الفصل السادس : في التصويب .
قال الجاحظ وعبد الله بن الحسين العنبري بتصويب المجتهدين في أصول الدين ، بمعنى نفي الإثم لا بمعنى مطابقة الاعتقاد ، واتفق سائر العلماء على فساده .
وأما في الأحكام الشرعية ، فاختلفوا هل لله تعالى في نفس الأمر حكم معين في الواقع أم لا ؟
والثاني : قول من قال : كل مجتهد مصيب ، وهو قول جمهور المتكلمين ، ومنهم الأشعري ، والقاضي أبو بكر منا ، وأبو علي ، وأبو هاشم من المعتزلة .
وإذا لم يكن لله تعالى حكم معين ، فهل في الواقعة حكم : لو كان لله تعالى حكم معين لحكم به أم لا ؟
والأول : هو القول بالأشبه ، وهو قول جماعة من المصوبين .
والثاني : قول بعضهم .
وإذا قلنا بالمعين : فإما أن يكون عليه دليل ظني ، أو قطعي . أو ليس عليه واحد منهما ، والثاني : هو قول جماعة من الفقهاء والمتكلمين ، ونقل عن ، وهو عندهم كدفين يعثر عليه بالاتفاق . الشافعي
[ ص: 146 ] وعلى القول بأن عليه دليلا ظنيا : فهل كلف الإنسان بطلب ذلك الدليل ؟ فإن أخطأه تعين التكليف إلى ما غلب على ظنه ، وهو قول . أو لم يكلف بطلبه لخفائه ؟ وهو قول كافة الفقهاء منهم الشافعي وأبو حنيفة رضي الله عنهم .
والقائلون بأن عليه دليلا قطعيا اتفقوا على أن المكلف مأمور بطلبه ، وقال : إن أخطأه استحق العقاب ، وقال غيره لا يستحق العقاب . بشر المريسي
واختلفوا أيضا هل ينقض قضاء القاضي إذا خالفه ؟ قال الأصم : ينقض ، وقال الباقون : لا ينقض .
والمنقول عن مالك - رحمه الله - أن المصيب واحد ، واختاره الإمام فخر الدين .
وقال عليه دليل ظني ، ومخالفه معذور ، والقضاء لا ينقض .
لنا : أن الله تعالى شرع الشرائع لتحصيل المصالح الخالصة ، أو الراجحة ، أو درء المفاسد الخالصة ، أو الراجحة ، ويستحيل وجودها في النقيضين ، فيتحد الحكم .
احتجوا بانعقاد الإجماع على أن ، ولو خالف الإجماع ، وكذلك من قلده ، ولا نعني بحكم الله إلا ذلك ، فكل مجتهد مصيب ، وتكون ظنون المجتهدين تتبعها الأحكام كأحوال المضطرين والمختارين بالنسبة إلى الميتة ، فيكون الفعل الواحد حلالا حراما بالنسبة إلى شخصين كالميتة . المجتهد يجب عليه أن يتبع ما غلب على ظنه