قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خالد بن الوليد فبعثه إلى أكيدر دومة وهو أكيدر بن عبد الملك ; رجل من كندة ، كان ملكا عليها ، وكان نصرانيا ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد : " إنك ستجده يصيد البقر " . فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين ، وفي ليلة مقمرة صائفة ، وهو على سطح له ، ومعه امرأته ، وباتت البقر تحك بقرونها باب القصر ، فقالت له امرأته : هل رأيت مثل هذا قط ؟ ! قال لا والله ! قالت : فمن يترك هذا ؟ قال : لا أحد . فنزل فأمر بفرسه فأسرج له ، وركب ومعه نفر من أهل بيته ، فيهم أخ له يقال له : حسان . فركب وخرجوا معه بمطاردهم ، فلما خرجوا تلقتهم خيل النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخذته وقتلوا أخاه ، وكان عليه قباء من ديباج مخوص بالذهب ، فاستلبه خالد فبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قدومه عليه . قال : فحدثني عن عاصم بن عمر بن قتادة أنس بن مالك قال : رأيت قباء أكيدر حين قدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في الجنة أحسن من هذا " سعد بن معاذ فوالذي نفسي بيده لمناديل . . " أتعجبون من هذا ؟
قال ابن إسحاق : ثم إن خالد بن الوليد لما قدم بأكيدر على رسول الله [ ص: 180 ] صلى الله عليه وسلم حقن له دمه فصالحه على الجزية ، ثم خلى سبيله ، فرجع إلى قريته ، فقال رجل من بني طيئ - يقال له : بجير بن بجرة - في ذلك :
تبارك سائق البقرات إني رأيت الله يهدي كل هاد فمن يك حائدا عن ذي تبوك
فإنا قد أمرنا بالجهاد
وقد روى ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالدا مرجعه من تبوك في أربعمائة وعشرين فارسا إلى أكيدر دومة . فذكر نحو ما تقدم ، إلا أنه ذكر أنه ماكره حتى أنزله من الحصن ، وذكر أنه قدم مع أكيدر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة من السبي ، وألف بعير ، وأربعمائة درع ، وأربعمائة رمح ، وذكر أنه لما سمع عظيم أيلة يحنة بن رؤبة بقضية أكيدر دومة أقبل قادما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصالحه ، فاجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلمبتبوك . فالله أعلم .
وروى عن يونس بن بكير سعد بن أوس عن بلال بن يحيى أن أبا بكر الصديق كان على المهاجرين في غزوة دومة الجندل ، على الأعراب في غزوة وخالد بن الوليد دومة الجندل . . فالله أعلم .