113 - ( فصل )
وأما ، فمشروع أيضا في مواضع مخصوصة في مذهب التعزير بالعقوبات المالية مالك ، وأحد قولي وأحمد ، وقد جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه بذلك في مواضع : [ ص: 225 ] منها : إباحته صلى الله عليه وسلم سلب الذي يصطاد في الشافعي حرم المدينة لمن وجده . ومثل : أمره صلى الله عليه وسلم بكسر دنان الخمر وشق ظروفها ( 31 ) . ومثل : أمره بأن يحرق الثوبين المعصفرين ( 33 ) . ومثل : أمره صلى الله عليه وسلم - يوم لعبد الله بن عمر خيبر - بكسر القدور التي طبخ فيها لحم الحمر الإنسية . ثم استأذنوه في غسلها ، فأذن لهم . فدل على جواز الأمرين ، لأن العقوبة لم تكن واجبة بالكسر .
ومثل : هدمه مسجد الضرار . ومثل : تحريق متاع الغال ( 25 ) . [ ص: 226 ]
ومثل : حرمان السلب الذي أساء على نائبه . ومثل : إضعاف الغرم على سارق ما لا قطع فيه من الثمر والكثر ( 28 ) . ومثل : إضعافه الغرم على كاتم الضالة ( 29 ) .
ومثل : أخذه شطر مال مانع الزكاة ، عزمة من عزمات الرب تبارك وتعالى ( 30 ) . ومثل أمره لابس خاتم الذهب بطرحه ، فطرحه ، فلم يعرض له أحد . ومثل : تحريق موسى عليه السلام العجل وإلقاء برادته في اليم .
ومثل : قطع نخيل اليهود ، إغاظة لهم .
ومثل : تحريق عمر رضي الله عنهما المكان الذي يباع في الخمر . وعلي
ومثل : تحريق قصر عمر ، لما احتجب فيه عن الرعية وهذه قضايا صحيحة معروفة ، وليس يسهل دعوى نسخها . سعد بن أبي وقاص
ومن قال : إن العقوبات المالية منسوخة ، وأطلق ذلك ، فقد غلط على مذاهب الأئمة نقلا واستدلالا ، فأكثر هذه المسائل : سائغ في مذهب وغيره ، وكثير منها سائغ عند أحمد ، وفعل الخلفاء الراشدين وأكابر الصحابة لها بعد موته صلى الله عليه وسلم مبطل أيضا لدعوى نسخها ، والمدعون للنسخ ليس معهم كتاب ولا سنة ، ولا إجماع يصحح دعواهم ، إلا أن يقول أحدهم : مذهب أصحابنا عدم جوازها ، فمذهب أصحابه عيار على القبول والرد ، وإذا ارتفع عن هذه الطبقة ، ادعى أنها منسوخة بالإجماع ، وهذا غلط أيضا . فإن الأمة لم تجمع على نسخها ، ومحال أن ينسخ الإجماع السنة ، ولكن [ ص: 227 ] لو ثبت الإجماع لكان دليلا على نص ناسخ . مالك
قال في كتاب البيان " له : ولصاحب الحسبة الحكم على من غش في أسواق المسلمين في خبز أو لبن أو عسل ، أو غير ذلك من السلع ، بما ذكره أهل العلم في ذلك ، فقد قال ابن رشد في " المدونة " : " إن مالك كان يطرح اللبن المغشوش في الأرض " ، أدبا لصاحبه ، وكره ذلك في رواية عمر بن الخطاب ابن القاسم ، ورأى أن يتصدق به ، ومنع من ذلك في رواية أشهب ، وقال : لا يحل ذنب من الذنوب مال إنسان ، وإن قتل نفسا .
وذكر ابن الماجشون عن - في الذي غش اللبن - مثل الذي تقدم في رواية مالك أشهب .
قال ابن حبيب : فقلت لمطرف وابن الماجشون : فما وجه الصواب عندكما فيمن غش أو نقص في الوزن ؟ قالا : يعاقب بالضرب والحبس والإخراج من السوق ، وما غش من الخبز واللبن ، أو غش في المسك والزعفران : فلا يهراق ولا ينهب .
قال ابن حبيب : ولا يرده الإمام عليه ، وليأمر ثقته ببيعه عليه ممن يأمن ألا يغش به ، ويكسر الخبز إذا كسد ، ثم يسلمه لصاحبه ، ويباع عليه العسل والسمن واللبن الذي يغشه ممن يأكله ، ويبين له غشه ، وهكذا العمل في كل ما غش من التجارات ، وهو إيضاح ما استوضحته من أصحاب وغيرهم . مالك
وروي عن : أن المستحسن عنده ، أن يتصدق به ، إذ في ذلك عقوبة الغاش بإتلافه عليه ، ونفع المساكين بإعطائهم إياه . ولا يهراق . وقيل مالك : فالزعفران والمسك ، أتراه مثله ؟ قال : ما أشبهه بذلك ، إذا كان هو الذي غشه ، فهو كاللبن . لمالك
قال ابن القاسم : هذا في الشيء الخفيف ثمنه ، فأما إذا كثر ثمنه : فلا أرى ذلك ، وعلى صاحبه العقوبة ، لأنه تذهب في ذلك أموال عظام ، تزيد في الصدقة بكثير .
قال : قال بعض الشيوخ : وسواء - على مذهب ابن رشد - كان ذلك يسيرا أو كثيرا ، لأنه يسوي في ذلك بين الزعفران واللبن والمسك قليله وكثيره . مالك
وخالفه ابن القاسم ، فلم ير أن يتصدق من ذلك إلا بما كان يسيرا . ذلك : إذا كان هو الذي غشه ، فأما من وجد عنده من ذلك شيء مغشوش لم يغشه هو ، وإنما اشتراه ، أو وهب له ، أو ورثه : فلا خلاف أنه لا يتصدق بشيء من ذلك ، والواجب : أن يباع ممن يؤمن أن يبيعه من غيره مدلسا به ، وكذلك ما وجب أن يتصدق به من المسك والزعفران : يباع على الذي غشه . [ ص: 228 ]
وقول ابن القاسم في أنه لا يتصدق من ذلك إلا بالشيء اليسير : أحسن من قول ، لأن الصدقة بذلك من العقوبات في الأموال ، وذلك أمر كان في أول الإسلام . ومن ذلك : ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في مانع الزكاة : { مالك } ( 30 ) . إنا آخذوها وشطر ماله ، عزمة من عزمات ربنا
وروي عنه في حريسة النخل : { } وما روي عنه : { أن فيها غرامة مثلها وجلدات نكال حرم المدينة شيئا ، فلمن وجده سلبه } . أن من وجد يصيد في
ومثل هذا كثير : نسخ ذلك كله ، والإجماع على أنه لا يجب ، وعادت العقوبات في الأبدان ، فكان قول ابن القاسم أولى بالصواب استحسانا ، والقياس : أنه لا يتصدق من ذلك بقليل ولا كثير ، انتهى كلامه . وقد عرفت أنه ليس مع من ادعى النسخ نص ولا إجماع .
والعجب : أنه قد ذكر نص وفعل مالك ، ثم جعل قول عمر ابن القاسم أولى ، ونسخ النصوص بلا ناسخ ، فقول عمر والصحابة وعلي ومالك : أولى بالصواب بل هو إجماع الصحابة ، فإن ذلك اشتهر عنهم في قضايا متعددة جدا ولم ينكره منهم منكر ، وأحمد يفعله بحضرتهم ، وهم يقرونه ، ويساعدونه عليه ، ويصوبونه في فعله ، والمتأخرون كلما استبعدوا شيئا ، قالوا : منسوخ ، ومتروك العمل به . وعمر
وقد أفتى ابن القطان في الملاحف الرديئة النسج بالإحراق بالنار ، وأفتى ابن عتاب فيها بتقطيعها خرقا ، وإعطائها للمساكين ، إذا تقدم لمستعملها فلم ينته ، ثم أنكر ابن القطان ذلك ، وقال : لا يحل هذا في مال مسلم بغير إذنه ، يؤدب فاعل ذلك بالإخراج من السوق .
وأنكر ذلك القاضي ، وقال : هذا اضطراب في جوابه ، وتناقض في قوله ، لأن جوابه في الملاحف بإحراقها بالنار : أشد من إعطائها للمساكين . أبو الأصبغ علي بن القطان
قال : وابن عتاب أضبط لأصله في ذلك وأتبع لقوله .
وفي تفسير ابن مزين " قال عيسى : قال - في مالك - إنه يقام من السوق ، فإنه أشق عليه ، يريد ، من أدبه بالضرب والحبس . الرجل يجعل في مكياله زفتا