الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                معلومات الكتاب

                الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

                ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                صفحة جزء
                قوله تطهير النجاسة واجب بقدر الإمكان وأما إذا لم يتمكن من الإزالة لخفاء خصوص المحل المصاب مع العلم بتنجيس الثوب قيل : الواجب غسل طرف منه فإن غسله بتحر ، أو بلا تحر طهر 2 - وذكر الوجه يبين أن لا أثر للتحري ، وهو 3 - أن يغسل بعضه مع أن الأصل طهارة الثوب وقع الشك في قيام النجاسة ، لاحتمال كون المغسول محلها فلا يقضي بالنجاسة بالشك كذا ، أورده الإسبيجابي في شرح الجامع الكبير قال : وسمعت الإمام تاج الدين أحمد بن عبد العزيز يقوله ويقيسه على مسألة في السير الكبير هي : إذا فتحنا حصنا وفيهم ذمي لا [ ص: 195 ] يعرف لا يجوز قتلهم لقيام المانع بيقين فلو قتل البعض ، أو أخرج حل قتل الباقي للشك في قيام المحرم ، كذا هنا ، وفي الخلاصة بعد ما ذكره مجردا عن التعليل ، فلو صلى معه صلاة ، ثم ظهرت النجاسة في طرف آخر تجب إعادة ما صلى ( انتهى ) .

                وفي الظهيرية : ثوب فيه نجاسة لا يدري مكانها يغسل الثوب كله 4 - وهو الاحتياط ، وذلك التعليل مشكل عندي ، فإن غسل طرف يوجب الشك في طهر الثوب بعد اليقين بنجاسة قبل 5 - وحاصله أنه شك في الإزالة بعد تيقن قيام النجاسة ، والشك لا يرفع المتيقن قبله ، والحق أن ثبوت الشك في كون الطرف المغسول والرجل المخرج هو مكان النجاسة ، والمعصوم الدم 6 - يوجب ألبتة الشك في طهر الباقي وإباحة دم الباقين 7 - ومن ضرورة صيرورته مشكوكا فيه ارتفاع اليقين عن تنجسه ومعصوميته ، وإذا صار مشكوكا في نجاسته جازت الصلاة معه [ ص: 196 ] إلا أن هذا إن صح لم يبق لكلمتهم المجمع عليها - أعني قولهم : اليقين لا يرتفع بالشك - معنى 8 - فإنه حينئذ 9 - لا يتصور أن يثبت شك في محل ثبوت اليقين ليتصور ثبوت شك فيه لا يرتفع به ذلك اليقين ، فمن هذا حقق بعض المحققين أن المراد لا يرتفع به حكم اليقين ، وعلى هذا التقدير يخلص الإشكال في الحكم لا الدليل فنقول : وإن ثبت الشك في طهارة الباقي ونجاسته لكن لا يرتفع حكم ذلك اليقين السابق بنجاسته ، وهو عدم جواز الصلاة ، فلا تصح بعد غسل الطرف ; لأن الشك الطارئ لا يرفع حكم اليقين السابق ، على ما حقق من أنه هو المراد من قولهم : اليقين لا يرتفع بالشك فغسل الباقي ، والحكم بطهارة الباقي مشكل ، والله أعلم . انتهى كلام فتح القدير .

                ونظيره قولهم : القسمة في المثلي من المطهرات يعني أنه لو تنجس بعض البر [ ص: 197 ] قسم ، طهر لوقوع الشك في كل جزء هل هو المتنجس ، أو لا . ؟

                التالي السابق


                ( 2 ) قلت قوله : وذكر الوجه : أي وجه طهارة الثوب بغسل طرف منه . ( 3 ) قوله : أن يغسل بعضه متعلق بقوله الآتي : وقع الشك في قيام النجاسة ، وفي أكثر النسخ ووقع ولا صحة له ولا يظهر لتقديم المعمول على عامله هنا نكتة . [ ص: 195 ]

                قوله : وهو الاحتياط ، وهو العمل بأقوى الدليلين . ( 5 ) قوله : وحاصله ، أي حاصل تقرير الإشكال في التعليل . ( 6 ) قوله : يوجب ألبتة إلخ . جملة يوجب خبر إن في قوله : إن ثبوت الشك إلخ وقع في أكثر النسخ قبل قوله : يوجب اللفظ الذي ، وهي محرفة من لفظ الذمي كما في بعض النسخ ، ووقع في بعضها الدم ، وهي ، أولى من نسخة الذمي . ( 7 ) قوله : ومن ضرورة صيرورته ، قيل : هذا الضمير للطرف ، أو للباقي من الثوب كل محتمل ( انتهى ) . أقول : لكن سياق الكلام يقتضي رجوعه للباقي كما هو ظاهر وقوله : جازت الصلاة معه إلخ ، وذلك ; لأنه قبل النجاسة كان طاهرا بيقين . [ ص: 196 ] قوله : فإنه حينئذ ، أي حين إذ وجب ثبوت الشك في كون الطرف المغسول مكان النجاسة ، والرجل المخرج ، والمعصوم الدم الشك في طهر الباقي وإباحة دم الباقين . ( 9 )

                قوله : لا يتصور أن يثبت شك في محل ثبوت اليقين إلخ ، ورد بأنه قد يتصور فيما إذا ثبت حكم بمحل معلوم ، ثم شك في زواله عنه باحتمال وجود دليل الزوال وعدمه على السواء ، كما إذا شك في الحدث بعد تيقن الطهارة ، أو عكسه ونحو ذلك من الأحكام كالطلاق ، والعتاق ، بخلاف مثل مسألة الثوب والذمي فإن النجاسة وحرمة القتل لم يثبتا يقينا لمحل معلوم بل تثبت لمجهول ، مع أن ضدهما ، وهي الطهارة وحل القتل ثابت بيقين لمحل معلوم إلا أنه امتنع العمل به لثبوت ذلك المجهول فيه يقينا ، [ ص: 197 ] فإذا زال اليقين ووقع الشك في بقاء ذلك المجهول وعدمه لا يمتنع العمل بما كان ثابتا يقينا ; لأن اليقين لا يزول بالشك ، والأصل فيه أن الشك قسمان : قسم طارئ على اليقين أي حاصل بأمر خارج عنه وشك طارئ باليقين أي بمعارضة دليل مع دليل آخر ، فالأول لا يزيل اليقين والثاني يخرجه عن كونه يقينا ، بيان ذلك أن الشك إنما ينشأ عن عدم الدليل ، أو عن تقابل دليلين متساويين متحدين زمانا ومحلا ، حتى لو اختلف زمانهما يكون الثاني ناسخا للأول إذا كان دليل الوجود دون البقاء ، وإن اختلف محلهما فلا تقابل ، وإن جهل حصل الشك لعدم الدليل على الزوال عن المحل الآخر ، والبقاء فيه ، فإذا ثبت حكم يقينا لمحل معلوم ، والشك في ثبوت ضد ذلك الحكم لذلك المحل إنما يتأتى في عدم دليل ، أو في تقابل دليلين متساويين يقتضي أحدهما بقاء الحكم الأول ، والآخر عدمه ، وحينئذ يتساقطان ويبقى الحكم الأول بدليل ، فهذا معنى قولهم اليقين لا يرتفع بالشك .

                وهذا هو القسم الأول من قسمي الشك ، ولا يمكن أن يتأتى الشك حينئذ من دليل معارض لدليل الأول مساو له يكون نسخا إن كان الأول دليل الوجود دون البقاء فهو القسم الثاني من قسمي الشك أما إذا ثبت حكم يقينا لمحل مجهول فيمكن أن يقال : الشك في دليل معارض لدليل مساو له يثبت ضد ذلك الحكم ; لأن المحل لما لم يكن معلوما لم يتيقن كون الدليل الآخر ناسخا بل احتمل أن يثبت ضد الحكم في المحل الأول فيكون ناسخا ، فإن ثبت في محل آخر فلا يكون ناسخا احتمالا على السواء فحصل الشك ضرورة في بقاء الحكم في المحل المجهول وعدمه ، وهو أيضا في القسم من قسمي الشك ، وهو ناشئ من اليقين الأول مع معارضه ، وليس بشك خارج عنه ورد عليه كما في القسم الأول ، وهو يقتضي الرجوع إلى يقين آخر غير اليقين العارض فتأمل ، وأمعن النظر ، فإن الإمام الرباني محمد بن الحسن الشيباني لم يضع تلك المسألة في السير من غير تحقيق ، خصوصا ، وهي في أمر القتل الذي هو عظيم الخطر يدرأ بالشبهات والله تعالى الموفق ( انتهى ) . قلت وهو تحقيق وبالقبول حقيق . ( 10 )

                قوله : قسم طهر لوقوع الشك ، هذا خلاف التحقيق والتحقيق أنه لا يطهر ، وإنما جاز لكل الانتفاع للشك فيها حتى لو جمع عاد كما في البحر للمصنف رحمه الله




                الخدمات العلمية