الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ضرورة الاجتهاد الجماعي

      الاجتهاد الجماعي في العصر الحالي ضرورة قصوى ومقصد جليل في حد ذاته، ليس لكثرة المشكلات والوقائع الجزئية التي ليست لها أحكامها فقط، وإنما لوجود الظواهر المعقدة والأوضاع العامة التي هي فوق جزئيات تلك المشكلات والوقائع، ولضخامة حجم الهيمنة الأجنبية التي تركت آثارها في بعض أنماط التفكير والسلوك لدى شعوب الإسلام وأمته، التي هي في أشد الحاجة إلى استفراغ منقطع النظير، ومتابعات قد تفني أعمارا وأحقابا لو تركت لأفراد وأعلام معينين.

      فليس هناك من سبيـل سوى اعتـماد الجمـاعية الاجتهادية، القائمة على عمل الخبراء واستنـباط الفقـهاء، ودور المؤسسـات العلمية والجـامعية والشرعية، والاستئناس بالعلوم والمعارف العصرية.

      ولأن الغرض من الاجتهاد المعاصر ليس هو بيان أحكام بعض [ ص: 169 ] النوازل الخاصة والجزئية بقدر ما هو بحث في طبائع العصر وظواهره المعقدة وخصائصه العامة، وتداخل علاقاته، وتشابك مصالحه، التي لها تأثير ما بالنوازل والأوضاع المعروضة للاجتهاد، فقد ولى عصر الاجتهاد الفردي وعلماء الموسوعات، وحل محله عصر المؤسسات والمجامع والاتصالات والموسوعات (المدونة لا الموسوعات الآدمية ) والتخصصات [1] ، وقد دعا إلى هذا الكثير من العلماء والفقهاء والمصلحين الذين رأوا في الاجتهاد الفردي عجزه عن المعالجة الشمولية للعصر وأحواله، على الرغم من أهميته المعتبرة في الإفتـاء والاحتـكام في بعض النـواحـي الفردية والعامة والتي لا تحتاج إلى مجهود كبير وغير يسير. [2] إن دور الاجتهاد الفردي يبقى محصورا ضمن حدوده ومجالاته، كأن تطغى عليه جوانب الإفتاء والنقول ومعالجة بعض الأحوال الفردية وغير المعقدة، أو أن يكون دوره متمثلا في إعداد الرؤى والمقترحات والخواطر التي يجعلها الاجتهاد الجماعي منطلقا ومدخلا لأعماله ونتائجه، أما أن يتولى عالم بمفرده أو قلة من [ ص: 170 ] الفقهاء الإفتاء في قضية من قضايا الأمة أو نازلة من نوازل المحدثات المعقدة، فهذا ما لا يوصل إلى المراد من تحصيل صحيح المقصود الشرعي أو القريب منه .. فاجتهاد الأمة هو الصواب عينه والضرورة نفسها، وهو الذي باركه الله تعالى وأثنى على أربابه وأهله، وهو الذي له أصوله وجذوره، فقد مورس في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة للمسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومارسه عمر صلى الله عليه وسلم كثيرا، بل ومنع الفقهاء من مغادرة المدينة ليأخذ رأيهم فيما يستجد من مشكلات الدولة، ومارسه طبقة الحكام والأئمة في مختلف العصور والظروف، وهو الأجدر بالتطبيق والأليق بطبيعة العصر وتطوراته، والأنسب لتعاليم الشرع ومقاصده. [ ص: 171 ]

      التالي السابق


      الخدمات العلمية