الفصل الثالث : . فيمن يتعين عليه الاجتهاد
أفتى أصحابنا رضي الله عنهم بأن العلم على قسمين : فرض عين ، وفرض كفاية ، وحكى في رسالته ، الشافعي في إحياء علوم الدين الإجماع على ذلك . والغزالي
ففرض العين الواجب على كل أحد هو علمه بحالته التي هو فيها مثاله : رجل أسلم ، ودخل في وقت الصلاة ، فيجب عليه أن يتعلم الوضوء ، والصلاة .
فإن أراد أن يشتري طعاما لغذائه قلنا : يجب عليه أن يتعلم ما يعتمده في ذلك ، أو أراد الزواج وجب عليه أن يتعلم ما يعتمده في ذلك ، أو إن أراد أن يؤدي شهادة ، فيجب عليه أن يتعلم شروط التحمل والأداء .
فإن أراد أن يصرف ذهبا ، فيجب عليه أن يتعلم حكم الصرف .
فكل حالة يتصف بها يجب عليه أن يعلم حكم الله تعالى عليه فيها .
فعلى هذا لا ينحصر فرض العين في العبادات ، ولا في باب من أبواب الفقه كما يعتقد كثير من الأغبياء .
وعلى هذا القسم يحمل قوله صلى الله عليه وسلم : . طلب العلم فريضة على كل مسلم
فمن توجهت عليه حالة فعلم وعمل بمقتضى علمه ، فقد أطاع الله تعالى طاعتين ، ومن لم يعلم ولم يعمل ، فقد عصى الله معصيتين ، ومن علم ، ولم يعمل ، فقد أطاع الله طاعة ، وعصى الله معصية .
ففي هذا المقام يكون العالم خيرا من الجاهل .
والمقام الذي يكون الجاهل فيه خيرا من العالم : من شرب خمرا يعلمه ، وشربه آخر يجهله ، فإن العالم يأثم بخلاف الجاهل ، فهو أحسن حالا من العالم .
[ ص: 144 ] وكذلك من اتسع في العلم باعه تعظم مؤاخذته لعلو منزلته بخلاف الجاهل ، فهو أسعد حالا من العالم في هذين الوجهين .
وأما فرض الكفاية ، فهو العلم الذي لا يتعلق بحالة الإنسان ، فيجب على الأمة أن يكون منهم طائفة يتفقهون في الدين ليكونوا قدوة للمسلمين حفظا للشرع من الضياع .
والذي يتعين لهذا من الناس من جاد حفظه ، وحسن إدراكه ، وطابت سجيته وسريرته ، ومن لا فلا .