الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              553 [ 290 ] وعن عبد الرحمن بن أبزى ; أن رجلا أتى عمر فقال : إني أجنبت فلم أجد ماء . فقال : لا تصل . فقال عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا ، ولم نجد ماء ، فأما أنت فلم تصل ، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ، ثم تنفخ ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك ، فقال عمر : اتق الله ، يا عمار ! قال : إن شئت لم أحدث به .

                                                                                              فقال عمر : نوليك ما توليت .


                                                                                              وزاد في رواية : قال عمار : يا أمير المؤمنين ! إن شئت ! لما جعل الله علي من حقك ، لا أحدث به أحدا.

                                                                                              رواه البخاري ( 338 ) ، ومسلم ( 368 ) ، وأبو داود ( 318 - 328) ، والنسائي ( 1 \ 165 - 170 ) .

                                                                                              [ ص: 613 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 613 ] (39) ومن باب تيمم الجنب

                                                                                              (قوله : " لو أن رجلا أجنب ") قال الفراء : يقال : أجنب الرجل وجنب ، من الجنابة ، قال غيره : يقال : جنب ; للواحد والاثنين والجمع ، والمذكر والمؤنث . قال ابن فارس : وقد قيل في الجمع : أجناب . والجنابة : البعد ، ومنه قوله :


                                                                                              فلا تحرمني نائلا عن جنابة ... ... ... ... ...

                                                                                              أي : بعد . قال الأزهري : وسمي : جنبا ; لأنه نهي أن يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر فيجتنبها . وقال الشافعي : إنما سمي جنبا من المخالطة . ومن كلام العرب : أجنب الرجل : إذا خالط امرأته . وهذا ضد المعنى الأول ، كأنه من القرب منها . وكان مذهب عبد الله بن مسعود : أن الجنب لا يتيمم ; لأنه ليس داخلا في عموم فلم تجدوا ماء [ النساء : 43 ] ; ألا تراه قد سلم ذلك لأبي موسى ونحا إلى منع الذريعة ، وكأنه كان يعتقد تخصيص العموم بالذريعة ; ولا بعد في القول به على ضعفه .

                                                                                              وأما عمر بن الخطاب فكان يرى أن الآية لا تتناول الجنب رأسا ; فمنعه التيمم لذلك ، وتوقف في حديث عمار لكونه لم يذكره حين ذكره به . وقد [ ص: 614 ] صح عن عمر وابن مسعود : أنهما رجعا إلى أن الجنب يتيمم ، وهو الصحيح ; لأن الآية بعمومها متناولة له ، ولحديث عمار ، وحديث عمران بن حصين حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي قال له : أصابتني جنابة ولا ماء ، فقال له : " عليك بالصعيد فإنه يكفيك " ، وهذا نص رافع للخلاف .

                                                                                              واختلف في الصعيد ما هو ؟ فروي عن الخليل : أنه وجه الأرض ; ويدل عليه قول ذي الرمة :


                                                                                              كأنه بالضحى ترمي الصعيد به دبابة في عظام الرأس خرطوم

                                                                                              فعلى هذا فيجوز التيمم بكل ما كان من جنس الأرض باقيا على أصل أرضيته ، وهو مذهب مالك ، وأبي حنيفة ، وقد صار علي - رضي الله عنه - إلى أنه التراب خاصة ، وهو قول الشافعي وأبي يوسف . وقولة شاذة عن مالك . وقد استدل أصحاب هذا القول بقوله - عليه الصلاة والسلام - : " وجعلت تربتها لنا طهورا " ، ولا حجة فيه ; لأن التراب جزء مما يتناوله وجه الأرض ، فهو مساو لجميع أجزائها ، وإنما ذكر التراب لأنه الأكثر ، وصار هذا مثل قوله : فيهما فاكهة ونخل ورمان [ الرحمن : 68 ] والله أعلم .

                                                                                              و (قوله : " لأوشك ") أي : لأسرع ، وقد تقدم . و (قوله - عليه الصلاة والسلام - : " إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا ") خاطبه بإنما ليحصر له القدر [ ص: 615 ] الواجب ، وهو أن يضرب الأرض بيديه ، ثم يمسح وجهه ، ثم يضرب ضربة أخرى فيمسح كفيه . ولم يختلف أن الوجه كله لا بد من إيعابه .

                                                                                              واختلفوا : هل الواجب أن يبلغ به إلى المرفقين أم يقتصر على الكوعين ؟ إنما يستحب الإيصال إلى المرفقين ، فإن اقتصر على الكوعين أجزأه ، وهذا مذهب ابن القاسم .

                                                                                              ومسحه الشمال على اليمين مراعاة لحال اليمين حتى تكون هي المبدوء بها . وكونه في هذه الرواية أخر الوجه في الذكر ، وكونه في الثانية قدمه ; يدل على عدم ترتيب الواو . ولم ينكر عمر على عمار إنكار قاطع برد الخبر ، ولا لأن عمارا غير ثقة ، بل منزلة عمار وعظم شأنه ومكانته كل ذلك معلوم ، وإنما كان ذلك من عمر ; لأنه لما نسبه إليه ولم يذكره توقف عمر ، ولذلك قال له : " نوليك من ذلك ما توليت " أي : ما تحملت عهدته مما ذكرته ، حدث به إنشئت . وقول عمار : " إن شئت لم أحدث " ، ليس لضعف الحديث ، ولا لأن عمارا شك فيما رأى وروى ، وإنما ذلك للزوم الطاعة ، وقد صرح به .

                                                                                              و (قوله : " فنفض يديه فنفخ فيهما ") حجة لمن أجاز نفض اليدين من [ ص: 616 ] التراب ، وهو قول مالك والشافعي ; دون استقصاء لما فيهما ، لكن لخشية ما يضر به من ذلك ، من تلويث وجهه أو شيء يؤذيه .




                                                                                              الخدمات العلمية