعي أولى من التعيين بالتشهي والإرادة . ابن أبي هريرة
ومما يوضحه : أن قد قال - فيما أبا حنيفة - أن الوطء لا يعين المعتقة من غيرها . إذا أعتق إحدى أمتيه ، ثم وطئ إحداهما
وقال أصحابه : الفرق بينهما أن الطلاق يوجب التحريم ، وذلك ينفي النكاح ، فلما وطئ إحداهما دل على أنه مختار أن تكون زوجته ، فإنه لا يطأ من ليست زوجته ، وأما العتق : فإنه - وإن أوجب تحريم الوطء - فلا ينافي ملك اليمين ، كأخته من الرضاع .
فقال المنازعون لهم : الطلاق لا يوجب التحريم عندكم ، فإن الرجعة مباحة ، وإنما الموجب للتحريم : انقضاء العدة واستيفاء العدد .
وقد صرح أصحابكم بذلك ، على أن النكاح - وإن نافاه التحريم - فالملك ينافيه التحريم ، فهما متساويان في أن الوطء لا يجوز إلا في ملك ، وهو متحقق لملك الموطوءة .