الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( وإذا أتى مزدلفة فالمستحب أن يقف بقرب الجبل الذي عليه الميقدة يقال له قزح ) لأن النبي عليه الصلاة والسلام وقف عند هذا الجبل ، وكذا عمر رضي الله عنه . ويتحرز في النزول عن الطريق كي لا يضر بالمارة ، فينزل عن يمينه أو يساره ; ويستحب أن يقف وراء الإمام لما بينا في الوقوف بعرفة . [ ص: 155 ] قال : ( ويصلي الإمام بالناس المغرب والعشاء بأذان وإقامة واحدة ) وقال زفر رحمه الله : بأذان وإقامتين اعتبارا بالجمع بعرفة . ولنا رواية جابر رضي الله عنه { أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع بينهما بأذان وإقامة واحدة }ولأن العشاء في وقته فلا يفرد بالإقامة إعلاما ، بخلاف العصر بعرفة لأنه مقدم على وقته فأفرد بها لزيادة الإعلام . [ ص: 156 - 157 ] ( ولا يتطوع بينهما ) لأنه يخل بالجمع . ولو تطوع أو تشاغل بشيء أعاد الإقامة لوقوع الفصل ، وكان ينبغي أن يعيد الأذان كما في الجمع الأول بعرفة إلا أنا اكتفينا بإعادة الإقامة ، لما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى المغرب بمزدلفة ثم تعشى ، ثم أفرد الإقامة للعشاء } ، ( ولا تشترط الجماعة لهذا الجمع عند أبي حنيفة رحمه الله ) لأن المغرب مؤخرة عن وقتها ، بخلاف الجمع بعرفة لأن العصر مقدم على وقته . [ ص: 158 ] قال : ( ومن صلى المغرب في الطريق لم تجزه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما اللهوعليه إعادتها ما لم يطلع الفجر ) وقال أبو يوسف رحمه الله : يجزيه وقد أساء ، وعلى هذا الخلاف إذا صلى بعرفات . لأبي يوسف رحمه الله أنه أداها في وقتها فلا تجب إعادتها كما بعد طلوع الفجر ، إلا أن التأخير من السنة فيصير مسيئا بتركه . ولهما ما روي { أنه عليه الصلاة والسلام قال لأسامة رضي الله عنه في طريق المزدلفة الصلاة أمامك }معناه وقت الصلاة وهذا إشارة إلى أن التأخير واجب ، وإنما وجب ليمكنه الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة فكان عليه الإعادة ما لم يطلع الفجر ليصير جامعا بينهما . وإذا طلع الفجر لا يمكنه الجمع فسقطت الإعادة . [ ص: 159 ] قال : ( وإذا طلع الفجر يصلي الإمام بالناس الفجر بغلس ) لرواية ابن مسعود رضي الله عنه { أن النبي عليه الصلاة والسلام صلاها يومئذ بغلس }ولأن في التغليس دفع حاجة الوقوف فيجوز كتقديم العصر بعرفة . ( ثم وقف ووقف معه الناس ودعا ) لأن النبي عليه الصلاة والسلام وقف في هذا الموضع يدعو . حتى روي في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فاستجيب له دعاؤه لأمته [ ص: 160 ] حتى الدماء والمظالم ، ثم هذا الوقوف واجب عندنا ، وليس بركن حتى لو تركه بغير عذر يلزمه الدم . وقال الشافعي رحمه الله إنه ركن لقوله تعالى: { فاذكروا الله عند المشعر الحرام }وبمثله تثبت الركنية . ولنا ما روي أنه عليه الصلاة والسلام قدم ضعفة أهله بالليل ، ولو كان ركنا لما فعل ذلك ، والمذكور فيما تلا الذكر وهو ليس بركن بالإجماع . [ ص: 161 ] وإنما عرفنا الوجوب بقوله عليه الصلاة والسلام { من وقف معنا هذا الموقف وقد كان أفاض قبل ذلك من عرفات فقد تم حجه }علق به تمام الحج ، وهذا يصلح أمارة للوجوب غير أنه إذا تركه بعذر بأن يكون به ضعف أو علة أو كانت امرأة تخاف الزحام لا شيء عليه لما روينا .

                                                                                                        [ ص: 162 ] قال : ( والمزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر ) لما روينا من قبل . قال : ( فإذا طلعت الشمس أفاض الإمام والناس معه حتى يأتوا منى ) . قال العبد الضعيف عصمه الله تعالى : هكذا وقع في نسخ المختصر وهذا غلط . والصحيح أنه إذا أسفر أفاض الإمام والناس لأن النبي عليه الصلاة والسلام دفع قبل طلوع [ ص: 163 ] الشمس .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثامن والأربعون : روي أنه عليه السلام وقف عند هذا الجبل يعني قزح وكذا عمر ، قلت : أخرجه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي ، واللفظ للترمذي ، قال : { وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة ، فقال هذه عرفة ، [ ص: 155 ] وعرفة كلها موقف ثم أفاض حين غربت الشمس ، وأردف أسامة بن زيد ، وجعل يشير بيده على هينته ، والناس يضربون يمينا وشمالا ، يلتفت إليهم ، ويقول : أيها الناس ، عليكم السكينة ، ثم أتى جمعا ، فصلى بهم الصلاتين جميعا ، فلما أصبح أتى قزح فوقف عليه } ، الحديث .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        أخرجه الحاكم في " المستدرك " عن جابر أن النبي عليه السلام ، قال حين وقف مختصر ، وقال : صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " أخبرنا عقبة بن مكرم الهلالي ثنا يونس ثنا إبراهيم بن إسماعيل عن زيد بن علي عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه ، قال : { غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح بجمع ، حتى وقف على قزح بالمزدلفة ، ثم قال : هذا الموقف ، وكل المزدلفة ، وارتفعوا عن بطن محسر ، ثم دفع حين أسفر } ، انتهى . وحديث عمر غريب .

                                                                                                        الحديث التاسع والأربعون : روى جابر أن { النبي عليه السلام جمع بين المغرب والعشاء بأذان وإقامة واحدة يعني بالمزدلفة } ، قلت : رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن جابر بن عبد الله ، قال : { صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامة ، ولم يسبح بينهما }انتهى .

                                                                                                        وهو حديث غريب ، فإن الذي في حديث جابر الطويل عند مسلم أنه صلاهما بأذان وإقامتين ، ولفظه : قال : { ثم أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئا } ، الحديث . وعند البخاري أيضا عن ابن عمر ، قال ، { جمع النبي عليه السلام بين المغرب والعشاء بجمع ، كل واحدة منهما بإقامة ، ولم يسبح بينهما ، ولا على إثر واحدة منهما } ، وهذان الحديثان مخالفان للأول ، ولما يأتي بعد .

                                                                                                        [ ص: 156 ] { حديث آخر } : أخرج البخاري ، ومسلم عن أسامة بن زيد ، قال : { دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال فتوضأ ، ولم يسبغ الوضوء ، قلت له : الصلاة ؟ قال : الصلاة أمامك ، فركب ، فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ ، فأسبغ الوضوء ، ثم أقيمت الصلاة ، فصلى المغرب ، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ، ثم أقيمت العشاء فصلاها ، ولم يصل بينهما شيئا }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا ابن مسهر عن ابن أبي ليلى عن عدي بن ثابت عن عبد الله بن يزيد عن أبي أيوب ، قال : { صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة المغرب والعشاء بإقامة }انتهى .

                                                                                                        ورواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا يحيى بن آدم ثنا قيس عن غيلان بن جامع ، صوابه : حازم ، عن عدي به ، ورواه من طريق آخر الطبراني في " معجمه " من طريق أبي نعيم ثنا سفيان عن جابر بن عدي به ، ورواه من طريق آخر ، فقال : حدثنا علي بن سعيد الرازي ثنا جعفر بن محمد عن فضيل الرؤاسي ثنا محمد بن أبي سليمان بن أبي داود حدثنا أبي عن عبد الكريم عن سعيد بن المسيب عن أبي أيوب الأنصاري أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين صلاة المغرب وصلاة العشاء بالمزدلفة ، بأذان واحد وإقامة واحدة } ، انتهى .

                                                                                                        وحديث أبي أيوب الأنصاري هذا رواه البخاري ، ومسلم ، ليس فيه ذكر الإقامة ، أخرجاه عن عبد الله بن يزيد الخطمي عن أبي أيوب أنه { صلى مع النبي عليه السلام في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة } ، زاد البخاري : جميعا ، خرجه في " المغازي " .

                                                                                                        ومن أحاديث الباب : ما أخرجه مسلم عن سعيد بن جبير ، قال : { أفضنا مع ابن عمر ، فلما بلغنا جمعا صلى بنا المغرب ثلاثا ، والعشاء ركعتين بإقامة واحدة ، فلما انصرف ، قال ابن عمر : هكذا صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان }انتهى .

                                                                                                        قال الشيخ في " الإمام " : وجعل بعض الرواة مكان ابن عمر ، ابن عباس ، كما أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني عن الحسين بن حفص ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن { النبي عليه السلام صلى المغرب والعشاء بجمع بإقامة واحدة } ، ثم قال : هكذا أسنده عن ابن عباس ، ورواه وكيع ، وإسحاق بن يوسف ، وحسان بن إبراهيم ، وعبيد الله بن موسى [ ص: 157 ] عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى .

                                                                                                        وليس في هذه الطرق ذكر الأذان ، لكن أخرجه أبو داود عن أشعث بن سليم عن أبيه ، قال : أقبلت مع ابن عمر من عرفات إلى المزدلفة ، فلم يكن يفتر من التكبير والتهليل ، حتى أتينا المزدلفة فأذن وأقام ، أو أمر إنسانا فأذن وأقام ، فصلى بنا المغرب ثلاث ركعات ، ثم التفت إلينا ، فقال : الصلاة ، فصلى بنا العشاء ركعتين ، ثم دعا بعشائه ، قال : وأخبرني علاج بن عمرو بمثل حديث أبي عن ابن عمر ، فقيل لابن عمر في ذلك ، فقال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا انتهى .

                                                                                                        الحديث الخمسون : روي أن { النبي عليه السلام صلى المغرب بالمزدلفة ، ثم تعشى ، ثم أفرد الإقامة للعشاء } ، قلت : غريب ، وهو في البخاري عن ابن مسعود أخرجه البخاري عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : حج عبد الله بن مسعود فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعتمة ، أو قريبا من ذلك ، فأمر رجلا ، فأذن وأقام ، ثم صلى المغرب ، وصلى بعدها ركعتين ، ثم دعا بعشائه فتعشى ، ثم أمر أرى فأذن وأقام ، قال عمرو بن خالد : لا أعلم الشك إلا من زهير ، ثم صلى العشاء ركعتين ، فلما طلع الفجر ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان من هذا اليوم ، قال عبد الله : هما صلاتان تحولان عن وقتهما : صلاة المغرب بعد ما يأتي الناس المزدلفة ، والفجر حين بزغ الفجر ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ، انتهى .

                                                                                                        وأعاده في موضع آخر عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : خرجنا مع عبد الله إلى مكة ، ثم قدمنا جمعا فصلى الصلاتين ، كل صلاة وحدها ، بأذان وإقامة ، والعشاء بينهما ، ثم صلى الفجر حين طلع الفجر ، وقائل يقول : طلع الفجر ، وقائل يقول : لم يطلع ، ثم قال : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 158 ] قال : إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان : المغرب والعشاء ، فلا يقدم الناس جمعا حتى يعتموا . وصلاة الفجر هذه الساعة } ، ثم وقف حتى أسفر ، ثم قال : لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة ، فما أدري أقوله كان أسرع أم دفع عثمان ، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر انتهى .

                                                                                                        وأخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " ، ولفظه قال : فلما أتى جمعا أذن وأقام ، فصلى المغرب ثلاثا ، ثم تعشى ، ثم أذن وأقام ، فصلى العشاء ركعتين انتهى .

                                                                                                        وأخرج عن عمر نحوه ، ولم يحسن شيخنا علاء الدين إذ استشهد لهذا الحديث بحديث أسامة الآتي ذكره ، وتقدم أيضا ، وليس فيه المقصود ولا شيء منه ، ثم إنه عزاه لمسلم ، وهو عند البخاري أيضا ، ولكنه قلد .

                                                                                                        الحديث الحادي والخمسون : روي { أنه عليه السلام قال لأسامة في طريق المزدلفة : الصلاة أمامك } ، قلت : أخرجه البخاري ، ومسلم عن أسامة ، قال : { دفع عليه السلام من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال ، ثم توضأ ، ولم يسبغ الوضوء ، فقلت له : الصلاة ، فقال : الصلاة أمامك فركب ، فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ ، فأسبغ الوضوء ، ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ، ثم أقيمت الصلاة فصلاها ، [ ص: 159 ] ولم يصل بينهما شيئا }انتهى .

                                                                                                        الحديث الثاني والخمسون : روى ابن مسعود أن { النبي عليه السلام صلى الفجر يومئذ بغلس } ، قلت : رواه البخاري ، ومسلم عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود ، قال : { ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لميقاتها ، إلا صلاتين : صلى المغرب والعشاء بجمع ، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها }. قوله : قبل ميقاتها ، أي قبل ميقاتها المعتاد في كل يوم ، لا أنه صلاها قبل الفجر ، ولكن غلس بها كثيرا ، بينه لفظ البخاري ، والفجر حين بزغ الفجر ، وفي لفظ لمسلم : قبل ميقاتها بغلس ، وأخرج بالسند المذكور أنه صلى بجمع الصلاتين جميعا ، وصلى الفجر حين طلع الفجر ، وقائل يقول : لم يطلع الفجر ، ثم قال : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان : المغرب والعشاء ، فلا يقدم الناس جمعا حتى يعتموا ، وصلاة الفجر هذه الساعة ، ثم وقف حتى أسفر } ، مختصر ، وقد تقدم قريبا بتمامه .

                                                                                                        الحديث الثالث والخمسون : روي أنه عليه السلام ، وقف في هذا الموضع يعني المزدلفة يدعو حتى روي في حديث ابن عباس ، { واستجيب له دعاؤه لأمته ، حتى الدماء والمظالم } ، قلت : تقدم في حديث جابر الطويل ، { فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة ، فدعاه ، فكبره ، وهلله ، ووحده ، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ، فدفع قبل أن تطلع الشمس } ، الحديث . وقوله : حتى روي في حديث ابن عباس . هذا وهم ، وإنما روي هذا في حديث [ ص: 160 ] ابن عباس بن مرداس ، وقد تقدم في الحديث الرابع والأربعين ، واعتذر هذا الجاهل بأن المصنف إنما أراد بابن عباس كنانة بن عباس بن مرداس ، وهذا خطأ من وجهين : أحدهما : أن ابن عباس إذا أطلق فلا يراد به إلا عبد الله بن عباس ، فلو أراد كنانة لقيده . الثاني : أن المصنف ليس من عادته أن يذكر التابعي دون الصحابي ، عند ذكر الحديث ، ولا يليق به ذلك ، والله أعلم .

                                                                                                        الحديث الرابع والخمسون : روي أنه عليه السلام قدم ضعفة أهله بليل ، قلت : أخرجه البخاري ، ومسلم عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : { كانت سودة امرأة ضخمة بطيئة ، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفيض من جمع بليل ، فأذن لها }. قالت عائشة : فليتني كنت استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سودة ، وكانت عائشة لا تفيض إلا مع الإمام ، انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه البخاري ، ومسلم عن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر أنه كان يقدم ضعفة أهله ، فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل ، فيذكرون الله ما بدا لهم ، ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام ، وقبل أن يدفع ، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ، ومنهم من يقدم بعد ذلك ، فإذا قدموا رموا الجمرة ، وكان ابن عمر يقول : أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه البخاري ، ومسلم أيضا عن عطاء عن ابن عباس ، قال : أنا ممن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله من جمع بليل ، انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه البخاري ، ومسلم أيضا عن عبد الله مولى أسماء عن أسماء أنها رمت الجمرة ، قلت لها : إنا رمينا الجمرة بليل ، قالت : إنا كنا نصنع هذا على عهد [ ص: 161 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه مسلم { عن أم حبيبة أن النبي عليه السلام بعث بها من جمع بليل }انتهى . وفي لفظ : { كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلس من المزدلفة إلى منى }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن عطاء عن ابن عباس ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم ضعفة أهله بغلس ، ويأمرهم لا يرمون الجمرة حتى تطلع الشمس }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود عن ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : { أرسل النبي عليه السلام بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ، ثم مضت فأفاضت ، وكان ذلك اليوم ، اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني عندها }انتهى .

                                                                                                        ورواه البيهقي في " سننه " ، وقال : إسناده صحيح لا غبار عليه انتهى .

                                                                                                        الحديث الخامس والخمسون : قال عليه السلام : { من وقف معنا هذا الموقف ، وكان قد أفاض قبل ذلك من عرفات فقد تم حجه } ، قلت : أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن عروة بن مضرس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من شهد صلاتنا هذه ، ووقف معنا حتى ندفع ، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا ، فقد تم حجه ، وقضى تفثه }انتهى . [ ص: 162 ] ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الحادي عشر ، من القسم الثالث ، ولفظه : قال : { رأيت النبي عليه السلام وهو واقف بالمزدلفة ، فقال : من صلى صلاتنا هذه }إلى آخره ، ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال : صحيح على شرط كافة أئمة الحديث ، وهو قاعدة من قواعد الإسلام ، ولم يخرجه الشيخان على أصلهما أن عروة بن مضرس لم يرو عنه غير الشعبي ، وقد وجدنا عروة بن الزبير قد حدث عنه ، ثم أخرج عن يوسف بن خالد السمتي ثنا هشام بن عروة عن أبيه عروة عن عروة بن مضرس ، قال : { جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالموقف ، فقلت : يا رسول الله أتيت من جبل طيئ ، أكللت مطيتي ، وأتعبت نفسي ، والله ما بقي جبل من تلك الجبال حتى وقفت عليه ، فقال : من أدرك معنا هذه الصلاة يعني صلاة الغداة ، وقد أتى عرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه ، وقضى تفثه }انتهى .

                                                                                                        قال : وقد تابع عروة بن مضرس من الصحابة في رواية : هذه السنة ، عبد الرحمن بن معمر الدؤلي ، ثم أخرجه من طريق أحمد بن حنبل ، وسكت عنه ، وتعقب الذهبي في " مختصره " الطريق الثاني ، وقال : إن يوسف بن خالد السمتي ليس بثقة انتهى .

                                                                                                        وقال صاحب " التنقيح " رحمه الله : فيها رجل متروك ، وآخر غير معروف ، انتهى .

                                                                                                        الحديث السادس والخمسون : روي أنه عليه السلام دفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس ، قلت : فيه أحاديث : أخرج الجماعة إلا مسلما عن عمرو بن ميمون ، قال : شهدت عمر صلى بجمع الصبح ، ثم وقف ، فقال : إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ، ويقولون : أشرق ثبير ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم خالفهم ، ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ : كانوا لا يفيضون حتى تشرق الشمس على ثبير . [ ص: 163 ]

                                                                                                        { حديث آخر } : تقدم في حديث جابر الطويل ، { ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة ، ودعاه وكبره وهلله ووحده ، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ، فدفع قبل أن تطلع الشمس } ، الحديث .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه أحمد في " مسنده " ثنا أبو داود ثنا زمعة عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بجمع ، فلما أضاء كل شيء قبل أن تطلع الشمس أفاض }انتهى .

                                                                                                        قال في " التنقيح " : وزمعة روى له مسلم مقرونا بغيره ، وقال ابن معين في رواية عنه : صويلح الحديث ، وقال النسائي : متروك ، ليس بالقوي ، وقال ابن عدي : أرجو أن حديثه صالح لا بأس به انتهى .

                                                                                                        وبهذا الحديث استدل ابن الجوزي رحمه الله في " التحقيق " لأبي حنيفة رضي الله عنه أن الدفع من المزدلفة لا يجوز قبل طلوع الفجر ، واستدل لأحمد في جوازه بعد نصف الليل بحديث عائشة المتقدم في الرابع والخمسين : أن { النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة } ، وصححه البيهقي ، قال في " التنقيح " : وليس في حديث ابن عباس دليل على عدم جواز الدفع قبل طلوع الفجر ، ولا في حديث عائشة دليل على أنه يجوز لكل أحد في كل حال الدفع من المزدلفة بعد نصف الليل انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : تقدم في الحديث الرابع والأربعين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن { النبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض من المزدلفة قبل طلوع الشمس } ، رواه الطبراني في " معجمه الكبير " .

                                                                                                        { حديث آخر } : وأخرج في " معجمه الأوسط " من طريق الواقدي عن حارثة بن أبي عمران عن سليمان بن عبد الله بن خباب عن أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه عن أبيها عن أبي بكر الصديق نحوه ، سواء .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أصحاب السنن إلا الترمذي عن الحسن العرني عن [ ص: 164 ] ابن عباس ، قال : { قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات ، فجعل يلطخ أفخاذنا ، ويقول : أبني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس }انتهى . والحسن العرني احتج به مسلم . واستشهد به البخاري ، وقال أحمد ، وابن معين : إنه لم يسمع من ابن عباس ، قاله المنذري ، والله أعلم .




                                                                                                        الخدمات العلمية