الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              125 (29) باب

                                                                                              أي الذنب أعظم ؟ وذكر الكبائر

                                                                                              [ 68 ] عن عبد الله ، قال : قال رجل : يا رسول الله ، أي الذنب أكبر عند الله ؟ قال : أن تدعو لله ندا وهو خلقك ، قال : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك ; مخافة أن يطعم معك ، قال : ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك ، فأنزل الله تصديقها : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما [ الفرقان : 68 ] .

                                                                                              رواه البخاري ( 6861 ) ، ومسلم ( 86 ) ، وأبو داود ( 2310 ) ، والترمذي ( 3181 ) .

                                                                                              [ ص: 280 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 280 ] (29) ومن باب أي الذنب أعظم ؟ وذكر الكبائر

                                                                                              (قوله : " أن تدعو لله ندا وهو خلقك ") الند : المثل ، وجمعه : أنداد ، وهو نحو قوله تعالى : فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون [ البقرة : 22 ] ومعناه : أن اتخاذ الإنسان إلها غير خالقه المنعم عليه ، مع علمه بأن ذلك المتخذ ليس هو الذي خلقه ، ولا الذي أنعم عليه : من أقبح القبائح ، وأعظم الجهالات ; وعلى هذا فذلك أكبر الكبائر ، وأعظم العظائم .

                                                                                              و (قوله : " أن تقتل ولدك ; مخافة أن يطعم معك ") هذا من أعظم الذنوب ; لأنه قتل نفس محرمة شرعا ، محبوبة طبعا ، مرحومة عادة ; فإذا قتلها أبوها ، كان ذلك دليلا على غلبة الجهل والبخل ، وغلظ الطبع والقسوة ، وأنه قد انتهى من ذلك كله إلى الغاية القصوى .

                                                                                              وهذا نحو قوله تعالى : ولا تقتلوا أولادكم من إملاق [ الأنعام : 151 ] أي : فقر ، وهذا خطاب لمن كان فقره حاصلا في الحال ، فيخفف عنه بقتل ولده مؤنته من طعامه ولوازمه ، وهذه الآية بخلاف الآية الأخرى التي قال فيها : خشية إملاق [ الإسراء : 31 ] ; فإنه خطاب لمن كان واجدا لما ينفق عليه في الحال ; غير أنه كان يقتله مخافة الفقر في ثاني حال ، وكان بعض جفاة الأعراب وجهالهم ربما يفعلون ذلك . وقد قيل : إن الأولاد في هاتين الآيتين هم البنات ، كانوا يدفنونهن أحياء ; أنفة وكبرا ، ومخافة العيلة والمعرة ، وهي الموءودة [ ص: 281 ] التي ذكر الله تعالى : وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت [ التكوير : 8 و 9 ]

                                                                                              والحاصل : أن أهل الجاهلية كانوا يصنعون كل ذلك ; فنهى الله تعالى عن ذلك ، وعظم الإثم فيه والمعاقبة عليه ، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك من أعظم الكبائر .

                                                                                              و (قوله : " وأن تزاني حليلة جارك ") الحليلة ، بالحاء المهملة : هي التي يحل وطؤها بالنكاح أو التسري . والجار : المجاور في المسكن ، والداخل في جوار العهد . وتزاني : تحاول الزنى ، يقال : المرأة تزاني مزاناة زنى ، والزنى وإن كان من الكبائر والفواحش ، لكنه بحليلة الجار أفحش وأقبح ; لما ينضم إليه من خيانة الجار ، وهتك ما عظم الله ورسوله من حرمته ، وشدة قبح ذلك شرعا وعادة ; فلقد كانت الجاهلية يتمدحون بصون حرائم الجار ، ويغضون دونهم الأبصار ; كما قال عنترة :


                                                                                              وأغض طرفي ما بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها

                                                                                              و (قوله : " فأنزل الله تصديقها : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون [ الفرقان : 68 ] يعني إلى آخر الآية ; ظاهر هذا : أن هذه الآية نزلت بسبب هذا الذنب الذي ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وليس كذلك ; لأن الترمذي قد روى هذا الحديث ، وقال فيه : وتلا النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر [ ص: 282 ] الآية ، بدل : فأنزل الله . . ، وظاهره : أنه - عليه الصلاة والسلام - قرأ بعد ذكر هذا الحديث ما قد كان أنزل منها ، على أن الآية تضمنت ما ذكره في حديثه بحكم عمومها ، وسيأتي الكلام على هذه الآية في تفسير سورة الفرقان .




                                                                                              الخدمات العلمية