الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ف ) الماء الكثير والقليل ( المتغير ب ) مخالط طاهر ( مستغنى ) بفتح النون وكسرها بعيد متكلف ( عنه كزعفران ) ومني وثمر ساقط وطحلب طرح بعد دقه وورق طرح [ ص: 69 ] ثم تفتت وملح جبلي وقطران أو كافور مخالط فكل منهما نوعان ( تغيرا يمنع إطلاق اسم الماء ) لكثرته ولو تقديرا ، كأن وقع في الماء ما يوافقه كمستعمل لكن في قليل كما يأتي وكماء ورد لا ريح له فإنه يقدر وسطا كريح لأذن ولون عصير وطعم ماء رمان فإن غير مع ذلك ضر وإلا فلا ؛ لأنه لما كان لموافقته لا يغير [ ص: 70 ] اعتبر بغيره كالحكومة ( غير طهور ) وإن كان التغير بما على عضو المتطهر كما أنه غير مطلق فلو حلف لا يشرب ماء فشربه لم يحنث .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله وثمر ساقط ) عبارة العباب وكالحيوان إن انحل منها شيء قال الشارح في شرحه كما دل عليه قول المجموع والجواهر وغيرهما والحب كالبر والثمر إن غير وهو بحاله فمجاور ، وإن انحل منه شيء فمخالط فإن طبخ وغير ولم ينحل منه شيء فوجهان ، وحكى عبارتهم في تقرير الوجهين ثم قال وأوجه الوجهين أنه لا أثر لمجرد الطبخ بل لا بد من تيقن انحلال شيء منه بحيث يستحدث له بسبب ذلك اسم آخر ؛ لأنه حينئذ مجاور ، التغير به لا يضر ، وإن حدث بسببه اسم آخر ، فالحاصل أن ما أغلى من نحو الحبوب والثمار وما لم يغل إن تيقن انحلال شيء منه فمخالط وإلا فمجاور ، وإن حدث له بذلك اسم آخر ما لم يسلب عنه إطلاق اسم الماء بالكلية كما يأتي انتهى ، وقوله كما يأتي إشارة إلى بسط ذكره بعد على المجاور منه أما إذا سلبه الإطلاق بالكلية بأن صار لا يسمى ماء ولا يضاف فيه لفظ الماء إلى ذلك الغير بل انسلخ عنه ذلك بسائر الاعتبارات وحدث له اسم آخر اختص به فإن التغير به حينئذ لا يضر لأنا نتيقن حينئذ أنه إن انفصلت عنه عين مخالطة فالتأثر به ليس من حيث كونه مجاورا بل من حيث ما انفصل عنه من المخالط انتهى ، وسيأتي في الشرح الإشارة إلى هذه المسألة ( قوله بعد دقه ) [ ص: 69 ] قال الأذرعي ويشبه أن الأمر كذلك فيما لو طرح صحيحا ثم تفتت وخالط انتهى ( قوله فإنه يقدر وسطا إلخ ) ينبغي أن المراد أنه لو قدر فغير ضر ، وإلا فله الإعراض عن التقدير واستعماله إذ غاية الأمر أنه شاك في [ ص: 70 ] التغير المضر والشك لا يضر .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله فالمتغير بمخالط طاهر إلخ ) محله بالنسبة لغير المخالط ، وأما بالنسبة إليه كنحو سدر أو عجين أراد تطهيره فصب عليه الماء فتغير به تغيرا كثيرا قبل وصوله إلى جميع أجزائه فإنه يطهرها ، وإن كان تغيره كثيرا للضرورة ؛ لأنه لا يصل إلى جميعها إلا بعد تغيره هكذا أحفظ من تقرير شيخنا الطبلاوي وهو ظاهر بصري وبجيرمي عن سم .

                                                                                                                              وكذا في حاشية شيخنا عن الشبراملسي عن الطبلاوي مثله ( قوله وكسرها ) مبتدأ وقوله بعيد متكلف خبره ( قوله ومني ) إلى قول المتن ولا متغير في المغني وكذا في النهاية إلا قوله ما لم يتحقق إلخ ( قوله وثمر ساقط ) أي وإن كان شجره نابتا في الماء شرح بافضل عبارة النهاية ويضر التغير بالثمار الساقطة بسبب ما انحل منها سواء أوقع بنفسه أم بإيقاع كان على صورة الورق كالورد أم لا ا هـ .

                                                                                                                              قال ع ش زاد في شرح البهجة الكبير ما نصه لإمكان التحرز عنها غالبا أقول حتى لو تعذر الاحتراز عنها ضر نظرا للغالب ا هـ واعتمده شيخنا وعبارة سم عن الشارح في شرح العباب المسمى بالإيعاب والحب كالبر والثمر إن غير وهو بحاله فمجاور ، وإن انحل منه شيء فمخالط فإن طبخ وغير ولم ينحل منه شيء فأوجه الوجهين أنه لا أثر لمجرد الطبخ بل لا بد من تيقن انحلال شيء منه بحيث يستحدث له بسبب ذلك اسم آخر بخلاف ما إذا لم يتيقن الانحلال فإنه لا أثر للتغير به ولا لحدوث اسم آخر ؛ لأنه حينئذ مجاور ، والتغير به لا يضر وإن حدث بسببه اسم آخر فالحاصل أن ما أغلي من نحو الحبوب والثمار وما لم يغل إن تيقن انحلال شيء منه فمخالط ، وإلا فمجاور وإن حدث له اسم آخر بذلك ما لم يسلب عنه إطلاق اسم الماء بالكلية ا هـ .

                                                                                                                              أقول والظاهر أنه لا يحصل التغير الكثير في الطعم واللون بدون انحلال شيء ( قوله بعد دقه ) قال الأذرعي ويشبه أن الأمر كذلك فيما لو طرح ، ثم تفتت وخالط انتهى ا هـ سم ونقل شيخنا عن سم في شرح أبي شجاع الجزم بذلك وأقره وعبارة الكردي قال البرلسي في حواشي المحلى قال الأذرعي ويشبه إلخ قلت وينبغي جريان مثل ذلك في التورة والزرنيخ ونحوهما [ ص: 69 ] وقد يعضد ما بحثه أي الأذرعي نظير المسألة من الورق المطروح انتهى كلام البرلسي ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ثم تفتت ) أي واختلط ، وإلا فهو مجاور ومثله ما لو كان تفتته قبل طرحه بصري ( قوله فكل منهما ) أي من القطران والكافور ( قوله نوعان ) أي خليط ومجاور واختلف في المتغير بالكتان والذي عليه الأكثر أنه يتغير بشيء يتحلل منه فيكون التغير بمخالط مغني قول المتن ( يمنع إطلاق اسم الماء ) أي بأن يسمى ماء مقيدا كماء الورد أو يستجد له اسم آخر كالمرقة شرح بافضل ونهاية ( قوله كأن وقع إلخ ) عبارة المغني حتى لو وقع في الماء مائع يوافقه في الصفات كماء الورد المنقطع الرائحة فلم يتغير ولو قدرناه بمخالف وسط كلون العصير وطعم الرمان وريح اللاذن لغيره ضر بأن تعرض عليه جميع هذه الصفات لا المناسب للواقع فيه فقط خلافا لبعضهم .

                                                                                                                              وكذا في النهاية إلا أنه قال بدل قوله لا المناسب إلخ ما نصه كذا قاله ابن أبي عصرون واعتبر الروياني الأشبه بالخليط ا هـ .

                                                                                                                              وفي البجيرمي على الإقناع ما نصه ، والحاصل أن الواقع إن كان مفقود الصفات كلها كماء مستعمل فلا بد من عرض الصفات المذكورة على الماء ، وإن كان مفقود البعض كماء ورد له رائحة ولا طعم له ولا لون له يخالف طعم الماء ولونه فيقدر فيه الطعم واللون ولا يقدر الريح ؛ لأنه إذا لم يتغير بريحه فلا معنى لتقدير ريح غيره ، وهذا كله إذا لم يكن الواقع له صفة في الأصل ، وقد فقدت فإن كان كذلك كماء ورد منقطع الرائحة ففيه خلاف بين ابن أبي عصرون والروياني فالروياني يقول يقدر فيه لون العصير وطعم الرمان وريح ماء الورد فيقدر الوصف المفقود فيه لا ريح اللاذن وابن أبي عصرون يقول يقدر فيه طعم الرمان ولون العصير وريح اللاذن ولا يقدر فيه ريح ماء الورد لفقده بالفعل فيكون ماء الورد حينئذ كالماء المستعمل والمعتمد

                                                                                                                              كلام ابن أبي عصرون ولا فرق في هذا التفصيل كله بين الطاهر والنجس ا هـ وفي حاشية شيخنا على ابن قاسم الغزي ما يوافقه ( قوله كما يأتي ) أي من أن المستعمل إذا كثر طهر فأولى إذا وقع في الكثير شرح بافضل ( قوله فإنه يقدر إلخ ) ينبغي أن المراد أنه لو قدر فغير ضر ، وإلا فله الإعراض عن التقدير واستعماله إذ غاية الأمر أنه شاك في التغير المضر والشك لا يضر كما يأتي سم على حج ا هـ ع ش

                                                                                                                              واعتمده البجيرمي وشيخنا عبارة الأول أي جوازا فلو هجم شخص وتوضأ به كان وضوءه صحيحا سم إذ الأصل عدم التغير ، وظاهره جريان ذلك فيما إذا كان الواقع نجسا في ماء كثير انتهى أجهوري ا هـ وعبارة الثاني وهذا التقدير مندوب لا واجب كما نقله الشيخ الطوخي عن ابن قاسم فإذا أعرض عن التقدير وهجم واستعمله كفى إلى أن قال وظاهر ذلك جريانه فيما إذا كان الواقع نجسا مع أن الشيخ الطوخي كان يقول بوجوب التقدير في النجس فراجعه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله كريح لاذن ) بفتح الذال المعجمة وهو اللبان الذكر كما هو المشهور .

                                                                                                                              وقيل هو رطوبة تعلو شعر المعز ولحاها شيخنا وبجيرمي وقال الكردي وهو نور معروف بمكة طيب الرائحة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ولون عصير ) أي عصير العنب الأسود أو الأحمر مثلا لا الأبيض ؛ لأن الغرض أنا نفرضه مخالفا للماء في اللون خلافا لما في حاشية شيخنا ع ش رشيدي أي من قوله وتبعه البجيرمي أي عصير العنب أبيض أو أسود ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وإلا فلا ) فلو لم يؤثر فيه الخليط حسا ولا تقديرا لمستعمله كله ، وكذا لو استهلكت النجاسة المائعة في ماء كثير ، وإذا لم يكفه الماء وحده ولو كمله بمائع يستهلك فيه لكفاه وجب تكميل الماء به إن لم تزد قيمته على قيمة ماء مثله مغني عبارة النهاية فإن لم يؤثر فهو طهور وله استعمال كله أي مجموع الماء والمخالط ، ويلزمه تكميل الماء الناقص عن طهارته الواجبة به أي بالمخالط إن تعين لكن لو انغمس فيه جنب ناويا وهو قليل أي مع قطع النظر عن المخالط صار مستعملا كما لا يدفع عن نفسه النجاسة ، وحينئذ فقد جعلنا المستهلك كالماء في إباحة التطهير به ، ولم نجعله كذلك في دفع النجاسة عن نفسه إذا وقعت فيه وعدم صيرورته مستعملا بالانغماس ا هـ وقوله م ر إن تعين قال الرشيدي أي بأن لم يجد غيره ، ويشترط أيضا أن لا تزيد قيمة المائع على ثمن ماء الطهارة هناك ا هـ .

                                                                                                                              وقوله لكن لو انغمس إلخ يأتي في الشرح وعن المغني مثله ( قوله : لأنه لما كان [ ص: 70 ] إلخ ) متعلق بقوله ولو تقديرا كردي وعبارة النهاية وإنما اعتبر بغيره ؛ لأنه إلخ ( قوله اعتبر بغيره كالحكومة ) أي فإنها لما لم يمكن اعتبارها في الحر بنفسه قدرناه رقيقا لنعلم قدر الواجب نهاية .

                                                                                                                              ( قوله كالحكومة ) أي في كل جرح لا مقدر فيه من الدية ولا تعرف نسبته من مقدر فإنها تعتبر بالغير وهو القيمة للرقيق إذ الحر لا قيمة له فيقدر المجني عليه رقيقا وينظر ماذا نقص بالجناية عليه من قيمته فيعتبر ذلك من دية الحر فالحكومة جزء من عين الدية نسبته إلى دية النفس مثل نسبة نقصها أي الجناية من قيمته أي المجني عليه فإذا كانت قيمة المجني عليه بتقدير كونه رقيقا بدون الجناية عشرة وبها تسعة مثلا وجب عشر الدية كردي .

                                                                                                                              ( قوله على عضو المتطهر ) خرج به ما لو أريد تطهير نحو السدر نفسه فتغير الماء به قبل وصوله إلى بقية أجزائه فإنه لا يضر لكونه ضروريا في تطهيره ع ش ومر عن سم عن الطبلاوي مثله ( قوله فلو حلف إلخ ) ولو وكل من يشتري له ماء فاشتراه له لم يقع للموكل نهاية ومغني زاد الإقناع سواء كان أي في كل من المسألتين التغير حسيا أم تقديريا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله فشربه ) أي المتغير المذكور ولو تقديريا ومنه الممزوج بالسكر ع ش وأقره البجيرمي ( قوله لم يحنث ) ظاهره أنه لا فرق بين الحلف بالله والطلاق وهو ظاهر ع ش وأقره البجيرمي .

                                                                                                                              ثم قال عن الزيادي ومحل عدم الحنث إن علم أنه متغير ا هـ أقول ظاهر كلامهم الإطلاق كما صرح به ع ش في مسألة الشراء حيث قال قوله م ر ولم يقع إلخ ظاهره وإن جهل الوكيل ا هـ فليراجع .

                                                                                                                              وكذا أقره شيخنا عبارته ؛ لأنه لا يسمى ماء ولا فرق بين الحلف بالله والحلف بالطلاق ، ولو كان التغير تقديريا كما أفتى به الطبلاوي ونقله عنه الشبراملسي ا هـ .




                                                                                                                              الخدمات العلمية