5 - ( فصل )
ومن ذلك { عفراء لما تداعيا قتل أبي جهل ، فقال صلى الله عليه وسلم : هل مسحتما سيفيكما ؟ . قالا : لا ، قال فأرياني سيفيكما . فلما نظر فيهما ، قال لأحدهما : هذا قتله وقضى له بسلبه } . أن ابني
وهذا من أحسن الأحكام ، وأحقها بالاتباع ، فالدم في النصل شاهد عجيب . وبالجملة : فالبينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره ومن خصها بالشاهدين ، أو الأربعة ، أو الشاهد لم يوف مسماها حقه .
ولم تأت قط في القرآن مرادا بها الشاهدان وإنما أتت مرادا بها الحجة والدليل والبرهان ، مفردة مجموعة وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : { البينة } المراد به : أن عليه بيان ما يصحح دعواه ليحكم له ، والشاهدان من البينة ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها ، لدلالة الحال على صدق المدعي . البينة على المدعي
فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد ، والبينة والدلالة والحجة والبرهان والآية والتبصرة والعلامة والأمارة : متقاربة في المعنى .
وقد روى وغيره عن ابن ماجه قال : { جابر بن عبد الله خيبر ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له : إني أريد الخروج إلى خيبر ، فقال : إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا ، [ ص: 12 ] فإذا طلب منك آية ، فضع يدك على ترقوته } فهذا اعتماد في الدفع إلى الطالب على مجرد العلامة ، وإقامة لها مقام الشاهد . أردت السفر إلى
فالشارع لم يلغ القرائن والأمارات ودلالات الأحوال ، بل من استقرأ الشرع في مصادره وموارده وجده شاهدا لها بالاعتبار ، مرتبا عليها الأحكام وقول : " ليس هذا فراسة " ، فيقال : ولا محذور في تسميته فراسة ، فهي فراسة صادقة . أبي الوفاء ابن عقيل
وقد مدح الله سبحانه الفراسة وأهلها في مواضع من كتابه ، فقال تعالى : { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } وهم المتفرسون الآخذون بالسيما ، وهي العلامة ، يقال : تفرست فيك كيت وكيت وتوسمته .
وقال تعالى : { ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم } وقال تعالى : { يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم } وفي " جامع الترمذي " مرفوعا : { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } } . اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله ، ثم قرأ {