الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                2069 حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير حدثنا عاصم الأحول عن أبي عثمان قال كتب إلينا عمر ونحن بأذربيجان يا عتبة بن فرقد إنه ليس من كدك ولا من كد أبيك ولا من كد أمك فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك وإياكم والتنعم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبوس الحرير قال إلا هكذا ورفع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إصبعيه الوسطى والسبابة وضمهما قال زهير قال عاصم هذا في الكتاب قال ورفع زهير إصبعيه حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير بن عبد الحميد ح وحدثنا ابن نمير حدثنا حفص بن غياث كلاهما عن عاصم بهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحرير بمثله

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( عن أبي عثمان قال : كتب إلينا عمر رضي الله عنه ، ونحن بأذربيجان : يا عتبة بن فرقد ) إلى آخره ، هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على البخاري ومسلم ، وقال : هذا الحديث لم يسمعه أبو عثمان من عمر ، بل أخبر عن كتاب عمر ، وهذا الاستدراك باطل ، فإن الصحيح الذي عليه جماهير المحدثين ومحققو الفقهاء والأصوليين جواز العمل بالكتاب ، وروايته عن الكاتب ، سواء قال [ ص: 239 ] في الكتاب : أذنت لك في رواية هذا عني ، أو أجزتك روايته عني ، أو لم يقل شيئا ، وقد أكثر البخاري ومسلم وسائر المحدثين والمصنفين في تصانيفهم من الاحتجاج بالمكاتبة ، فيقول الراوي منهم وممن قبلهم : كتب إلي فلان كذا ، أو كتب إلي فلان قال : حدثنا فلان ، أو أخبرني مكاتبة ، والمراد به هذا الذي نحن فيه ، وذلك معمول به عندهم ، معدود في المتصل لإشعاره بمعنى الإجازة .

                                                                                                                وزاد السمعاني فقال : هي أقوى من الإجازة ، ودليلهم في المسألة الأحاديث الصحيحة المشهورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتب إلى عماله ونوابه وأمرائه ، ويفعلون ما فيها ، وكذلك الخلفاء ، ومن ذلك كتاب عمر رضي الله عنه هذا ، فإنه كتبه إلى جيشه ، وفيه خلائق من الصحابة ، فدل على حصول الاتفاق منه ، وممن عنده في المدينة ، ومن في الجيش على العمل بالكتاب . والله أعلم .

                                                                                                                وأما قول أبي عثمان : كتب إلينا عمر ، فهكذا ينبغي للراوي بالمكاتبة أن يقول : كتب إلي فلان قال : حدثنا فلان ، أو أخبرنا فلان مكاتبة ، أو في كتابه ، أو فيما كتب به إلي ، ونحو هذا . ولا يجوز أن يطلق قوله حدثنا ولا أخبرنا . هذا هو الصحيح ، وجوزه طائفة من متقدمي أهل الحديث وكبارهم معهم منصور والليث وغيرهما . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( ونحن بأذربيجان ) هي إقليم معروف وراء العراق ، وفي ضبطها وجهان مشهوران أشهرهما وأفصحهما وقول الأكثرين أذربيجان بفتح الهمزة بغير مدة ، وإسكان الذال وفتح الراء وكسر الباء . قال صاحب المطالع وآخرون هذا هو المشهور والثاني مد الهمزة وفتح الذال وفتح الراء وكسر الباء . وحكى صاحب المشارق والمطالع أن جماعة فتحوا الباء على هذا الثاني ، والمشهور كسرها .

                                                                                                                قوله : ( كتب إلينا عمر : يا عتبة بن فرقد إنه ليس من كدك ، ولا كد أبيك ، فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك ، وإياكم والتنعم وزي أهل الشرك ، ولبوس الحرير ) أما قوله : ( كتب إلينا ) فمعناه كتب إلى أمير الجيش ، وهو عتبة بن فرقد ليقرأه على الجيش ، فقرأه علينا .

                                                                                                                [ ص: 240 ] وأما قوله : ( ليس من كدك ) فالكد التعب والمشقة ، والمراد هنا أن هذا المال الذي عندك ليس هو من كسبك ، ومما تعبت فيه ، ولحقتك الشدة والمشقة في كده وتحصيله ، ولا هو من كد أبيك وأمك ، فورثته منهما بل هو مال المسلمين ، فشاركهم فيه ، ولا تختص عنهم بشيء ، بل أشبعهم منه وهم في رحالهم أي منازلهم كما تشبع منه في الجنس والقدر والصفة ، ولا تؤخر أرزاقهم عنهم ، ولا تحوجهم يطلبونها منك ، بل أوصلها إليهم وهم في منازلهم بلا طلب .

                                                                                                                وأما قوله : ( وإياكم والتنعم وزي العجم ) فهو بكسر الزاي . ولبوس الحرير هو بفتح اللام وضم الباء ما يلبس منه ومقصود عمر رضي الله تعالى عنه حثهم على خشونة العيش ، وصلابتهم في ذلك ، ومحافظتهم على طريقة العرب في ذلك ، وقد جاء في هذا الحديث زيادة في مسند أبي عوانة الإسفرايني وغيره بإسناد صحيح قال : أما بعد فاتزروا وارتدوا ، وألقوا الخفاف والسراويلات ، وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل ، وإياكم والتنعم وزي الأعاجم ، وعليكم بالشمس فإنها حمام العرب ، وتمعددوا واخشوشنوا ، واقطعوا الركب ، وابرزوا ، وارموا الأغراض . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية