الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                    129 - ( فصل )

                    فإن قيل : فما تقولون فيما إذا خرجت القرعة على امرأة ، ثم ذكر بعد ذلك أن المطلقة غيرها . قيل : تعود إليه من حين وقعت عليها القرعة ، ويقع الطلاق بالمذكورة ، فإن القرعة إنما كانت لأجل الاشتباه ، وقد زال بالتذكر ، إلا أن تكون التي وقعت عليها القرعة قد تزوجت ، أو كانت القرعة بحكم الحاكم ، فإنها لا تعود إليه ، نص عليه الإمام أحمد .

                    قال الخلال : أخبرني الميموني : أنه ناظر أبا عبد الله في مسألة الذي له أربع نسوة ، فطلق واحدة منهن ، ثم لم يدر ، قال : يقرع بينهن ، وكذلك في الأعبد ، قلت : فإن أقرع بينهن ، فوقعت القرعة [ ص: 264 ] على واحدة ، ثم ذكر التي طلق ؟ قال : ترجع إليه ، والتي ذكر أنه طلق يقع الطلاق عليها ، قلت : فإن تزوجت ؟ قال : هو إنما دخل في القرعة لأنه اشتبه عليه ، فإذا تزوجت فذا شيء قد مر ، فقال له رجل : فإن كان الحاكم أقرع بينهن ؟ قال : لا أحب أن ترجع إليه ، لأن الحاكم في ذا أخبر منه ، فرأيته يغلظ أمر الحاكم إذا دخل في الإقراع بينهن .

                    وقد توقف في الجواب في رواية أبي الحارث ، فإنه قال : سألت أبا عبد الله ، قلت : فإن طلق واحدة من أربع وأقرع بينهن ، فوقعت القرعة على واحدة ، وفرق بينه وبينها ، ثم ذكر وتيقن - بعدما فرق الحاكم بينهما - أن التي طلق في ذلك الوقت : هي غير التي وقعت عليها القرعة ؟ قال : اعفني من هذه ، قلت : فما ترى العمل فيها ؟ قال : دعها ، ولم يجب فيها بشيء .

                    قلت : أما إذا تزوجت فلا يقبل قوله : إن المطلقة كانت غيرها ، لما فيه من إبطال حق الزوج . فإن قيل : فلو أقام بينة أن المطلقة غيرها . قيل : لا ترد إليه أيضا ، فإن القرعة تصيب طريقا إلى وقوع الطلاق فيمن أصابتها ، ولو كانت غير المطلقة في نفس الأمر ، فالقرعة فرقت بينهما ، وتأكدت الفرقة بتزويجها .

                    فإن قيل : فهذا ينتقض بما إذا ذكر قبل أن تنكح . قيل : أما إذا انقضت عدتها وملكت نفسها ، ففي قبول قوله عليها نظر ، فإن صدقته أن المطلقة كانت غيرها ، فقد أقرت له بالزوجية ، ولا منازع له وأما إذا ذكر ، وهي في العدة ، فإن كان الطلاق رجعيا فلا إشكال ، فإنه يملك رجعتها بغير رضاها ، فيقبل قوله إن المطلقة غيرها ، وإن كان الطلاق بائنا ، فله عليه حق حبس العدة ، وهي محبوسة لأجله ، والفراش قائم ، حتى ولو أتت بولد في مدة الإمكان لحقه ، فإذا ذكر أن المطلقة غيرها كان القول قوله ، كما لو شهدت بينة بأنه طلقها ، ثم رجع الشهود ; ولكن لما كانت البينة غير متهمة ردت إليه مطلقا ، بخلاف قوله : إن المطلقة غيرها ، فإنه متهم فيه ، وكذلك لا ترد إليه بعد نكاحها ، ولا بعد حكم الحاكم .

                    والقياس : أنها لا ترد إليه بعد انقضاء عدتها وملكها نفسها ، إلا أن تصدقه ، ولهذا لو قال بعد انقضاء عدتها : كنت راجعتك قبل انقضاء العدة ، لم تقبل منه إلا ببينة أو تصديقها ، ولو قال ذلك والعدة باقية ، قبل منه لأنه يملك إنشاء الرجعة .

                    وأما إذا كانت القرعة بحكم الحاكم : فإن حكمه يجري مجرى التفريق بينهما فلا يقبل قوله : إن المطلقة غيرها .

                    التالي السابق


                    الخدمات العلمية