(
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ( 16 )
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=17اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ( 17 ) )
يقول الله تعالى : أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله ، أي : تلين عند الذكر ، والموعظة ، وسماع القرآن ، فتفهمه ، وتنقاد له ، وتسمع له ، وتطيعه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك : حدثنا
صالح المري ، عن
قتادة ، عن
ابن عباس أنه قال : إن الله استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16nindex.php?page=treesubj&link=29028_30549ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ) الآية ، رواه
ابن أبي حاتم ، عن
الحسن بن محمد بن الصباح ، عن
حسين المروزي ، عن
ابن المبارك به .
ثم قال هو
ومسلم : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا
ابن وهب ، أخبرني
عمرو بن الحارث ، عن
سعيد بن أبي هلال - يعني الليث - عن
عون بن عبد الله ، عن أبيه ، عن
ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ) [ الآية ] إلا أربع سنين
كذا رواه
مسلم في آخر الكتاب . وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عند تفسير هذه الآية ، عن
هارون بن سعيد الأيلي ، عن
ابن وهب ، به ، وقد رواه
ابن ماجه من حديث
موسى بن يعقوب الزمعي ، عن
أبي حزم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16281عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، مثله ، فجعله من مسند
بن الزبير . لكن رواه
البزار في مسنده من طريق
موسى بن يعقوب ، عن
أبي حازم ، عن
عامر ، عن
ابن الزبير ،
[ ص: 20 ] عن
ابن مسعود ، فذكره
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
المسعودي ، عن
القاسم قال : مل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملة ، فقالوا : حدثنا يا رسول الله . فأنزل الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3نحن نقص عليك أحسن القصص ) [ يوسف : 3 ] قال : ثم ملوا ملة فقالوا : حدثنا يا رسول الله ، فأنزل الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23الله نزل أحسن الحديث ) [ الزمر : 23 ] . ثم ملوا ملة فقالوا : حدثنا يا رسول الله . فأنزل الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله )
وقال
قتادة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ) ذكر لنا أن
شداد بن أوس كان يروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822990إن أول ما يرفع من الناس الخشوع "
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم ) نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب قبلهم من اليهود والنصارى ، لما تطاول عليهم الأمد بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم واشتروا به ثمنا قليلا ونبذوه وراء ظهورهم ، وأقبلوا على الآراء المختلفة والأقوال المؤتفكة ، وقلدوا الرجال في دين الله ، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، فعند ذلك قست قلوبهم ، فلا يقبلون موعظة ، ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=26وكثير منهم فاسقون ) أي : في الأعمال ، فقلوبهم فاسدة ، وأعمالهم باطلة . كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=13فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ) [ المائدة : 13 ] ، أي : فسدت قلوبهم فقست وصار من سجيتهم تحريف الكلم عن مواضعه ، وتركوا الأعمال التي أمروا بها ، وارتكبوا ما نهوا عنه ; ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية .
وقد قال
بن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
هشام بن عمار ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16122شهاب بن خراش ، حدثنا
حجاج بن دينار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17152منصور بن المعتمر ، عن
الربيع بن أبي عميلة الفزاري قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود حديثا ما سمعت أعجب إلي منه ، إلا شيئا من كتاب الله ، أو شيئا قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد فقست قلوبهم اخترعوا كتابا من عند أنفسهم ، استهوته قلوبهم ، واستحلته ألسنتهم ، واستلذته ، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم فقالوا : تعالوا ندع
[ ص: 21 ] بني إسرائيل إلى كتابنا هذا ، فمن تابعنا عليه تركناه ، ومن كره أن يتابعنا قتلناه . ففعلوا ذلك ، وكان فيهم رجل فقيه ، فلما رأى ما يصنعون عمد إلى ما يعرف من كتاب الله فكتبه في شيء لطيف ، ثم أدرجه ، فجعله في قرن ، ثم علق ذلك القرن في عنقه ، فلما أكثروا القتل قال بعضهم لبعض : يا هؤلاء ، إنكم قد أفشيتم القتل في بني إسرائيل ، فادعوا فلانا فاعرضوا عليه كتابكم ، فإنه إن تابعكم فسيتابعكم بقية الناس ، وإن أبى فاقتلوه . فدعوا فلانا ذلك الفقيه فقالوا : تؤمن بما في كتابنا ؟ قال : وما فيه ؟ اعرضوه علي . فعرضوه عليه إلى آخره ، ثم قالوا : أتؤمن بهذا ؟ قال : نعم ، آمنت بما في هذا وأشار بيده إلى القرن - فتركوه ، فلما مات نبشوه فوجدوه متعلقا ذلك القرن ، فوجدوا فيه ما يعرف من كتاب الله ، فقال بعضهم لبعض : يا هؤلاء ، ما كنا نسمع هذا أصابه فتنة . فافترقت بنو إسرائيل على ثنتين وسبعين ملة ، وخير مللهم ملة أصحاب ذي القرن " .
