الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 262 ] ( ولا بأس بأن يأكل المحرم لحم صيد اصطاده حلال وذبحه إذا لم يدل المحرم عليه ولا أمره بصيده ) خلافا لمالك رحمه الله فيما إذا اصطاده لأجل المحرم . له قوله عليه الصلاة والسلام { لا بأس بأكل المحرم لحم صيد ما لم يصده أو يصد له }. [ ص: 263 - 266 ] ولنا ما روي " { أن الصحابة رضي الله عنهم تذاكروا لحم الصيد في حق المحرم ، فقال عليه الصلاة والسلام : لا بأس به }" واللام فيما روي لام تمليك فيحمل على أن يهدى إليه الصيد دون اللحم ، أو معناه أن يصاد بأمره ثم شرط عدم الدلالة وهذا تنصيص على أن الدلالة محرمة ، قالوا فيه روايتان ، ووجه الحرمة حديث أبي قتادة رضي الله عنه وقد ذكرناه .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثالث عشر : قال عليه السلام : { لا بأس أن يأكل المحرم لحم صيد ما لم يصده أو يصد له }; قلت : أخرجه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي عن يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن جابر بن عبد الله ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { صيد البر لكم حلال ، وأنتم حرم ، ما لم تصيدوه ، أو يصد لكم }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : والمطلب بن حنطب لا نعرف له سماعا من جابر ، ثم قال : قال الشافعي : هذا أحسن حديث روي في هذا الباب انتهى .

                                                                                                        وقال في " كتاب الأضحية " : والمطلب بن عبد الله بن حنطب يقال : إنه لم يسمع من جابر انتهى . وقال النسائي : عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي في الحديث ، وإن [ ص: 263 ] كان قد روى عنه مالك انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الأربعين ، من القسم الثالث ، والحاكم في " المستدرك " ، وقال : على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، قال : وهكذا رواه مالك بن أنس وسليمان بن بلال ، ويحيى بن عبد الله بن سالم عن عمرو بن أبي عمرو متصلا مسندا ، ثم أخرج أحاديثهم ، ثم أخرجه من طريق الشافعي ، أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو عن رجل من بني سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الحاكم : وهذا لا يعلل حديث مالك ، وسليمان بن بلال ، ويعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني . فإنهم وصلوه وهم ثقات انتهى كلامه .

                                                                                                        وهذا الذي أخرجه من جهة الشافعي ، رواه الحاكم في " مسنده " بالإسناد المذكور ، بعد أن رواه متصلا عن إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب عن جابر مرفوعا ، قال الشافعي : وابن يحيى أحفظ من الدراوردي انتهى .

                                                                                                        قال صاحب " التنقيح " : عمرو بن أبي عمرو تكلم فيه بعض الأئمة ، ولكن روى عنه مالك ، وأخرج له البخاري ومسلم في " صحيحيهما " ، والمطلب بن عبد الله بن حنطب ثقة ، إلا أنه لم يسمع من جابر فيما قيل ، قال ابن أبي حاتم في " المراسيل " : سمعت أبي يقول : المطلب بن عبد الله بن حنطب عامة أحاديثه مراسيل ، لم يدرك من الصحابة إلا سهل بن سعد ، وأنسا ، وسلمة بن الأكوع ، أو من كان قريبا منهم ، لم يسمع من جابر ; وقال في " كتاب الجرح والتعديل " : قال أبي : وجابر يشبه أن يكون أدركه ، انتهى كلامه .

                                                                                                        وأجاب صاحب الكتاب عن هذا الحديث : بأن معناه : أو يصاد لكم بأمركم ; وكذلك قاله الطحاوي ، قال : قوله في حديث أبي قتادة : { هل أشرتم أو أعنتم ؟ قالوا : لا ، قال : فكلوا } ، دليل على أنه إنما يحرم بذلك فقط ، ولم يقل : هل صيد لأجلكم ؟

                                                                                                        وأما حديث أبي موسى : فأخرجه الطبراني في " معجمه " عن يوسف بن خالد [ ص: 264 ] السمتي ثنا عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبي موسى الأشعري عن النبي عليه السلام نحوه ، سواء ; ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وأعله بيوسف بن خالد هذا ، وضعفه عن البخاري ، والنسائي ، والشافعي ، وابن معين ، وأغلظ فيه القول انتهى .

                                                                                                        قلت : رواه الطحاوي في " شرح الآثار " من حديث إبراهيم بن سويد حدثني عمرو بن أبي عمرو ، به سواء .

                                                                                                        وأما حديث ابن عمر : فأخرجه ابن عدي في " الكامل " عن عثمان بن خالد العثماني عن مالك عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الصيد يأكله المحرم ما لم يصده ، أو يصد له } ، انتهى .

                                                                                                        وضعف عثمان هذا عن البخاري ، وقال ابن عدي : هذا عن مالك غير محفوظ ، وكل أحاديث عثمان هذا غير محفوظة انتهى .

                                                                                                        أحاديث الخصوم : منها حديث الصعب بن جثامة ، أخرجه الجماعة إلا أبا داود عن ابن عباس عنه ، أنه { أهدي للنبي عليه السلام حمارا وحشيا ، وهو بالأبواء ، أو بودان ، فرده عليه السلام ، قال : فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهه ، قال : إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : قال الشافعي : وجه هذا الحديث عندنا أنه إنما رده عليه لما ظن أنه صيد من أجله ، أو تركه على التنزه انتهى .

                                                                                                        حديث آخر : أخرجه أبو داود ، والنسائي عن عطاء بن أبي رباح عن { ابن عباس أنه قال لزيد بن أرقم : يا زيد ، هل علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدي إليه عضو صيد ، فلم يقبله ، وقال : إنا حرم ؟ قال : نعم }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث عن أبيه عبد الله بن الحارث بن نوفل { أن الحارث بن نوفل وكان خليفة عثمان على الطائف صنع [ ص: 265 ] لعثمان طعاما فيه من الحجل ، واليعاقيب ، ولحم الوحش ، فبعث إلى علي ، فجاءه الرسول ، وهو يخبط لأباعر له ، فجاء ، وهو ينفض الخبط عن يديه ، فقالوا له : كل ، فقال : أطعموه قوما حلالا ، فإنا حرم ، فقال علي : أنشد من كان ها هنا من أشجع ، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى إليه رجل حمار وحش ، وهو محرم ، فأبى أن يأكله ؟ قالوا : نعم } ، انتهى .

                                                                                                        ورواه الطحاوي في " شرح الآثار " ، لم يقل : أنشد من كان هاهنا ، إلى آخره ، وإنما قال : فقال علي : { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } ، قال الطحاوي : وقد خالف عليا في ذلك عمر ، وأبو هريرة ، وعائشة ، وطلحة بن عبيد الله ، ثم أخرج عن ابن المبارك : ثنا يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، أن رجلا من أهل الشام استفتاه في لحم الصيد وهو محرم ، فأمره بأكله ، قال : فلقيت عمر ، فأخبرته بمسألة الرجل ، فقال : بما أفتيته ؟ قلت : بأكله ، فقال : والذي نفسي بيده لو أفتيته بغير ذلك لعلوتك بالدرة ، إنما نهيت أن تصطاده ، انتهى .

                                                                                                        ثم أخرج عن عبد الله بن شماس عن عائشة ، قالت في لحم الصيد يصيده الحلال ، ثم يهديه للمحرم : ما أرى به بأسا ، قال : وأما معنى الآية ، فمعناه : وحرم عليكم قتل صيد البر ، بدليل قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم }الآية ، ولم يقل : لا تأكلوا ، قال : ومن جهة النظر أيضا أنهم أجمعوا أن الصيد يحرمه الإحرام على المحرم ، ويحرمه الحرم على الحلال ، وكأن من صاد صيدا في الحل فذبحه في الحل ، ثم أدخله في الحرم ، لا شيء عليه في أكله ، فلما كان الحرم لا يمنع من لحم الصيد الذي صيد في الحل ، كما يمنعه من الصيد الحي ، كان الناظر على ذلك أن يكون كذلك الإحرام أيضا ، يحرم على المحرم الصيد الحي ، ولا يحرم عليه لحمه ، إذا تولى الحلال ذبحه ، والله أعلم ; والشافعي مع أبي حنيفة في إباحة أكل المحرم ما صيد لأجله ، وأحمد مع مالك في تحريمه ، واحتج الشيخ ابن الجوزي في " التحقيق " لأحمد بحديث الصعب بن جثامة ، وبحديث جابر ، وبحديث أبي قتادة ، ومن جهة عبد الرزاق . [ ص: 266 ]

                                                                                                        الحديث الرابع عشر : روي { أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا تذاكروا لحم الصيد في حق المحرم ، فقال عليه السلام : لا بأس به }انتهى .

                                                                                                        قلت : رواه محمد بن الحسن الشيباني في " كتاب الآثار " ، أخبرنا أبو حنيفة عن محمد بن المنكدر عن عثمان بن محمد عن طلحة بن عبيد الله قال : { تذاكرنا لحم الصيد يأكله المحرم ، والنبي عليه السلام نائم ، فارتفعت أصواتنا ، فاستيقظ النبي عليه السلام ، فقال : فيم تتنازعون ؟ فقلنا : في لحم الصيد يأكله المحرم ، فأمرنا بأكله }انتهى .

                                                                                                        ومن أحاديث الأصحاب : قال الشيخ في " الإمام " : روى الحافظ أبو عبد الله الحسين بن محمد بن خسرو البلخي في " مسند الإمام أبي حنيفة " عن أبي حنيفة عن هشام بن عروة عن أبيه عن جده { الزبير بن العوام ، قال : كنا نحمل الصيد صفيفا ، وكنا نتزوده ، ونأكله ، ونحن محرمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم }انتهى .

                                                                                                        قال : وكذلك رواه ابن أبي العوام في " كتاب فضائل أبي حنيفة " ، واختصره مالك في " الموطأ " ، فقال : مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير بن العوام كان يتزود صفيف الظباء في الإحرام انتهى .

                                                                                                        قال في " الصحاح " : الصفيف ما يصف من اللحم على اللحم ليستوي .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه مسلم في " صحيحه " عن ابن جريج عن محمد بن المنكدر عن { معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان عن أبيه ، قال : كنا مع طلحة بن عبيد الله ، ونحن حرم ، فأهدي إليه طير ، وطلحة راقد ، فمنا من أكل ، ومنا من تورع ، فلما انتبه أخبر ، فوافق من أكله ، وقال : أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم }انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الأربعين ، من القسم الثالث ، وأخرجه أيضا عن ابن أبي شيبة ; وقال فيه : عن ابن المنكدر عن معاذ بن عبد الرحمن عن أبيه ، فذكره ، ثم قال : ولست أنكر سماع ابن المنكدر عن عبد الرحمن بن عثمان ، فمرة رواه عنه ، ومرة رواه عن معاذ عنه ، [ ص: 267 ] انتهى كلامه . ورواه البزار في " مسنده " بالسند الأول ، وقال : لا نعلم أحدا جود إسناده ووصله ، إلا ابن جريج ، ولا نعلمه عن النبي عليه السلام إلا من هذا الوجه انتهى .

                                                                                                        ومن أحاديث الأصحاب أيضا : حديث أبي قتادة ، أخرجه البخاري ، ومسلم في " صحيحيهما " ، قال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجا ، وخرجنا معه ، قال : فانصرف من أصحابه جماعة ، فيهم أبو قتادة ، فقال : خذوا ساحل البحر ، حتى تلقوني ، قال : فأخذوا ساحل البحر ، فلما انصرفوا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرموا كلهم ، إلا أبو قتادة ، فإنه لم يحرم ، فبينما هم يسيرون ، إذ رأوا حمر وحش ، فحمل عليها أبو قتادة ، فعقر منها أتانا ، فنزلنا ، فأكلنا من لحمها ، فقلنا : نأكل من لحم صيد ونحن محرمون ؟ فحملنا ما بقي من لحمها ، فقال : هل معكم أحد أمره ، أو أشار إليه بشيء ؟ قالوا : لا ، قال : فكلوا ما بقي من لحمها }; وفي لفظ لهما : { عن أبي قتادة أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الحديبية ، قال : فأهلوا بعمرة غيري ، قال : فاصطدت حمار وحش ، فأطعمت أصحابي ، وهم محرمون ، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنبأته أن عندنا من لحمه ، فقال : كلوه ، وهم محرمون انتهى . وفي بعض طرق البخاري ، قال : معكم منه شيء ؟ فقلت : نعم ، فناولته العضد ، فأكلها حتى تعرقها ، وهو محرم }

                                                                                                        ، ذكره في " الأطعمة في الهبة " قاله عبد الحق ; وفي لفظ لمسلم : فقال : { هل معكم من لحمه شيء ؟ قالوا : معنا رجله ، قالوا : فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلها }; وأخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن { عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه ، قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فأحرم أصحابي ، ولم أحرم أنا ، فرأيت حمار وحش ، فحملت عليه ، فاصطدته ، فذكرت شأنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرت له أني لم أكن أحرمت ، وأني إنما اصطدته لك ، فأمر النبي عليه السلام أصحابه فأكلوا ، ولم يأكل ، حين أخبرته أني اصطدته له }انتهى .

                                                                                                        ومن طريق عبد الرزاق : أخرجه ابن ماجه في " سننه " ، [ ص: 268 ] وأحمد وإسحاق بن راهويه في " مسنديهما " ، والدارقطني في " سننه " ، قال الدارقطني : قال أبو بكر النيسابوري : قوله : اصطدته لك ، وقوله : لم يأكل منه لا أعلم أحدا ذكره في هذا الحديث غير معمر انتهى .

                                                                                                        وقال صاحب " التنقيح " : والظاهر أن هذا اللفظ الذي تفرد به معمر غلط ، فإن في " الصحيحين " أن النبي عليه السلام أكل منه ; وفي لفظ لأحمد : { قلت : هذه العضد قد شويتها وأنضجتها ، فأخذها فنهشها عليه السلام ، وهو حرام ، حتى فرغ منها }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الطحاوي في " شرح الآثار " عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة الضمري ، قال : { بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض أفناء الروحاء ، وهو محرم إذا حمار معقور فيه سهم قد مات ، فقال عليه السلام : دعوه ، فيوشك صاحبه أن يأتيه ، فجاء رجل من بهز ، هو الذي عقر الحمار ، فقال : يا رسول الله هي رميتي ، فشأنكم به ، فأمر عليه السلام أبا بكر أن يقسمه بين الرفاق ، وهم محرمون }انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية