[ ص: 210 ] [ ص: 211 ] تفسير سورة مريم عليها السلام وهي مكية .
وقد روى
محمد بن إسحاق في السيرة من حديث
أم سلمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل عن
ابن مسعود في قصة الهجرة إلى
أرض الحبشة من مكة : أن
nindex.php?page=showalam&ids=315جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، قرأ صدر هذه السورة على
النجاشي وأصحابه
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=treesubj&link=28990_31976 ( nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=1كهيعص ( 1 ) nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=2ذكر رحمة ربك عبده زكريا ( 2 ) nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=3إذ نادى ربه نداء خفيا ( 3 )
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا ( 4 )
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا ( 5 )
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا ( 6 ) ) .
أما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة البقرة .
وقوله : ( ذكر رحمة ربك ) أي : هذا ذكر رحمة الله بعبده زكريا .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17344يحيى بن يعمر " ذكر رحمة ربك عبده زكريا " .
nindex.php?page=treesubj&link=31976و ) زكريا ) : يمد ويقصر قراءتان مشهورتان . وكان نبيا عظيما من أنبياء بني إسرائيل . وفي صحيح البخاري : أنه كان نجارا ، أي : كان يأكل من عمل يديه في النجارة .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=3إذ نادى ربه نداء خفيا ) : قال بعض المفسرين : إنما أخفى دعاءه ، لئلا ينسب في طلب الولد إلى الرعونة لكبره . حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي .
وقال آخرون : إنما أخفاه لأنه أحب إلى الله . كما قال
قتادة في هذه الآية (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=3إذ نادى ربه نداء خفيا ) : إن الله يعلم القلب التقي ، ويسمع الصوت الخفي .
وقال بعض السلف : قام من الليل ، عليه السلام ، وقد نام أصحابه ، فجعل يهتف بربه يقول خفية : يا رب ، يا رب ، يا رب فقال الله : لبيك ، لبيك ، لبيك .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4قال رب إني وهن العظم مني ) أي : ضعفت وخارت القوى ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4واشتعل الرأس شيبا ) أي
[ ص: 212 ] اضطرم المشيب في السواد ، كما قال ابن دريد في مقصورته :
إما ترى رأسي حاكي لونه طرة صبح تحت أذيال الدجى واشتعل المبيض في مسوده
مثل اشتعال النار في جمر الغضا
والمراد من هذا : الإخبار عن الضعف والكبر ، ودلائله الظاهرة والباطنة .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4ولم أكن بدعائك رب شقيا ) أي : ولم أعهد منك إلا الإجابة في الدعاء ، ولم تردني قط فيما سألتك .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وإني خفت الموالي من ورائي ) : قرأ الأكثرون بنصب " الياء " من (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5الموالي ) على أنه مفعول ، وعن الكسائي أنه سكن الياء ، كما قال الشاعر :
كأن أيديهن في القاع الفرق أيدي جوار يتعاطين الورق
وقال الآخر :
فتى لو يباري الشمس ألقت قناعها أو القمر الساري لألقى المقالدا
ومنه قول أبي تمام حبيب بن أوس الطائي :
تغاير الشعر فيه إذ سهرت له حتى ظننت قوافيه ستقتتل
وقال
مجاهد ، وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : أراد بالموالي العصبة . وقال
أبو صالح : الكلالة .
وروي عن أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أنه كان يقرؤها : " وإني خفت الموالي من ورائي " بتشديد الفاء بمعنى : قلت عصباتي من بعدي .
وعلى القراءة الأولى ، وجه خوفه أنه خشي أن يتصرفوا من بعده في الناس تصرفا سيئا ، فسأل الله ولدا ، يكون نبيا من بعده ، ليسوسهم بنبوته وما يوحى إليه . فأجيب في ذلك ، لا أنه خشي من وراثتهم له ماله ، فإن النبي أعظم منزلة وأجل قدرا من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حده أن يأنف من وراثة عصباته له ، ويسأل أن يكون له ولد ، فيحوز ميراثه دونه دونهم . هذا وجه .
الثاني : أنه لم يذكر أنه كان ذا مال ، بل كان نجارا يأكل من كسب يديه ، ومثل هذا لا يجمع مالا ، ولا سيما الأنبياء ، عليهم السلام ، فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا .
الثالث : أنه قد ثبت في الصحيحين من غير وجه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=820053 " nindex.php?page=treesubj&link=25211لا نورث ، ما [ ص: 213 ] تركنا فهو صدقة " وفي رواية عند الترمذي بإسناد صحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821978 " نحن معشر الأنبياء لا نورث " وعلى هذا فتعين حمل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5فهب لي من لدنك وليا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6يرثني ) على ميراث النبوة; ولهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6ويرث من آل يعقوب ) ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=16وورث سليمان داود ) [ النمل : 16 ] أي : في النبوة; إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك ، ولما كان في الإخبار بذلك كبير فائدة ، إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث أباه ، فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها ، وكل هذا يقرره ويثبته ما صح في الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825695 " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة " .
قال
مجاهد في
nindex.php?page=treesubj&link=25211_28990قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال : كان وراثته علما وكان
زكريا من ذرية
يعقوب .
وقال
هشيم : أخبرنا
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
أبي صالح في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال : قد يكون نبيا كما كانت آباؤه أنبياء .
وقال
عبد الرزاق ، عن
معمر ، عن
قتادة ، عن
الحسن : يرث نبوته وعلمه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : يرث نبوتي ونبوة
آل يعقوب .
وعن
مالك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6ويرث من آل يعقوب ) قال : نبوتهم .
وقال
جابر بن نوح nindex.php?page=showalam&ids=17376ويزيد بن هارون ، كلاهما عن
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
أبي صالح في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال : يرث مالي ، ويرث من آل
يعقوب النبوة .
وهذا اختيار
ابن جرير في تفسيره .
وقال
عبد الرزاق : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825696 " يرحم الله زكريا ، وما كان عليه من ورثة ، ويرحم الله لوطا ، إن كان ليأوي إلى ركن شديد "
وقال
ابن جرير : حدثنا
أبو كريب ، حدثنا
جابر بن نوح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16874مبارك - هو ابن فضالة - عن
الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" رحم الله أخي زكريا ، ما كان عليه من ورثة ماله حين يقول : ( nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5فهب لي من لدنك وليا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6يرثني ويرث من آل يعقوب )
[ ص: 214 ]
وهذه مرسلات لا تعارض الصحاح ، والله أعلم .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6واجعله رب رضيا ) أي مرضيا عندك وعند خلقك ، تحبه وتحببه إلى خلقك في دينه وخلقه .
[ ص: 210 ] [ ص: 211 ] تَفْسِيرُ سُورَةِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ .
وَقَدْ رَوَى
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ مِنْ حَدِيثِ
أُمِّ سَلَمَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قِصَّةِ الْهِجْرَةِ إِلَى
أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ مَكَّةَ : أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=315جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَرَأَ صَدْرَ هَذِهِ السُّورَةِ عَلَى
النَّجَاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=28990_31976 ( nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=1كهيعص ( 1 ) nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=2ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ( 2 ) nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=3إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ( 3 )
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ( 4 )
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ( 5 )
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ( 6 ) ) .
أَمَّا الْكَلَامُ عَلَى الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَقَوْلُهُ : ( ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ) أَيْ : هَذَا ذِكْرُ رَحْمَةِ اللَّهِ بِعَبْدِهِ زَكَرِيَّا .
وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=17344يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ " ذَكَّرَ رَحْمَةَ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا " .
nindex.php?page=treesubj&link=31976وَ ) زَكَرِيَّا ) : يُمَدُّ وَيُقْصَرُ قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ . وَكَانَ نَبِيًّا عَظِيمًا مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ : أَنَّهُ كَانَ نَجَّارًا ، أَيْ : كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدَيْهِ فِي النِّجَارَةِ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=3إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ) : قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّمَا أَخْفَى دُعَاءَهُ ، لِئَلَّا يُنْسَبَ فِي طَلَبِ الْوَلَدِ إِلَى الرُّعُونَةِ لِكِبَرِهِ . حَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15151المَاوَرْدِيُّ .
وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا أَخْفَاهُ لِأَنَّهُ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ . كَمَا قَالَ
قَتَادَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=3إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ) : إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْقَلْبَ التَّقِيَّ ، وَيَسْمَعُ الصَّوْتَ الْخَفِيَّ .
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : قَامَ مِنَ اللَّيْلِ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَقَدْ نَامَ أَصْحَابُهُ ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ يَقُولُ خُفْيَةً : يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ فَقَالَ اللَّهُ : لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ) أَيْ : ضَعُفَتْ وَخَارَتِ الْقُوَى ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ) أَيِ
[ ص: 212 ] اضْطَرَمَ الْمَشِيبُ فِي السَّوَادِ ، كَمَا قَالَ ابْنُ دُرَيدٍ فِي مَقْصُورَتِهِ :
إِمَّا تَرَى رَأْسِي حَاكِيَ لَوْنُهُ طُرَّةَ صُبْحٍ تَحْتَ أذْيَالِ الدُّجَى واشْتَعَلَ المُبْيَضُّ فِي مُسْوَدِّهِ
مِثْلَ اشْتِعَالِ النَّارِ في جَمْرِ الْغَضَا
وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا : الْإِخْبَارُ عَنِ الضَّعْفِ وَالْكِبَرِ ، وَدَلَائِلِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ) أَيْ : وَلَمْ أَعْهَدْ مِنْكَ إِلَّا الْإِجَابَةَ فِي الدُّعَاءِ ، وَلَمْ تَرُدَّنِي قَطُّ فِيمَا سَأَلْتُكَ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي ) : قَرَأَ الْأَكْثَرُونَ بِنَصْبِ " الْيَاءِ " مِنَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5الْمَوَالِيَ ) عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ، وَعَنِ الْكِسَائِيِّ أَنَّهُ سَكَّنَ الْيَاءَ ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
كَأَنَّ أَيْدِيهِنَّ في القَاعِ الفَرَقْ أَيْدِي جَوَارٍ يَتَعَاطَيْنَ الْوَرَقْ
وَقَالَ الْآخَرُ :
فَتًى لو يُبَارِي الشَّمْسَ أَلْقَتْ قِنَاعَهَا أَوِ الْقَمَرَ السَّارِي لَأَلْقَى الْمَقَالِدَا
وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي تَمَّامٍ حَبِيبِ بْنِ أَوْسٍ الطَّائِيِّ :
تَغَايَرَ الشِّعْرُ فِيهِ إِذْ سَهِرْتُ لَهُ حَتَّى ظَنَنْتُ قَوَافِيهِ سَتَقْتَتِلُ
وَقَالَ
مُجَاهِدٌ ، وقَتَادَةُ ، nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيُّ : أَرَادَ بِالْمَوَالِي الْعَصَبَةَ . وَقَالَ
أَبُو صَالِحٍ : الْكَلَالَةَ .
وَرُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : " وَإِنِّي خَفَّتِ الْمَوَالِي مِنْ وَرَائِي " بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ بِمَعْنَى : قَلَّتْ عَصَبَاتِي مِنْ بَعْدِي .
وَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى ، وَجْهُ خَوْفِهِ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَتَصَرَّفُوا مِنْ بَعْدِهِ فِي النَّاسِ تَصَرُّفًا سَيِّئًا ، فَسَأَلَ اللَّهَ وَلَدَا ، يَكُونُ نَبِيًّا مِنْ بَعْدِهِ ، لِيَسُوسَهُمْ بِنُبُوَّتِهِ وَمَا يُوحَى إِلَيْهِ . فَأُجِيبَ فِي ذَلِكَ ، لَا أَنَّهُ خَشِيَ مِنْ وِرَاثَتِهِمْ لَهُ مَالَهُ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ أَعْظَمُ مَنْزِلَةً وَأَجَلُّ قَدْرًا مِنْ أَنْ يُشْفِقَ عَلَى مَالِهِ إِلَى مَا هَذَا حَدُّهُ أَنْ يَأْنَفَ مِنْ وِرَاثَةِ عَصَبَاتِهِ لَهُ ، وَيَسْأَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ، فَيَحُوزَ مِيرَاثَهُ دُونَهُ دُونَهُمْ . هَذَا وَجْهٌ .
الثَّانِي : أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ كَانَ ذَا مَالٍ ، بَلْ كَانَ نَجَّارًا يَأْكُلُ مِنْ كَسْبِ يَدَيْهِ ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجْمَعُ مَالًا ، وَلَا سِيَّمَا الْأَنْبِيَاءُ ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَزْهَدَ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=820053 " nindex.php?page=treesubj&link=25211لَا نُورَثُ ، مَا [ ص: 213 ] تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ " وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821978 " نَحْنُ مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ " وَعَلَى هَذَا فَتَعَيَّنَ حَمْلُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6يَرِثُنِي ) عَلَى مِيرَاثِ النُّبُوَّةِ; وَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=16وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ ) [ النَّمْلِ : 16 ] أَيْ : فِي النُّبُوَّةِ; إِذْ لَوْ كَانَ فِي الْمَالِ لَمَا خَصَّهُ مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِهِ بِذَلِكَ ، وَلَمَا كَانَ فِي الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ كَبِيرُ فَائِدَةٍ ، إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ الْمُسْتَقِرِّ فِي جَمِيعِ الشَّرَائِعِ وَالْمِلَلِ أَنَّ الْوَلَدَ يَرِثُ أَبَاهُ ، فَلَوْلَا أَنَّهَا وِرَاثَةٌ خَاصَّةٌ لَمَا أَخْبَرَ بِهَا ، وَكُلُّ هَذَا يُقَرِّرُهُ وَيُثْبِتُهُ مَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825695 " نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ ، مَا تَرَكَنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ " .
قَالَ
مُجَاهِدٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=25211_28990قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) قَالَ : كَانَ وِرَاثَتُهُ عِلْمًا وَكَانَ
زَكَرِيَّا مِنْ ذُرِّيَّةِ
يَعْقُوبَ .
وَقَالَ
هُشَيْمٌ : أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ
أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) قَالَ : قَدْ يَكُونُ نَبِيًّا كَمَا كَانَتْ آبَاؤُهُ أَنْبِيَاءَ .
وَقَالَ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ
مَعْمَرٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، عَنِ
الْحَسَنِ : يَرِثُ نُبُوَّتَهُ وَعِلْمَهُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : يَرِثُ نُبُوَّتِي وَنُبُوَّةَ
آلِ يَعْقُوبَ .
وَعَنْ
مَالِكٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) قَالَ : نُبُوَّتَهُمْ .
وَقَالَ
جَابِرُ بْنُ نُوحٍ nindex.php?page=showalam&ids=17376وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، كِلَاهُمَا عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ
أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) قَالَ : يَرِثُ مَالِي ، وَيَرِثُ مِنْ آلِ
يَعْقُوبَ النُّبُوَّةَ .
وَهَذَا اخْتِيَارُ
ابْنِ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ .
وَقَالَ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ : أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825696 " يَرْحَمُ اللَّهُ زَكَرِيَّا ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ وَرَثَةٍ ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا ، إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ "
وَقَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا
جَابِرُ بْنُ نُوحٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16874مُبَارَكٍ - هُوَ ابْنُ فَضَالَةَ - عَنِ
الْحَسَنِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" رَحِمَ اللَّهُ أَخِي زَكَرِيَّا ، مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ وَرَثَةِ مَالِهِ حِينَ يَقُولُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ )
[ ص: 214 ]
وَهَذِهِ مُرْسَلَاتٌ لَا تُعَارِضُ الصِّحَاحَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) أَيْ مَرْضِيًّا عِنْدَكَ وَعِنْدَ خَلْقِكِ ، تُحِبُّهُ وَتُحَبِّبُهُ إِلَى خَلْقِكَ فِي دِينِهِ وَخُلُقِهِ .