قال
ابن مسعود : [ وإنكم ] أوشك بكم إن بقيتم - أو : بقي من بقي منكم - أن تروا أمورا تنكرونها ، لا تستطيعون لها غيرا ، فبحسب المرء منكم أن يعلم الله من قلبه أنه لها كاره .
وقال
أبو جعفر الطبري : حدثنا
ابن حميد ، حدثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
أبي معشر ، عن
إبراهيم قال : جاء
عتريس بن عرقوب إلى
ابن مسعود فقال : يا أبا عبد الله هلك من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر . فقال عبد الله : هلك من لم يعرف قلبه معروفا ولم ينكر قلبه منكرا ; إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد وقست قلوبهم ، اخترعوا كتابا من بين أيديهم وأرجلهم ، استهوته قلوبهم ، واستحلته ألسنتهم ، وقالوا : نعرض على بني إسرائيل هذا الكتاب فمن آمن به تركناه ، ومن كفر به قتلناه . قال : فجعل رجل منهم كتاب الله في قرن ، ثم جعل القرن بين ثندوتيه فلما قيل له : أتؤمن بهذا ؟ قال آمنت به - ويومئ إلى القرن بين ثندوتيه - ومالي لا أؤمن بهذا الكتاب ؟ فمن خير مللهم اليوم ملة صاحب القرن
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=17اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ) فيه إشارة إلى
nindex.php?page=treesubj&link=29559أنه ، تعالى ، يلين القلوب بعد قسوتها ، ويهدي الحيارى بعد ضلتها ، ويفرج الكروب بعد شدتها ، فكما يحيي الأرض الميتة المجدبة الهامدة بالغيث الهتان [ الوابل ] كذلك يهدي القلوب القاسية ببراهين القرآن والدلائل ، ويولج إليها النور بعد ما كانت مقفلة لا يصل إليها الواصل ، فسبحان الهادي لمن يشاء بعد الإضلال ، والمضل لمن أراد بعد الكمال ، الذي هو لما يشاء فعال ، وهو الحكم العدل في جميع الفعال ، اللطيف الخبير الكبير المتعال .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ( 16 )
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=17اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ( 17 ) )
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : أَمَا آنَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ، أَيْ : تَلِينَ عِنْدَ الذِّكْرِ ، وَالْمَوْعِظَةِ ، وَسَمَاعِ الْقُرْآنِ ، فَتَفْهَمَهُ ، وَتَنْقَادَ لَهُ ، وَتَسْمَعَ لَهُ ، وَتُطِيعَهُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16418عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ : حَدَّثَنَا
صَالِحٌ الْمُرِّيُّ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ اسْتَبْطَأَ قُلُوبَ الْمُهَاجِرِينَ فَعَاتَبَهُمْ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنْ نُزُولِ الْقُرْآنِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16nindex.php?page=treesubj&link=29028_30549أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) الْآيَةَ ، رَوَاهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ ، عَنْ
حُسَيْنٍ الْمَرْوَزِيِّ ، عَنِ
ابْنِ الْمُبَارَكِ بِهِ .
