الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( فإن قال لها زنيت وهذا الحمل من الزنا تلاعنا ) لوجود القذف حيث ذكر الزنا صريحا ( ولم ينف القاضي الحمل ) وقال الشافعي رحمه الله : ينفيه [ ص: 518 ] { لأنه عليه الصلاة والسلام نفى الولد عن هلال وقد قذفها حاملا }. ولنا أن الأحكام لا تترتب عليه إلا بعد الولادة ، لتمكن الاحتمال قبله والحديث محمول على أنه عرف قيام الحبل بطريق الوحي .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الخامس : روي { أنه عليه السلام نفى الولد عن هلال ، وقد قذفها حاملا }; [ ص: 518 ] قلت : رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " في حديث عباد بن منصور المتقدم ، عند أبي داود ثنا عكرمة عن ابن عباس ، قال : { لما نزلت { والذين يرمون المحصنات } ، إلى أن قال : فجاء هلال بن أمية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله رأيت بعيني ، وسمعت بأذني ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بامرأته ، فوعظهما وذكرهما ، ثم لاعن بينهما ، إلى أن قال : ثم قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفرق بينهما ، وليس لها عليه قوت ، ولا سكنى ، ولا نفقة ، ولا ميراث بينهما ، فكانت حاملا من غير طلاق ، ولا متوفى عنها زوجها ، وأمر أن لا يدعى ولدها للأب ، ولا يرمى ولدها ، فمن رماها أو رمى ولدها جلد الحد ، قال عباد بن منصور : فحدثني عكرمة أنه رأى هذا الغلام أمير مصر من الأمصار ، يخطب على منبرها ، لا يعرف أبوه } ، مختصر .

                                                                                                        وروى البخاري في " صحيحه " عن [ ص: 519 ] ابن جريج به سندا ومتنا ، ليس فيه : فأنكره ، ولفظه : أخبرنا ابن جريج عن ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي { أن عويمرا العجلاني جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه ، أم كيف يفعل ؟ فأنزل الله في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتلاعنين ; فقال له عليه السلام : قد قضى الله فيك ، وفي امرأتك ، قال : فتلاعنا في المسجد ; وأنا شاهد ، فلما فرغا ، قال : كذبت عليها إن أمسكتها ، فطلقها ثلاثا ، قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم حين فرغا من التلاعن ، فقال عليه السلام : ذلك التفريق بين كل متلاعنين ، وكانت حاملا ، فكان ابنها يدعى لأمه }انتهى .

                                                                                                        زاد مسلم : { قال سهل : وكانت حاملا ، فكان ابنها ينسب إلى أمه ، ثم جرت السنة أنه يرثها ، وترث منه ما فرض الله لها } ، الحديث . وقوله : فكان ابنها ، إلى آخره ، هو عند البخاري من قول الزهري ; وروى عبد الرزاق أيضا أخبرنا إبراهيم بن محمد أخبرني أبو الزناد عن القاسم بن محمد عن ابن عباس ; قال : { لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العجلاني وامرأته ، وكانت حبلى ، وقال زوجها : ما قربتها منذ عفار النخل ، وعفار النخل : أنها كانت لا تسقى بعد الإبار شهرين ، فقال عليه السلام : اللهم بين ، فجاءت بولد على الوجه المكروه } ، إلى آخره .

                                                                                                        وروى ابن سعد في " الطبقات في ترجمة عويمر " أخبرنا محمد بن عمر هو الواقدي حدثني الضحاك بن عثمان عن عمران بن أبي أنس عن عبد الله بن جعفر ، قال : { شهدت عويمر بن الحارث العجلاني ، وقد رمى امرأته بشريك ابن السحماء ، وأنكر حملها ، فلاعن بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حامل ، فرأيتهما يتلاعنان قائمين عند المنبر ، ثم ولدت ، فألحق الولد بالمرأة ، وجاءت به أشبه الناس بشريك ابن السحماء ، وكان عويمر قد لامه قومه ، وقالوا : امرأة لا نعلم عليها إلا خيرا ، فلما جاء الشبه بشريك عذروه ، وعاش المولود بعد ذلك سنتين ، ثم مات ; وعاشت أمه بعده يسيرا ، وصار شريك بعد ذلك عند الناس بحال سوء ، ولم يبلغنا أنه أحدث توبة }; قال الواقدي : وحدثني غير الضحاك بن عثمان { أن عويمرا قال : والله يا رسول الله ما قربتها منذ عفار النخل ، فقال عليه السلام : اللهم بين ، وقال : انظروا ، فإن جاءت به كذا ، فهو لزوجها ، وإن جاءت به كذا ، فهو للذي تتهم به ، فأتت به على الوجه المكروه ، فألحق عليه السلام الولد بالمرأة ، وقال : لا يدعى لأب ، ولكن يدعى لأمه ، ومن رماه ، أو رمى أمه فعليه الحد ، [ ص: 520 ] وقضى أنه لا قوت لها عليه ، ولا سكنى ، ولا عدة ، ولم يجلد رسول الله صلى الله عليه وسلم عويمرا في قذفه شريك ابن السحماء ، وشهد عويمر بن الحارث ، وشريك ابن السحماء أحدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم } ، انتهى .

                                                                                                        وفي هذا أن الولد عاش سنتين ، وفي خبر هلال أنه عاش حتى صار أميرا على مصر ، فالجمع بينهما بأنهما واقعتان أولى من القول بالتعارض ، والله أعلم ; والمصنف استدل بهذا الحديث للشافعي على أن الزوجين إذا تلاعنا على نفي الحمل ، فإن القاضي ينفيه ، وعندنا لا ينفيه ، واستدل بالذي قبله على أنهما إذا تلاعنا على نفي الولد ، فإنه ينفى قولا واحدا .




                                                                                                        الخدمات العلمية