(
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=83nindex.php?page=treesubj&link=28992_31906_31797_31788_31780وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ( 83 )
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=84فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين ( 84 ) ) .
يذكر تعالى عن
أيوب ، عليه السلام ، ما كان أصابه من البلاء ، في ماله وولده وجسده ، وذلك أنه كان له من الدواب والأنعام والحرث شيء كثير ، وأولاد كثيرة ، ومنازل مرضية . فابتلي في ذلك كله ، وذهب عن آخره ، ثم ابتلي في جسده - يقال : بالجذام في سائر بدنه ، ولم يبق منه سليم سوى قلبه ولسانه ، يذكر بهما الله عز وجل ، حتى عافه الجليس ، وأفرد في ناحية من البلد ، ولم يبق من الناس أحد يحنو عليه سوى زوجته ، كانت تقوم بأمره ، ويقال : إنها احتاجت فصارت تخدم الناس من أجله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822051 " أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل " وفي الحديث الآخر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822052 " يبتلى الرجل على قدر دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه " .
وقد كان نبي الله
أيوب ، عليه السلام ، غاية في الصبر ، وبه يضرب المثل في ذلك .
وقال
يزيد بن ميسرة : لما ابتلى الله
أيوب ، عليه السلام ، بذهاب الأهل والمال والولد ، ولم يبق له شيء ، أحسن الذكر ، ثم قال : أحمدك رب الأرباب ، الذي أحسنت إلي ، أعطيتني المال والولد ، فلم يبق من قلبي شعبة ، إلا قد دخله ذلك ، فأخذت ذلك كله مني ، وفرغت قلبي ، ليس يحول بيني وبينك شيء ، لو يعلم عدوي إبليس بالذي صنعت ، حسدني . قال : فلقي إبليس من ذلك منكرا .
قال : وقال
أيوب ، عليه السلام : يا رب ، إنك أعطيتني المال والولد ، فلم يقم على بابي أحد يشكوني لظلم ظلمته ، وأنت تعلم ذلك . وأنه كان يوطأ لي الفراش فأتركها وأقول لنفسي :
[ ص: 360 ] يا نفس ، إنك لم تخلقي لوطء الفرش ، ما تركت ذلك إلا ابتغاء وجهك . رواه ابن أبي حاتم .
وقد ذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه في خبره قصة طويلة ، ساقها
ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم بالسند عنه ، وذكرها غير واحد من متأخري المفسرين ، وفيها غرابة تركناها لحال الطول .
وقد روي أنه مكث في البلاء مدة طويلة ، ثم اختلفوا في السبب المهيج له على هذا الدعاء ، فقال
الحسن وقتادة ، ابتلي
أيوب ، عليه السلام ، سبع سنين وأشهرا ، ملقى على كناسة بني إسرائيل ، تختلف الدواب في جسده ففرج الله عنه ، وعظم له الأجر ، وأحسن عليه الثناء .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه : مكث في البلاء ثلاث سنين ، لا يزيد ولا ينقص .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : تساقط لحم
أيوب حتى لم يبق إلا العصب والعظام ، فكانت امرأته تقوم عليه وتأتيه بالزاد يكون فيه ، فقالت له امرأته لما طال وجعه : يا
أيوب ، لو دعوت ربك يفرج عنك؟ فقال : قد عشت سبعين سنة صحيحا ، فهل قليل لله أن أصبر له سبعين سنة؟ فجزعت من ذلك فخرجت ، فكانت تعمل للناس بأجر وتأتيه بما تصيب فتطعمه ، وإن إبليس انطلق إلى رجلين من
فلسطين كانا صديقين له وأخوين ، فأتاهما فقال : أخوكما
أيوب أصابه من البلاء كذا وكذا ، فأتياه وزوراه واحملا معكما من خمر أرضكما ، فإنه إن شرب منه برأ . فأتياه ، فلما نظرا إليه بكيا ، فقال : من أنتما؟ فقالا : نحن فلان وفلان! فرحب بهما وقال : مرحبا بمن لا يجفوني عند البلاء ، فقالا : يا
أيوب ، لعلك كنت تسر شيئا وتظهر غيره ، فلذلك ابتلاك الله؟ فرفع رأسه إلى السماء ثم قال : هو يعلم ، ما أسررت شيئا أظهرت غيره . ولكن ربي ابتلاني لينظر أأصبر أم أجزع ، فقالا له : يا
أيوب ، اشرب من خمرنا فإنك إن شربت منه برأت . قال : فغضب وقال : جاءكما الخبيث فأمركما بهذا؟ كلامكما وطعامكما وشرابكما علي حرام . فقاما من عنده ، وخرجت امرأته تعمل للناس فخبزت لأهل بيت لهم صبي ، فجعلت لهم قرصا ، وكان ابنهم نائما ، فكرهوا أن يوقظوه ، فوهبوه لها .
فأتت به إلى
أيوب ، فأنكره وقال : ما كنت تأتيني بهذا ، فما بالك اليوم؟ فأخبرته الخبر . قال : فلعل الصبي قد استيقظ ، فطلب القرص فلم يجده فهو يبكي على أهله . [ فانطلقي به إليه . فأقبلت حتى بلغت درجة القوم ، فنطحتها شاة لهم ، فقالت : تعس
أيوب الخطاء! فلما صعدت وجدت الصبي قد استيقظ وهو يطلب القرص ، ويبكي على أهله ] ، لا يقبل منهم شيئا غيره ، فقالت : رحم الله
أيوب فدفعت القرص إليه ورجعت . ثم إن إبليس أتاها في صورة طبيب ، فقال لها : إن زوجك قد طال سقمه ، فإن أراد أن يبرأ فليأخذ ذبابا فليذبحه باسم صنم بني فلان فإنه يبرأ ويتوب بعد ذلك . فقالت ذلك
لأيوب ، فقال : قد أتاك الخبيث . لله علي إن برأت أن أجلدك مائة جلدة . فخرجت تسعى عليه ، فحظر عنها الرزق ، فجعلت لا تأتي أهل بيت فيريدونها ، فلما اشتد عليها ذلك وخافت على أيوب
[ ص: 361 ] الجوع حلقت من شعرها قرنا فباعته من صبية من بنات الأشراف ، فأعطوها طعاما طيبا كثيرا فأتت به
أيوب ، فلما رآه أنكره وقال : من أين لك هذا؟ قالت : عملت لأناس فأطعموني . فأكل منه ، فلما كان الغد خرجت فطلبت أن تعمل فلم تجد فحلقت أيضا قرنا فباعته من تلك الجارية ، فأعطوها من ذلك الطعام ، فأتت به
أيوب ، فقال : والله لا أطعمه حتى أعلم من أين هو؟ فوضعت خمارها ، فلما رأى رأسها محلوقا جزع جزعا شديدا ، فعند ذلك دعا ربه عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=83أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
موسى بن إسماعيل ، حدثنا
حماد ، حدثنا
أبو عمران الجوني ، عن
نوف البكالي; أن الشيطان الذي عرج في
أيوب كان يقال له : " سوط " ، قال : وكانت امرأة
أيوب تقول : " ادع الله فيشفيك " ، فجعل لا يدعو ، حتى مر به نفر من بني إسرائيل ، فقال بعضهم لبعض : ما أصابه ما أصابه إلا بذنب عظيم أصابه ، فعند ذلك قال : " رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " .
وحدثنا أبي ، حدثنا
أبو سلمة ، حدثنا
جرير بن حازم ، عن
عبد الله بن عبيد بن عمير قال : كان
لأيوب ، عليه السلام ، أخوان فجاءا يوما ، فلم يستطيعا أن يدنوا منه ، من ريحه ، فقاما من بعيد ، فقال أحدهما للآخر : لو كان الله علم من
أيوب خيرا ما ابتلاه بهذا؟ فجزع
أيوب من قولهما جزعا لم يجزع من شيء قط ، فقال : اللهم ، إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعان وأنا أعلم مكان جائع ، فصدقني . فصدق من السماء وهما يسمعان . ثم قال : اللهم ، إن كنت تعلم أني لم يكن لي قميصان قط ، وأنا أعلم مكان عار ، فصدقني ، فصدق من السماء وهما يسمعان . اللهم بعزتك ثم خر ساجدا ، ثم قال اللهم بعزتك لا أرفع رأسي أبدا حتى تكشف عني . فما رفع رأسه حتى كشف عنه .
وقد رواه
ابن أبي حاتم من وجه آخر مرفوعا بنحو هذا فقال : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا
ابن وهب أخبرني
نافع بن يزيد ، عن
عقيل ، عن
الزهري ، عن
أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825744 " إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة ، فرفضه القريب والبعيد ، إلا رجلين من إخوانه ، كانا من أخص إخوانه ، كانا يغدوان إليه ويروحان ، فقال أحدهما لصاحبه : تعلم - والله - لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين . فقال له صاحبه : وما ذاك؟ قال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به . فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له ، فقال أيوب ، عليه السلام : ما أدري ما تقول ، غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله ، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما ، كراهة أن يذكرا الله إلا في حق . قال : وكان يخرج في حاجته ، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ ، فلما كان ذات يوم أبطأت عليه ، فأوحي إلى [ ص: 362 ] أيوب في مكانه : أن اركض برجلك ، هذا مغتسل بارد وشراب " .
رفع هذا الحديث غريب جدا .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
موسى بن إسماعيل ، حدثنا
حماد ، أخبرنا
علي بن زيد ، عن
يوسف بن مهران ، عن
ابن عباس ، قال : وألبسه الله حلة من الجنة ، فتنحى
أيوب فجلس في ناحية ، وجاءت امرأته ، فلم تعرفه ، فقالت : يا عبد الله ، أين ذهب المبتلى الذي كان هاهنا؟ لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب ، فجعلت تكلمه ساعة ، فقال : ويحك! أنا
أيوب ! قالت : أتسخر مني يا عبد الله؟ فقال : ويحك! أنا
أيوب ، قد رد الله علي جسدي .
وبه قال
ابن عباس : ورد عليه ماله وولده عيانا ، ومثلهم معهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه : أوحى الله إلى
أيوب : قد رددت عليك أهلك ومالك ومثلهم معهم ، فاغتسل بهذا الماء ، فإن فيه شفاءك ، وقرب عن صاحبتك قربانا ، واستغفر لهم ، فإنهم قد عصوني فيك . رواه
ابن أبي حاتم .
[ وقال ] أيضا : حدثنا
أبو زرعة ، حدثنا
عمرو بن مرزوق ، حدثنا
همام ، عن
قتادة ، عن
النضر بن أنس ، عن
بشير بن نهيك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825745 " لما عافى الله أيوب ، أمطر عليه جرادا من ذهب ، فجعل يأخذ بيده ويجعله في ثوبه " . قال : " فقيل له : يا أيوب ، أما تشبع؟ قال : يا رب ، ومن يشبع من رحمتك " .
أصله في الصحيحين ، وسيأتي في موضع آخر .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=84وآتيناه أهله ومثلهم معهم ) قد تقدم عن
ابن عباس أنه قال : ردوا عليه بأعيانهم . وكذا رواه
العوفي ، عن
ابن عباس أيضا . وروي مثله عن
ابن مسعود ومجاهد ، وبه قال
الحسن وقتادة .
وقد زعم بعضهم أن اسم زوجته
رحمة ، فإن كان أخذ ذلك من سياق الآية فقد أبعد النجعة ، وإن كان أخذه من نقل أهل الكتاب ، وصح ذلك عنهم ، فهو مما لا يصدق ولا يكذب . وقد سماها
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر في تاريخه - رحمه الله تعالى - قال : ويقال : اسمها
ليا ابنة منشا بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، قال : ويقال :
ليا بنت يعقوب ، عليه السلام ، زوجة
أيوب كانت معه بأرض
البثنية .
وقال
مجاهد : قيل له : يا
أيوب ، إن أهلك لك في الجنة ، فإن شئت أتيناك بهم ، وإن شئت
[ ص: 363 ] تركناهم لك في الجنة ، وعوضناك مثلهم . قال : لا ، بل اتركهم لي في الجنة . فتركوا له في الجنة وعوض مثلهم في الدنيا .
وقال
حماد بن زيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12107أبي عمران الجوني ، عن
نوف البكالي قال : أوتي أجرهم في الآخرة ، وأعطي مثلهم في الدنيا . قال : فحدثت به
مطرفا ، فقال : ما عرفت وجهها قبل اليوم .
وهكذا روي عن
قتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، وغير واحد من السلف ، والله أعلم .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=84رحمة من عندنا ) أي : فعلنا به ذلك رحمة من الله به ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=84وذكرى للعابدين ) أي : وجعلناه في ذلك قدوة ، لئلا يظن أهل البلاء أنما فعلنا بهم ذلك لهوانهم علينا ، وليتأسوا به في
nindex.php?page=treesubj&link=19580الصبر على مقدورات الله وابتلائه لعباده بما يشاء ، وله الحكمة البالغة في ذلك .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=83nindex.php?page=treesubj&link=28992_31906_31797_31788_31780وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ( 83 )
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=84فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ( 84 ) ) .
يَذْكُرُ تَعَالَى عَنْ
أَيُّوبَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، مَا كَانَ أَصَابَهُ مِنَ الْبَلَاءِ ، فِي مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَسَدِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ شَيْءٌ كَثِيرٌ ، وَأَوْلَادٌ كَثِيرَةٌ ، وَمَنَازِلُ مَرْضِيَّةٌ . فَابْتُلِيَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ، وَذَهَبَ عَنِ آخِرِهِ ، ثُمَّ ابْتُلِيَ فِي جَسَدِهِ - يُقَالُ : بِالْجُذَامِ فِي سَائِرِ بَدَنِهِ ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ سَلِيمٌ سِوَى قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ ، يَذْكُرُ بِهِمَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، حَتَّى عَافَهُ الْجَلِيسُ ، وَأُفْرِدَ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَلَدِ ، وَلَمْ يَبْقَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ يَحْنُو عَلَيْهِ سِوَى زَوْجَتِهِ ، كَانَتْ تَقُومُ بِأَمْرِهِ ، وَيُقَالُ : إِنَّهَا احْتَاجَتْ فَصَارَتْ تَخْدِمُ النَّاسَ مِنْ أَجْلِهِ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822051 " أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ " وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822052 " يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ زِيدَ فِي بَلَائِهِ " .
وَقَدْ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ
أَيُّوبُ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، غَايَةً فِي الصَّبْرِ ، وَبِهِ يُضْرَبُ الْمَثَلُ فِي ذَلِكَ .
وَقَالَ
يَزِيدُ بْنُ مَيْسَرَةَ : لَمَّا ابْتَلَى اللَّهُ
أَيُّوبَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، بِذَهَابِ الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ ، أَحْسَنَ الذَّكَرَ ، ثُمَّ قَالَ : أَحْمَدُكَ رَبَّ الْأَرْبَابِ ، الَّذِي أَحْسَنْتَ إِلَيَّ ، أَعْطَيْتَنِي الْمَالَ وَالْوَلَدَ ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ قَلْبِي شُعْبَةٌ ، إِلَّا قَدْ دَخَلَهُ ذَلِكَ ، فَأَخَذْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنِّي ، وَفَرَّغْتُ قَلْبِي ، لَيْسَ يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَيْءٌ ، لَوْ يَعْلَمُ عَدُوِّي إِبْلِيسُ بِالَّذِي صَنَعْتُ ، حَسَدَنِي . قَالَ : فَلَقِيَ إِبْلِيسُ مِنْ ذَلِكَ مُنْكَرًا .
قَالَ : وَقَالَ
أَيُّوبُ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ : يَا رَبِّ ، إِنَّكَ أَعْطَيْتَنِي الْمَالَ وَالْوَلَدَ ، فَلَمْ يَقُمْ عَلَى بَابِي أَحَدٌ يَشْكُونِي لِظُلْمٍ ظَلَمْتُهُ ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ ذَلِكَ . وَأَنَّهُ كَانَ يُوطَأُ لِيَ الْفِرَاشُ فَأَتْرُكُهَا وَأَقُولُ لِنَفْسِي :
[ ص: 360 ] يَا نَفْسُ ، إِنَّكِ لَمْ تُخْلَقِي لِوَطْءِ الْفُرُشِ ، مَا تَرَكْتُ ذَلِكَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ . رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ .
وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ فِي خَبَرِهِ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ ، سَاقَهَا
ابْنُ جَرِيرٍ nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِالسَّنَدِ عَنْهُ ، وَذَكَرَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمُفَسِّرِينَ ، وَفِيهَا غَرَابَةٌ تَرَكْنَاهَا لِحَالِ الطُّولِ .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ مَكَثَ فِي الْبَلَاءِ مُدَّةً طَوِيلَةً ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي السَّبَبِ الْمُهَيِّجِ لَهُ عَلَى هَذَا الدُّعَاءِ ، فَقَالَ
الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ ، ابْتُلِيَ
أَيُّوبُ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، سَبْعَ سِنِينَ وَأَشْهُرًا ، مُلْقًى عَلَى كُنَاسَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، تَخْتَلِفُ الدَّوَابُّ فِي جَسَدِهِ فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَعَظَّمَ لَهُ الْأَجْرَ ، وَأَحْسَنَ عَلَيْهِ الثَّنَاءَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ : مَكَثَ فِي الْبَلَاءِ ثَلَاثَ سِنِينَ ، لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : تَسَاقَطَ لَحْمُ
أَيُّوبَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْعَصَبُ وَالْعِظَامُ ، فَكَانَتِ امْرَأَتُهُ تَقُومُ عَلَيْهِ وَتَأْتِيهِ بِالزَّادِ يَكُونُ فِيهِ ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ لَمَّا طَالَ وَجَعُهُ : يَا
أَيُّوبُ ، لَوْ دَعَوْتَ رَبَّكَ يُفَرِّجُ عَنْكَ؟ فَقَالَ : قَدْ عِشْتُ سَبْعِينَ سَنَةً صَحِيحًا ، فَهَلْ قَلِيلٌ لِلَّهِ أَنْ أَصْبِرَ لَهُ سَبْعِينَ سَنَةً؟ فَجَزِعَتْ مِنْ ذَلِكَ فَخَرَجَتْ ، فَكَانَتْ تَعْمَلُ لِلنَّاسِ بِأَجْرٍ وَتَأْتِيهِ بِمَا تُصِيبُ فَتُطْعِمُهُ ، وَإِنَّ إِبْلِيسَ انْطَلَقَ إِلَى رَجُلَيْنِ مِنْ
فِلَسْطِينَ كَانَا صَدِيقَيْنِ لَهُ وَأَخَوَيْنِ ، فَأَتَاهُمَا فَقَالَ : أَخُوكُمَا
أَيُّوبُ أَصَابَهُ مِنَ الْبَلَاءِ كَذَا وَكَذَا ، فَأْتِيَاهُ وَزُورَاهُ وَاحْمِلَا مَعَكُمَا مِنْ خَمْرِ أَرْضِكُمَا ، فَإِنَّهُ إِنْ شَرِبَ مِنْهُ بَرَأَ . فَأَتَيَاهُ ، فَلَمَّا نَظَرَا إِلَيْهِ بَكَيَا ، فَقَالَ : مَنْ أَنْتُمَا؟ فَقَالَا : نَحْنُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ! فَرَحَّبَ بِهِمَا وَقَالَ : مَرْحَبًا بِمَنْ لَا يَجْفُونِي عِنْدَ الْبَلَاءِ ، فَقَالَا : يَا
أَيُّوبُ ، لَعَلَّكَ كُنْتَ تُسِرُّ شَيْئًا وَتُظْهِرُ غَيْرَهُ ، فَلِذَلِكَ ابْتَلَاكَ اللَّهُ؟ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ : هُوَ يَعْلَمُ ، مَا أَسْرَرْتُ شَيْئًا أَظْهَرْتُ غَيْرَهُ . وَلَكِنَّ رَبِّي ابْتَلَانِي لِيَنْظُرَ أَأَصْبِرُ أَمْ أَجْزَعُ ، فَقَالَا لَهُ : يَا
أَيُّوبُ ، اشْرَبْ مِنْ خَمْرِنَا فَإِنَّكَ إِنْ شَرِبْتَ مِنْهُ بَرَأْتَ . قَالَ : فَغَضِبَ وَقَالَ : جَاءَكُمَا الْخَبِيثُ فَأَمَرَكُمَا بِهَذَا؟ كَلَامُكُمَا وَطَعَامُكُمَا وَشَرَابُكُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ . فَقَامَا مِنْ عِنْدِهِ ، وَخَرَجَتِ امْرَأَتُهُ تَعْمَلُ لِلنَّاسِ فَخَبَزَتْ لِأَهْلِ بَيْتٍ لَهُمْ صَبِيٌّ ، فَجَعَلَتْ لَهُمْ قُرْصًا ، وَكَانَ ابْنُهُمْ نَائِمًا ، فَكَرِهُوا أَنْ يُوقِظُوهُ ، فَوَهَبُوهُ لَهَا .
فَأَتَتْ بِهِ إِلَى
أَيُّوبَ ، فَأَنْكَرَهُ وَقَالَ : مَا كُنْتِ تَأْتِينِي بِهَذَا ، فَمَا بَالُكِ الْيَوْمَ؟ فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ . قَالَ : فَلَعَلَّ الصَّبِيَّ قَدِ اسْتَيْقَظَ ، فَطَلَبَ الْقَرْصَ فَلَمْ يَجِدْهُ فَهُوَ يَبْكِي عَلَى أَهْلِهِ . [ فَانْطَلِقِي بِهِ إِلَيْهِ . فَأَقْبَلَتْ حَتَّى بَلَغَتْ دَرَجَةَ الْقَوْمِ ، فَنَطَحَتْهَا شَاةٌ لَهُمْ ، فَقَالَتْ : تَعِسَ
أَيُّوبُ الْخَطَّاءُ! فَلَمَّا صَعِدَتْ وَجَدَتِ الصَّبِيَّ قَدِ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَطْلُبُ الْقُرْصَ ، وَيَبْكِي عَلَى أَهْلِهِ ] ، لَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ شَيْئًا غَيْرَهُ ، فَقَالَتْ : رَحِمَ اللَّهُ
أَيُّوبَ فَدَفَعَتِ الْقُرْصَ إِلَيْهِ وَرَجَعَتْ . ثُمَّ إِنَّ إِبْلِيسَ أَتَاهَا فِي صُورَةِ طَبِيبٍ ، فَقَالَ لَهَا : إِنَّ زَوْجَكِ قَدْ طَالَ سُقْمُهُ ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَبْرَأَ فَلْيَأْخُذْ ذُبَابًا فَلْيَذْبَحْهُ بِاسْمِ صَنَمِ بَنِي فَلَانٍ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ وَيَتُوبُ بَعْدَ ذَلِكَ . فَقَالَتْ ذَلِكَ
لِأَيُّوبَ ، فَقَالَ : قَدْ أَتَاكِ الْخَبِيثُ . لِلَّهِ عَلَيَّ إِنْ بَرَأْتُ أَنْ أَجْلِدَكِ مِائَةَ جَلْدَةٍ . فَخَرَجَتْ تَسْعَى عَلَيْهِ ، فَحُظِرَ عَنْهَا الرِّزْقُ ، فَجَعَلَتْ لَا تَأْتِي أَهْلَ بَيْتٍ فَيُرِيدُونَهَا ، فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَخَافَتْ عَلَى أَيُّوبَ
[ ص: 361 ] الْجُوعَ حَلَقَتْ مِنْ شَعْرِهَا قَرْنًا فَبَاعَتْهُ مِنْ صَبِيَّةٍ مِنْ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ ، فَأَعْطَوْهَا طَعَامًا طَيِّبًا كَثِيرًا فَأَتَتْ بِهِ
أَيُّوبَ ، فَلَمَّا رَآهُ أَنْكَرَهُ وَقَالَ : مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا؟ قَالَتْ : عَمِلْتُ لِأُنَاسٍ فَأَطْعَمُونِي . فَأَكَلَ مِنْهُ ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ خَرَجَتْ فَطَلَبَتْ أَنْ تَعْمَلَ فَلَمْ تَجِدْ فَحَلَقَتْ أَيْضًا قَرْنًا فَبَاعَتْهُ مِنْ تِلْكَ الْجَارِيَةِ ، فَأَعْطَوْهَا مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ ، فَأَتَتْ بِهِ
أَيُّوبَ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُهُ حَتَّى أَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ هُوَ؟ فَوَضَعَتْ خِمَارَهَا ، فَلَمَّا رَأَى رَأْسَهَا مَحْلُوقًا جَزِعَ جَزَعًا شَدِيدًا ، فَعِنْدَ ذَلِكَ دَعَا رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=83أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) .
وَقَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا
مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ ، حَدَّثَنَا
أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنَيُّ ، عَنْ
نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ; أَنَّ الشَّيْطَانَ الَّذِي عَرَّجَ فِي
أَيُّوبَ كَانَ يُقَالُ لَهُ : " سَوْطٌ " ، قَالَ : وَكَانَتِ امْرَأَةُ
أَيُّوبَ تَقُولُ : " ادْعُ اللَّهَ فَيَشْفِيَكَ " ، فَجَعَلَ لَا يَدْعُو ، حَتَّى مَرَّ بِهِ نَفَرٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : مَا أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ إِلَّا بِذَنْبٍ عَظِيمٍ أَصَابَهُ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ : " رَبِّ إِنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ " .
وَحَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا
أَبُو سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا
جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ : كَانَ
لِأَيُّوبَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، أَخَوَانِ فَجَاءَا يَوْمًا ، فَلَمْ يَسْتَطِيعَا أَنْ يَدْنُوَا مِنْهُ ، مِنْ رِيحِهِ ، فَقَامَا مِنْ بَعِيدٍ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ : لَوْ كَانَ اللَّهُ عَلِمَ مِنْ
أَيُّوبَ خَيْرًا مَا ابْتَلَاهُ بِهَذَا؟ فَجَزِعَ
أَيُّوبُ مِنْ قَوْلِهِمَا جَزَعًا لَمْ يَجْزَعْ مِنْ شَيْءٍ قَطُّ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ ، إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَبِتْ لَيْلَةً قَطُّ شَبْعَانَ وَأَنَا أَعْلَمُ مَكَانَ جَائِعٍ ، فَصَدِّقْنِي . فَصُدِّقَ مِنَ السَّمَاءِ وَهُمَا يَسْمَعَانِ . ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ ، إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ يَكُنْ لِي قَمِيصَانِ قَطُّ ، وَأَنَا أَعْلَمُ مَكَانَ عَارٍ ، فَصَدِّقْنِي ، فَصُدِّقَ مِنَ السَّمَاءِ وَهُمَا يَسْمَعَانِ . اللَّهُمَّ بِعِزَّتِكَ ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ بِعِزَّتِكَ لَا أَرْفَعُ رَأْسِي أَبَدًا حَتَّى تَكْشِفَ عَنِّي . فَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ حَتَّى كُشِفَ عَنْهُ .
وَقَدْ رَوَاهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَرْفُوعًا بِنَحْوِ هَذَا فَقَالَ : أَخْبَرَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17418يُونُسُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي
نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ
عُقَيْلٍ ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ ، عَنِ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825744 " إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ أَيُّوبَ لَبِثَ بِهِ بَلَاؤُهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً ، فَرَفَضَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ ، إِلَّا رَجُلَيْنِ مِنْ إِخْوَانِهِ ، كَانَا مِنْ أَخَصِّ إِخْوَانِهِ ، كَانَا يَغْدُوَانِ إِلَيْهِ وَيَرُوحَانِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : تَعَلَّمْ - وَاللَّهِ - لَقَدْ أَذْنَبَ أَيُّوبُ ذَنْبًا مَا أَذَنَبَهُ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ . فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ : وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ : مُنْذُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَرْحَمْهُ اللَّهُ فَيَكْشِفَ مَا بِهِ . فَلَمَّا رَاحَا إِلَيْهِ لَمْ يَصْبِرِ الرَّجُلُ حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ أَيُّوبُ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ : مَا أَدْرِي مَا تَقُولُ ، غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى الرَّجُلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ فَيَذْكُرَانِ اللَّهَ ، فَأَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي فَأُكَفِّرُ عَنْهُمَا ، كَرَاهَةَ أَنْ يَذْكُرَا اللَّهَ إِلَّا فِي حَقٍّ . قَالَ : وَكَانَ يَخْرُجُ فِي حَاجَتِهِ ، فَإِذَا قَضَاهَا أَمْسَكَتِ امْرَأَتُهُ بِيَدِهِ حَتَّى يَبْلُغَ ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَبْطَأَتْ عَلَيْهِ ، فَأُوحِيَ إِلَى [ ص: 362 ] أَيُّوبَ فِي مَكَانِهِ : أَنِ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ، هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ " .
رَفْعُ هَذَا الْحَدِيثِ غَرِيبٌ جِدًّا .
وَقَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا
مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ ، أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ
يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : وَأَلْبَسَهُ اللَّهُ حُلَّةً مِنَ الْجَنَّةِ ، فَتَنَحَّى
أَيُّوبُ فَجَلَسَ فِي نَاحِيَةٍ ، وَجَاءَتِ امْرَأَتُهُ ، فَلَمْ تَعْرِفْهُ ، فَقَالَتْ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، أَيْنَ ذَهَبَ الْمُبْتَلَى الَّذِي كَانَ هَاهُنَا؟ لَعَلَّ الْكِلَابَ ذَهَبَتْ بِهِ أَوِ الذِّئَابَ ، فَجَعَلَتْ تَكَلُّمَهُ سَاعَةً ، فَقَالَ : وَيْحَكِ! أَنَا
أَيُّوبُ ! قَالَتْ : أَتَسْخَرُ مِنِّي يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ فَقَالَ : وَيْحَكِ! أَنَا
أَيُّوبُ ، قَدْ رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ جَسَدِي .
وَبِهِ قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : وَرَدَّ عَلَيْهِ مَالَهُ وَوَلَدَهُ عِيَانًا ، وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ : أَوْحَى اللَّهُ إِلَى
أَيُّوبَ : قَدْ رَدَدْتُ عَلَيْكَ أَهْلَكَ وَمَالَكَ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ، فَاغْتَسِلْ بِهَذَا الْمَاءِ ، فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءَكَ ، وَقَرِّبْ عَنْ صَاحِبَتِكَ قُرْبَانًا ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ، فَإِنَّهُمْ قَدْ عَصَوْنِي فِيكَ . رَوَاهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ .
[ وَقَالَ ] أَيْضًا : حَدَّثَنَا
أَبُو زُرْعَةَ ، حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ ، حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، عَنِ
النَّضِرِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ
بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825745 " لَمَّا عَافَى اللَّهُ أَيُّوبَ ، أَمْطَرَ عَلَيْهِ جَرَادًا مِنْ ذَهَبٍ ، فَجَعَلَ يَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيَجْعَلُهُ فِي ثَوْبِهِ " . قَالَ : " فَقِيلَ لَهُ : يَا أَيُّوبُ ، أَمَا تَشْبَعُ؟ قَالَ : يَا رَبِّ ، وَمَنْ يَشْبَعُ مِنْ رَحْمَتِكَ " .
أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَسَيَأْتِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=84وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ) قَدْ تَقَدَّمَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : رُدُّوا عَلَيْهِ بِأَعْيَانِهِمْ . وَكَذَا رَوَاهُ
الْعَوْفِيُّ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا . وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٍ ، وَبِهِ قَالَ
الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ .
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ اسْمَ زَوْجَتِهِ
رَحْمَةُ ، فَإِنْ كَانَ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ فَقَدْ أَبْعَدَ النُّجْعَةَ ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ مِنْ نَقْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمْ ، فَهُوَ مِمَّا لَا يُصَدَّقُ وَلَا يُكَذَّبُ . وَقَدْ سَمَّاهَا
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ : وَيُقَالُ : اسْمُهَا
لَيَا ابْنَةُ مِنَشَّا بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : وَيُقَالُ :
لَيَا بِنْتُ يَعْقُوبَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، زَوْجَةُ
أَيُّوبَ كَانَتْ مَعَهُ بِأَرْضِ
الْبَثْنِيَّةِ .
وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : قِيلَ لَهُ : يَا
أَيُّوبُ ، إِنْ أَهْلَكَ لَكَ فِي الْجَنَّةِ ، فَإِنْ شِئْتَ أَتَيْنَاكَ بِهِمْ ، وَإِنْ شِئْتَ
[ ص: 363 ] تَرَكْنَاهُمْ لَكَ فِي الْجَنَّةِ ، وَعَوَّضْنَاكَ مِثْلَهُمْ . قَالَ : لَا ، بَلِ اتْرُكْهُمْ لِي فِي الْجَنَّةِ . فَتُرِكُوا لَهُ فِي الْجَنَّةِ وَعُوِّضَ مِثْلَهُمْ فِي الدُّنْيَا .
وَقَالَ
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12107أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنَيِّ ، عَنْ
نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ قَالَ : أُوتِيَ أَجْرَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ، وَأُعْطِيَ مِثْلَهُمْ فِي الدُّنْيَا . قَالَ : فَحَدَّثْتُ بِهِ
مُطَرِّفًا ، فَقَالَ : مَا عَرَفْتُ وَجْهَهَا قَبْلَ الْيَوْمِ .
وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ
قَتَادَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيِّ ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=84رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا ) أَيْ : فَعَلْنَا بِهِ ذَلِكَ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ بِهِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=84وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ) أَيْ : وَجَعَلْنَاهُ فِي ذَلِكَ قُدْوَةً ، لِئَلَّا يَظُنَّ أَهْلُ الْبَلَاءِ أَنَّمَا فَعَلْنَا بِهِمْ ذَلِكَ لِهَوَانِهِمْ عَلَيْنَا ، وَلِيَتَأَسَّوْا بِهِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=19580الصَّبْرِ عَلَى مَقْدُورَاتِ اللَّهِ وَابْتِلَائِهِ لِعِبَادِهِ بِمَا يَشَاءُ ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ فِي ذَلِكَ .