الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        تمهيد

        لقد حظي موضوع المقاصد باهتمام كبير من لدن الباحثين في الآونة الأخيرة، ولعل الرسائل الجامعية التي صدرت في هـذا الموضوع لخير دليل على ذلك. فإذا كان لعلم المقاصد أهمية كبيرة في التعرف على حكمة الشارع وغايته من وراء ما شرع من أحكام لعباده، فلا شك أن للطرق الموصلة إلى هـذه المقاصد أهمية كبيرة، ولو من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

        وعليه، فإن للوسـائل أهمية بالغة، وجدير بكل باحث في المقاصـد أن لا يغفلها؛ لأن هـذا الموضوع يجمع كثيرا من مباحث علم الأصول، ولعل الاختلافات التي ظهرت بين المذاهب في مدى اعتبار الأدلة التبعية أو ردها يرجع إلى كيفية النظر إليها وتناولها؛ حيث إن منهم من يعتبرها دليلا، ومنهم من لا يعتبرها كذلك، بل قد يعدها بعضهم من الأدلة الموهومة، فإذا تم النظر إليها على أنها أدلة جزئية تنهض بنفسها، يقع فيها الخلاف حتما، أما إذا نظر إليها على أنها تدور في نسق كلي، ووحدة متكاملة، أدرك وظيفتها الحقيقية بالنسبة إلى دورها في الشريعة وأنها لا تعدو أن تكون وسائل لتحقيق المقاصد بالدرجة الأولى، وبالتالي يتضح العمل بها من عدمه على حسب هـذه العلاقة.

        فإذا كان العز بن عبد السلام صرح مرارا أن هـذه الشريعة كلها مصالح، فبإمكاننا أن نضيف إلى قوله: إن الشريعة كلها إما مصالح وإما وسائل إلى هـذه المصالح، وما هـذا إلا دليلا على تكامل التشريع الإسلامي، واتساق [ ص: 23 ] أحكامه، فهي لا تهتم بالأهداف والمقاصد والغايات وتغض الطرف عن أسبابها ووسائلها والطرق المفضية إليها؛ لأن هـذه الأخيرة قد تكون محرمة أو تنطوي في نفسها على مفاسد بحيث لو اعتبرت لن تؤدي إلى تحقيق المقصد المرجو، بل حتما إلى انخرامه، لذلك فمن كمال الشريعة الإسلامية اهتمامها بالوسائل المحققة للمقاصد، فلا تناقض فيها ولا عجب فالمشرع هـو الله جل وعلا.

        إن الدعوة إلى بحث موضوع الوسائل في شكل دراسة مستقلة مما تفتقر إليه المكتبة الإسلامية، وهو لاشك سيمثل لبنة في المنهجية الشرعية الأصيلة، فالساحة اليوم تعج بالجامدين على الوسائل حتى ضاقت بهم الآفاق، فيعتبرون الوسائل توقيفية، كما تعج بعلمانيين ذرائعيين من يعتبرون الوسائل كلها مباحة مادامت في النهاية تحقق لهم الأهداف، والأمر -لا شك- فيه بحث وتفصيل.

        ومن أجل وضع الأمور في نصابها وتحقيقا للمصلحة والعدل في التشريع، فإن هـذا البحث يسـعى إلى المساهمة في التأسيس لمنهج في النظر الإسـلامي، لا يكون فيه تضخيم لجانب المقاصد على حساب الوسائل ولا العكس.

        ولأهمية موضوع الوسائل، ولارتباطه بمباحث مختلفة في علم أصول الفقه؛ فإن هـذا البحث سيحاول الإجابة عن عدة تساؤلات ذات أهمية بالغة ولها ارتباط وثيق بموضوع الوسائل، وعليه:

        فما الوسائل؟ وما مدى مشروعيتها؟ وما أقسامها؟ وما الشروط التي تختص بها؟ وما المعتد به شرعا من عدمه؟ وما علاقتها بالمقاصد؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي يسعى البحث للإجابة عنها. [ ص: 24 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية