[ ص: 324 ] وأما ، فعشرة : شروطه
وهي أن يكون جلدا طاهرا مخروزا ساترا لمحل الفرض ، ويمكن متابعة المشي فيه لذوي المروءة ، لبس على طهارة بالماء كاملة ، وأن يكون لابسه حلالا غير مرفه .
فالأول : احتراز من الخرق ، ونحوها ، فإنها ليست خفا للعرب ، ولا تعم الحاجة إليها ، ولا وردت بها الرخصة .
الثاني : احتراز من جلد الميتة ، فإن ، ولأنه ليس المعتاد الذي وردت فيه السنة ، وتدعو إليه الضرورة . الصلاة بالنجس لا تجوز
الثالث : احتراز من المربوط ؛ لما تقدم .
الرابع : في الجواهر : احتراز مما دون الكعبين ، فإنه اقتصر عليه ، فقد قصر البدل عن المبدل ، والأصل المساواة بينهما ، وإن غسل ما بقي جمع بين البدل ، والمبدل ، وذلك لا يجوز ; لأن البدل هو المشروع سادا مسد المبدل .
قال صاحب الطراز : وروى عن الوليد بن مسلم مالك - رحمه الله - في إذا قطعهما دون الكعبين ، ويمر الماء على ما بدا قال المحرم يمسح على الخفين الباجي : والذي قال هذا إنما هو ، وهو كثير الرواية ، فلعله وهم ، ولعل ذلك يخرج على قول الأوزاعي مالك في أن غسل الكعبين غير واجب .
فرع : قال صاحب الطراز : إذا ، ثم خرج عن موضع الغسل فإن كان ذلك لا يرى منه القدم جاز المسح ، وهو متفق عليه بين المذاهب حتى قال قطع الخف إلى فوق الكعبين : إن كان فيه شرج يفتح ، ويغلق إن أغلق جاز المسح ، وإن فتح غلقه بطل المسح . الشافعي
الخامس : قال في الكتاب : إن كان قليلا مسح ، وإلا فلا ، وتحديد الكثير بالعرف خلافا لأبي ح في تحديده بثلاثة أصابع ، فإن المعلوم من عادة الناس أنهم لا يعزفون عن القطع [ ص: 325 ] اليسير لا سيما الصحابة رضي الله عنهم مع غزوهم ، وكثرة أسفارهم ، فكان الجواز في القليل معلوما ، وأما من حده بغير العرف ، فرواية المتقدمين ظهور القدم ، أو جلها . احتراز من الواسع جدا ، أو المقطوع قطعا فاحشا
وحده البغداديون بإمكان المشي فيه ، فراعى الأولون ظهور المبدل ، والآخرون فقد الحاجة إلى اللبس ، فإن شك في مجاوزة القطع للقدر المعفو عنه قال ابن حبيب : لا يمسح ; لأن الأصل الغسل .
السادس : احتراز من المحدث ؛ لما في الموطأ أن عبد الله بن عمر سأل أباه رضي الله عنهما عن المسح على الخفين ، فقال : إذا أدخلت رجليك في الخف ، وهما طاهرتان ، فامسح عليهما ، قال : ثم أهويت لأنزع خفيه ؛ يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : دعهما ، فإني أدخلتهما طاهرتين المغيرة بن شعبة ، ومفهومه أنه لولا الطهارة لما جاز المسح قال صاحب الاستذكار : أجمع الفقهاء على ذلك من حيث الجملة ، وإن اختلفوا في تفسير الطهارة ، وقال صاحب الطراز : قال وروى أبو حنيفة رضي الله عنه : لا تشترط بل لو لبسهما محدثا ، وأدخل الماء فيهما حتى عم رجليه صح ، فالشرط عنده ورود الحدث ، وهو لابسهما على طهارة ، قال : إن اللبس عادة لا عبادة ، والطهارة إنما تشترط في العبادات ، وإنما يظهر حكم الطهارة في اللبس عند طرو الحدث ، والرجل مكنونة في الخف ، فلا يصادفها الحدث ، وهذا تهويل ليس عليه تعويل ، فإن الحدث ليس جسما يحجب بالخفاف ، وإنما هو حكم شرعي متعلق بما دل النص على تعلقه به ، ثم قال رضي الله عنه : يشكل بأمرين : أحدهما ظاهر قوله عليه السلام : ( الطهارة حالة اللبس ) فعلل الطهارة بالمقارنة ، الثاني : إذا كان اكتنان الرجل في الخف يمنع من وصول الحدث فينبغي إذا نزع الخف ، أو الجبيرة لا يجب غسل الأعضاء المستورة بهما لعدم تعلق الحدث بها . أدخلتهما ، وهما طاهرتان
السابع : احتراز من التيمم . قاله في الكتاب ، وقال أصبغ : يمسح إذا لبسهما قبل الصلاة ، فلو صلى بالتيمم ، ثم لبسهما لا يمسح لانتفاض تيممه بتمام صلاته ، والخلاف مبني على رفع الحدث ، فأصبغ يراه ، ومالك لا يراه .
[ ص: 326 ] تحقيق : قد تقدم أن الحدث له معنيان : الأسباب الموجبة كالريح ، ونحوه ، ولذلك يقال : أحدث إذا وجد منه سبب منها ، والثاني : المنع الشرعي من الإقدام على الصلاة حتى يتطهر ، وهو الذي تريده الفقهاء بقولهم : ينوي في وضوئه رفع الحدث إذا تقرر هذا ، فالتيمم يبيح إجماعا ، ومع الإباحة لا منع فيكون الحدث قد ارتفع ضرورة فلا معنى لقولنا إنه لا يرفع الحدث .
وأما الاحتجاج بوجوب الغسل من الجنابة عند وجود الماء ، فلا يستقيم لأنه يقتضي بقاء المنع مع الإباحة ، فإن اجتماع الضدين محال عقلا ، والشرع لا يرد بخلاف العقل ، فإن كان الحدث مفسرا بغير ذلك فينبغي أن يبرز حتى نتكلم عليه بالرد ، أو القبول ، فإنا لا نجد غير هذين المعنيين .
الثامن : احتراز من ، فإنه لا يمسح حتى يخلع ، ثم يلبسهما بعد كمال الطهارة خلافا لأبي ح ، غسل إحدى الرجلين ، وإدخالها في الخف قبل غسل الرجل الأخرى ومطرف من أصحابنا . قال صاحب الطراز : عن مالك رضي الله عنه فيمن ليس معه من الماء إلا ما يتوضأ به ، فغسل رجليه ، ثم لبس خفيه ، ثم أتم وضوءه قال : أحب إلي أن يغسل رجليه بعد وضوئه ، فإن لم يفعل ، فلا شيء عليه ، فالأصحاب يخرجون هذا الفرع بطريقين . يبقى أن الحدث هل يرتفع عن كل عضو بانفراده أم لا يرتفع إلا بعد كمال الطهارة ، فإن قلنا بالارتفاع ، فمذهب مطرف ، وإلا فمذهب مالك ، وهي مفرعة على ما تقدم ، فإن الحدث هو المنع الشرعي من الصلاة حتى يتطهر المحدث ، وهو ممنوع قبل الكمال بالإجماع ، فكيف يليق أن يقال : الحدث يرتفع عن كل عضو بانفراده .
وما يظهر بعد هذه المقالة على التحقيق أنه لو ، فإنه يتيمم ، ولا يجب عليه استعمال ذلك الماء على الأصح ، ولو كانت الطهارة تحصل في بعض الأعضاء يوجب استعماله في بعض [ ص: 327 ] الأعضاء كمن معه ما لا يكفيه لإزالة النجاسة إلا عن بعض أعضائه ، فإنه يزيل منها بحسب الإمكان . كان معه من الماء ما يكفيه لبعض طهارته ، وهو محدث
والطريق الأخرى أن المستديم للشيء هل يكون كالمبتدئ له كمن حلف لا يدخل الدار ، وهو داخلها ، أو لا يلبس الثوب ، وهو لابسه أم لا يكون كذلك ، وهو أصل مختلف فيه .
فرعان :
الأول : قال صاحب الطراز : الشرط حصول الطهارة غسلا ، أو وضوءا ، وقال بعض المتأخرين : لا يمسح على طهارة الغسل .
الثاني : قال : لو لا يمسح على خفيه إلا أن يكون نزعهما بعد غسل اللمعة قبل أن يحدث ، وعلى قول توضأ ، ولبس خفيه ، ثم ذكر لمعة في وجهه أو يديه ، فغسل ذلك وصلى ، ثم أحدث مطرف يمسح .
التاسع : احتراز من لم يجز له المسح عليهما قال المحرم ، فإنه لا يجوز له لبس الخفين ، فإن لبسهما الباجي : وعندي يجوز لأنها ليست ممنوعة من لبسهما . للمرأة المحرمة أن تمسح على الخفين
سؤال : المحرم ، والغاصب للخف كلاهما عاص باللبس ، والغاصب إذا مسح صحت صلاته بخلاف المحرم ، فما الفرق ؟
جوابه أن الغاصب يؤذن له في الصلاة بالمسح على الخفين في الجملة ، وإنما أدركه التحريم من جهة الغصب ، فأشبه المتوضئ بالماء المغصوب ، والذابح بالسكين المغصوبة فيأثمان ، وتصح أفعالهما ، وأما المحرم ، فلم يشرع له المسح ألبتة .
العاشر : احتراز من المترفه قال في الكتاب : إذا اختضبت المرأة بالحناء ، وهي على غير وضوء ، فلبست الخف ، فتمسح عليه إذا أحدثت ، أو لا يعجبني ، وقاله الرجل يريد أن ينام ، وهو على وضوء فيلبسه ليمسح إذا استيقظ ابن القاسم في المدونة في الذي يريد البول . قال صاحب الطراز : قال مالك في الواضحة : يعيد أبدا ، [ ص: 328 ] وقال ابن دينار ، وأصبغ : يكره ذلك ، والصلاة تامة ; لأن الخف لا يشترط في لبسه نية القربة ، فلا يضره فيه الرفاهية .
حجة مالك - رحمة الله عليه - أن الخف إنما شرع لبسه للوضوء لا لمتعة اللبس ، فلا تترك عزيمة غسل الرجلين لغير ضرورة .