ثُمَّ قَالَ هُوَ
وَمُسْلِمٌ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17418يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي
عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ - يَعْنِي اللَّيْثَ - عَنْ
عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبَنَا اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) [ الْآيَةَ ] إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ
كَذَا رَوَاهُ
مُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْكِتَابِ . وَأَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15397النَّسَائِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ ، عَنْ
هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الْأَيْلِيِّ ، عَنِ
ابْنِ وَهْبٍ ، بِهِ ، وَقَدْ رَوَاهُ
ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ
مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيِّ ، عَنْ
أَبِي حَزْمٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16281عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ ، مِثْلَهُ ، فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ
بْنِ الزُّبَيْرِ . لَكِنْ رَوَاهُ
الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ
مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ ، عَنْ
أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ
عَامِرٍ ، عَنِ
ابْنِ الزُّبَيْرِ ،
[ ص: 20 ] عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ ، فَذَكَرَهُ
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنِ
الْمَسْعُودِيِّ ، عَنِ
الْقَاسِمِ قَالَ : مَلَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَلَّةً ، فَقَالُوا : حَدِّثْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَأَنْزَلَ اللَّهَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ) [ يُوسُفَ : 3 ] قَالَ : ثُمَّ مَلُّوا مَلَّةً فَقَالُوا : حَدِّثْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ) [ الزُّمَرِ : 23 ] . ثُمَّ مَلُّوا مَلَّةً فَقَالُوا : حَدِّثْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ )
وَقَالَ
قَتَادَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) ذُكِرَ لَنَا أَنَّ
شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ كَانَ يَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822990إِنَّ أَوَّلَ مَا يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ الْخُشُوعُ "
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ) نَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَشَبَّهُوا بِالَّذِينِ حَمَلُوا الْكِتَابَ قَبْلَهُمْ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، لَمَّا تَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ الَّذِي بِأَيْدِيهمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا وَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ، وَأَقْبَلُوا عَلَى الْآرَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْأَقْوَالِ الْمُؤْتَفِكَةِ ، وَقَلَّدُوا الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ ، وَاتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ، فَلَا يَقْبَلُونَ مَوْعِظَةً ، وَلَا تَلِينُ قُلُوبُهُمْ بِوَعْدٍ وَلَا وَعِيدٍ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=26وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) أَيْ : فِي الْأَعْمَالِ ، فَقُلُوبُهُمْ فَاسِدَةٌ ، وَأَعْمَالُهُمْ بَاطِلَةٌ . كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=13فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ) [ الْمَائِدَةِ : 13 ] ، أَيْ : فَسَدَتْ قُلُوبُهُمْ فَقَسَتْ وَصَارَ مِنْ سَجِيَّتِهِمْ تَحْرِيفُ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ ، وَتَرَكُوا الْأَعْمَالَ الَّتِي أُمِرُوا بِهَا ، وَارْتَكَبُوا مَا نُهُوا عَنْهُ ; وَلِهَذَا نَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَشَبَّهُوا بِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأُمُورِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْفَرْعِيَّةِ .
وَقَدْ قَالَ
بْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا
هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16122شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ ، حَدَّثَنَا
حَجَّاجُ بْنُ دِينَارٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17152مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنِ
الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي عُمَيْلَةَ الْفَزَارِيِّ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ حَدِيثًا مَا سَمِعْتُ أَعْجَبَ إِلَيَّ مِنْهُ ، إِلَّا شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، أَوْ شَيْئًا قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " إِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا طَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمُ اخْتَرَعُوا كِتَابًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ، اسْتَهْوَتْهُ قُلُوبُهُمْ ، وَاسْتَحَلَّتْهُ أَلْسِنَتُهُمْ ، وَاسْتَلَذَّتْهُ ، وَكَانَ الْحَقُّ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ كَثِيرٍ مِنْ شَهَوَاتِهِمْ فَقَالُوا : تَعَالَوْا نَدْعُ
[ ص: 21 ] بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى كِتَابِنَا هَذَا ، فَمَنْ تَابَعَنَا عَلَيْهِ تَرَكْنَاهُ ، وَمَنْ كَرِهَ أَنْ يُتَابِعَنَا قَتَلْنَاهُ . فَفَعَلُوا ذَلِكَ ، وَكَانَ فِيهِمْ رِجُلٌ فَقِيهٌ ، فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ عَمَدَ إِلَى مَا يَعْرِفُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَكَتَبَهُ فِي شَيْءٍ لَطِيفٍ ، ثُمَّ أَدْرَجَهُ ، فَجَعَلَهُ فِي قَرْنٍ ، ثُمَّ عَلَّقَ ذَلِكَ الْقَرْنَ فِي عُنُقِهِ ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا الْقَتْلَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : يَا هَؤُلَاءِ ، إِنَّكُمْ قَدْ أَفْشَيْتُمُ الْقَتْلَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَادْعُوا فُلَانًا فَاعْرِضُوا عَلَيْهِ كِتَابَكُمْ ، فَإِنَّهُ إِنْ تَابَعَكُمْ فَسَيُتَابِعُكُمْ بَقِيَّةُ النَّاسِ ، وَإِنْ أَبَى فَاقْتُلُوهُ . فَدَعَوْا فُلَانًا ذَلِكَ الْفَقِيهَ فَقَالُوا : تُؤْمِنُ بِمَا فِي كِتَابِنَا ؟ قَالَ : وَمَا فِيهِ ؟ اعْرِضُوهُ عَلَيَّ . فَعَرَضُوهُ عَلَيْهِ إِلَى آخِرِهِ ، ثُمَّ قَالُوا : أَتُؤْمِنُ بِهَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، آمَنْتُ بِمَا فِي هَذَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْقَرْنِ - فَتَرَكُوهُ ، فَلَمَّا مَاتَ نَبَشُوهُ فَوَجَدُوهُ مُتَعَلِّقًا ذَلِكَ الْقَرْنَ ، فَوَجَدُوا فِيهِ مَا يَعْرِفُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : يَا هَؤُلَاءِ ، مَا كُنَّا نَسْمَعُ هَذَا أَصَابَهُ فِتْنَةٌ . فَافْتَرَقَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، وَخَيْرُ مِلَلِهِمْ مِلَّةُ أَصْحَابِ ذِي الْقَرْنِ " .
قَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ : [ وَإِنَّكُمْ ] أَوْشَكَ بِكُمْ إِنْ بَقِيتُمْ - أَوْ : بَقِيَ مَنْ بَقِيَ مِنْكُمْ - أَنْ تَرَوْا أُمُورًا تُنْكِرُونَهَا ، لَا تَسْتَطِيعُونَ لَهَا غِيَرًا ، فَبِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنْكُمْ أَنْ يَعْلَمَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهَا كَارِهٌ .
وَقَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ : حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ ، عَنْ
مُغِيرَةَ ، عَنْ
أَبِي مَعْشَرٍ ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ قَالَ : جَاءَ
عَتْرِيسُ بْنُ عُرْقُوبٍ إِلَى
ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَلَكَ مَنْ لَمْ يَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ . فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : هَلَكَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ قَلْبُهُ مَعْرُوفًا وَلَمْ يُنْكِرْ قَلْبُهُ مُنْكَرًا ; إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا طَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ وَقَسَتْ قُلُوبُهُمُ ، اخْتَرَعُوا كِتَابًا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمُ ، اسْتَهْوَتْهُ قُلُوبُهُمْ ، وَاسْتَحَلَّتْهُ أَلْسِنَتُهُمْ ، وَقَالُوا : نَعْرِضُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ هَذَا الْكِتَابَ فَمَنْ آمَنَ بِهِ تَرَكْنَاهُ ، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ قَتَلْنَاهُ . قَالَ : فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ كِتَابَ اللَّهِ فِي قَرْنٍ ، ثُمَّ جَعَلَ الْقَرْنَ بَيْنَ ثَنْدُوَتَيْهِ فَلَمَّا قِيلَ لَهُ : أَتُؤْمِنُ بِهَذَا ؟ قَالَ آمَنْتُ بِهِ - وَيُومِئُ إِلَى الْقَرْنِ بَيْنَ ثَنْدُوَتَيْهِ - وَمَالِي لَا أُؤْمِنُ بِهَذَا الْكِتَابِ ؟ فَمِنْ خَيْرِ مِلَلِهِمُ الْيَوْمَ مِلَّةُ صَاحِبِ الْقَرْنِ
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=17اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=29559أَنَّهُ ، تَعَالَى ، يُلِينُ الْقُلُوبَ بَعْدَ قَسْوَتِهَا ، وَيَهْدِي الْحَيَارَى بَعْدَ ضَلَّتِهَا ، وَيُفَرِّجُ الْكُرُوبَ بَعْدَ شِدَّتِهَا ، فَكَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ الْمَيِّتَةَ الْمُجْدِبَةَ الْهَامِدَةَ بِالْغَيْثِ الْهَتَّانِ [ الْوَابِلِ ] كَذَلِكَ يَهْدِي الْقُلُوبَ الْقَاسِيَةَ بِبَرَاهِينِ الْقُرْآنِ وَالدَّلَائِلِ ، وَيُولِجُ إِلَيْهَا النُّورَ بَعْدَ مَا كَانَتْ مُقْفَلَةً لَا يَصِلُ إِلَيْهَا الْوَاصِلُ ، فَسُبْحَانَ الْهَادِي لِمَنْ يَشَاءُ بَعْدَ الْإِضْلَالِ ، وَالْمُضِلِّ لِمَنْ أَرَادَ بَعْدَ الْكَمَالِ ، الَّذِي هُوَ لِمَا يَشَاءُ فَعَّالٌ ، وَهُوَ الْحَكَمُ الْعَدْلُ فِي جَمِيعِ الْفِعَالِ ، اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ .