الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5805 6157 - حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينفر، فرأى صفية على باب خبائها كئيبة حزينة; لأنها حاضت، فقال: " عقرى حلقى - لغة قريش - إنك لحابستنا" ثم قال: "أكنت أفضت يوم النحر؟". يعني: الطواف - قالت: نعم. قال: "فانفري إذا". [انظر: 294 - مسلم: 1211 - فتح: 10 \ 550]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: في قصة أفلح. وفيه: "إنه عمك، تربت يمينك". وقد سلف.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث عائشة - رضي الله عنها - في صفية لما حاضت: "عقرى حلقى" لغة قريش. وسلف في الحج. قال ابن السكيت: يقال تربت يداه; إذا افتقر . ولم يدع عليه بذهاب ماله، وإنما أراد المثل ليرى المأمور بذلك الحد، وأنه وإن خالفه فقد أساء.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 565 ] وقال الأصمعي في قوله: "تربت يمينك" وتربت يداك: معناه (الاستحباب) كما تقول: انج، ثكلتك أمك. وأنت لا تريد أن تثكل.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو عمرو: أصابها التراب ولم يدع بالفقر عليها.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو زيد: ترب إذا افتقر، وإنما أراد بهذا أي: في يده التراب.

                                                                                                                                                                                                                              قال النحاس: أي: ليس يحصل في يده غيره. ويقال: ترب الرجل: إذا افتقر، وأترب إذا استغنى. وقال ابن كيسان: المثل جرى على أنه إن فاتك ما أغريتك به افتقرت إليه يداك. فكأنه قال: تربت يداك إن فاتك. وهذا من الاختصار الذي عرف معناه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال غيره: هي كلمة لا يراد بها الدعاء، وإنما تستعمل في المدح كما قالوا للشاعر إذا أجاد: قاتله الله، لقد أجاد. وكما قالوا: "ويل أمه مسعر حرب" . وهو يتعجب منه ويمدحه، ولكنه دعا على أمه بالويل، وهو لا يريد الدعاء عليها من غضب، وهذا كلامهم، وهو مثل: تربت يمينك، والأظهر أنها كلمة جرت على ألسنتهم لا يريدون بها الدعاء كما سلف، وأبعد من قال: تربت: استغنت.

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي: هو خطأ، قال: ومعناه هنا: افتقرت من العلم.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف أهل اللغة أيضا في تأويل قوله: "عقرى حلقى"، فقال صاحب "العين": يقال للمرأة ذلك، أي: مشئومة، ويقال: هو دعاء عليها، يريد: حلقها الله وعقرها .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 566 ] وقال أبو علي القالي: عقرى من العقر دعاء على الإنسان، وعقرا أيضا، وحلقى: من حلق الرأس وحلقا أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن قتيبة: "عقرى حلقى" أي: عقرها الله وأصابها بوجع في حلقها .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو عبيد في "أمثاله": ومن الدعاء قولهم: (عقرى حلقى) . وأهل الحديث يقولون: عقرى حلقى، وعقرا حلقا، وقال في "غريب الحديث": عقرى حلقى وعقرا حلقا . وكذا ذكره القزاز بالتنوين مصدرين وعدمه، وعبارة ابن التين: "عقرى حلقى". أي: مشئومة مؤذية، معناه: عقرها الله وأصابها وجع في حلقها. وقال الأصمعي: يقال لما يتعجب منه ذلك. وقيل معناه: عقرك الله عقرا، وحلقك كما يحلق الشعر. وقال الداودي: (جرى ذلك على ألسنتهم) .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              في الحديث الأول تحريم لبن الفحل وهو قول أكثر العلماء، وروي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها لم تأخذ به.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: "فانفري" ظاهر أن طواف الوداع ليس بواجب عليها، ونقل ابن التين عن فقهاء الأمصار أن طواف الوداع مستحب.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية